مدينة الخانكه..... مدينة العقلاء

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



لا تندهش عندما تتجول فى مدينة الخانكه وتطالعك وجوه من باكستان وأفغانستان والهند وماليزيا ووجوه أخرى من الشرق الأقصى وحتى من أوربا والأمريكتين ..
وفود تاتى وتمضى فى نفس اليوم
غاية ما ترجوه بعد مشاق السفر لألاف الكيلو مترات هى راحة النفس تاره بطلب البركه من مزارات الأولياء وأخرى بحثاً عن إجابة لسر من أسرار الخانكه وما أكثرها ...

فالخانكه التى تم إنشاؤها بالمخالفه لكا الأعراف التى بنيت من أجلها غالبية مدن العالم إما لتحقيق أهداف سياسيه أو لخدمة تجمعات بشريه تعمل فى الزراعه أو الصناعه أنشئت وفاء لنذر سلطانى
فحسب مايروى فى سير المؤرخين ( المقريزى المواعظ والأعتبار - الجزء الثانى )

فإن السلطان المملوكى الملك الناصر محمد بن قلاوون كان من عادته الخروج من حين لأخر فى رحلة صيد بالصحارى المتاخمه للقاهره ،وكان أن أمضى بعض الوقت فى صحراء بالقرب من قرية سرياقوس قليوبيه وهناك شعر بألم عظيم فى جوفه كاد يؤتى عليه وظل يتجلد حتى عجز عن إحتمال الألم فنذر لله إن عافاه ليبنين فى هذا الموضع مكاناً يعبد فيه الله ثم عاد محمولا إلى القاهره حيث لزم الفراش فى قلعة الجبل (صلاح الدين ) عدة أيام ولما عوفى وشفى تماماً من المرض وحمد الله وركب بنفسه على رأس موكب سلطانى كبير ومعه المهندسون وخط على بعد ميل من قرية سرياقوس مدينه جديده عام 750 هجرياً ، جعل فيها مائة خُلوه لمائة صوفى فقير وبنى بجانبها مسجداً كبيراً تقام به صلاة الجمعه كما بنى حماماً ومطبخاً وبيوتاً جميله ودعا الناس إلى السكنى فيها ، وعرفت تلك المدينه فى بادئ الأمر بإسم ( الخانقاة السرياقوسيه ) وكلمة الخانقاة هى لفظ فارسى معناه البيت المخصص للمتصوفين الذين يجتمعون فيه وينقطعون للعباده ،وقد ظهرت الخوانق فى العراق فى عصر الدوله العباسيه وانتشرت فى العراق وإيران وعرفتها مصر فى زمن الناصر صلاح الدين الأيوبى وكان الغرض منها إيواءفقراءالصوفيه الوافدين من البلاد النائيه إلى مصر .وكان يخصص لهم وقفاً للإنفاق عليهم وسار من بعده الأمراء والملوك .
وكان لتلك الواقعه أثر بالغ فى نفوس المصريين حيث أشتهرت الخانكه بعد ذلك بأرض البركه وأن لا أحد قصدها بالخير والرجاء إلا ورد إليه بأكثر منه وحقق الله رجاؤه ، فبعد واقعة الناصر قلاوون بمائة عام تولى حكم مصر ملك مملوكى أخر هو الأشرف برسباى عام 850 هجرياً والذى سعى لفتح جزيرة قبرص وضمها لملكه بعدما وجد أنها صارت بؤره للقوات الصليبيه التى طردت من الشام فيجتمعون على أرضها ويشنون الغارات على سواحل مصر فسعى إلى ضمها وخرج بجيش كبير من القاهره وفى الطريق مر بالخانقه السرياقوسيه وهناك تذكر كما كان من أنر سلفه الناصر محمد بن قلاوون من نذر ، فنذر هو الخر إن احياه الله تعالى وظفر بعدوه الملك ( جان دى لوز ينيان )ملك قبرص وفتحها ورجع سالماً ليعمرن فى هذا المكان مسجداً وسبيلاً
وفى هذا يقول المؤرخ إبن إياس :
فأعطاه الله تعالى النصر وفتح جزيرة قبرص وأسر ملكها وجئ به إلى القاهره أسيراً فأقدم برسباى على الوفاء بنذره فأنشأ مسجداً كبيراً يُعد تحفه معماريه وأثراً هاماً من أثار مصر الإسلاميه وألحق به سبيلاً كما أنشأ بها مدرسه لتحفيظ القرأن ولتدريس العلوم وكانت قبله لعلماء هذا العصر يتوافدون عليها مثل الحافظ بن حجر العسقلانى صاحب فتح البارى والدررالكامنه فى أعيان المائه الثامنه والإصابه . والحافظ بدر الدين العينى صاحب عمدة القارى شرح صحيح البخارى وعقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان ، والمؤرخ العظيم المقريزى صاحب كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك وإتعاظ الحنفا والخطط المقريزيه .
ونهل من علم هؤلاء الكثير ممن أسهموا بعد ذلك فى نهضة مصر والعالم الإسلامى
وبمرور السنين حُرِفَ أسم الخانقاة من قبِل العامه إلى الخانكه والمعروفه به إلى الأن بعدما صارت مدينه كبيره تقه شمال القاهره وعلى بعد 22 كيلوا متراً منها تقريباً وهى تتبع إدارياً محافظة القليوبيه وعدد سكانها 69.791 وفقاً لتعداد عام 2006 تضم حوالى 6 وحدات محليه قرويه هى الخصوص والقلج وسرياقوس والجبل الأصفر وأبو زعبل والمنايل إلى جانب 14 قريه ومن أشهر شوارعها الجمهوريه والبطل أحمد عبد العزيز ومجمع المحاكم



أشهر الأثار الاسلامية فى مدينة الخانكة :-

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مسجد السلطان الأشرف برسباى

المدرسه الطبيه
كما لعبت الخانكه دوراً هاماً فى بناء مصر الحديثه فى عهد محمد على باشا الكبير حيث أختارها محمد على مقراً للجيش المصرى كما أنشأ بها أول دار للطب لخدمة الجنود بناء على نصيحة كلوت بيك الطبيب رئيس الأطباء الجيش فى ذلك الوقت
ويروى احد المؤرخين :
لما كانت مدينة الخانكه هى مقر المعسكر العام للجيش فقد أشار عليه كلوت بيك بإنشاء مستشفى عسكرى بالقرب منها فى قرية أبى زعبل ، ونفذ محمد على هذا الأقتراح ولم يلبث هذا المستشفى أن تحول إلى مستشفى عام لمعالجة الجنود والمدنيين ثم خطر له أن ينشئ بجوار المستشفى مدرسه لتخريج الأطباء فكانت أول مدرسه للطب فى مبعث النهضه الطبيه ثم نقلت المدرسه ومعها المستشفى إلى قصر العينى فى عام 1837 والذى صار أعرق مدرسه طبيه فى الشرق العربى
كما أنشأ محمد علي بها مدرسه كبيره سنة 1818 وجلب لها أنبغ العلماء والأساتذه وتعلم بها الأمير عباس وبعض من أحفاده ، كما كانت المدرسه قبله لأبناء كبار رجال الدوله جاءوا إليها وتعلموا بين جدرانها
كما كانت الخانكه واحده من أقدم مدن العالم التى عرفت خطوط السكك الحديديه بوقوعها على الخط الواصل بين محطتى المرج وشبين القناطر وهو الخط المعروف عند العامه بخط الشرق وقد بدأ العمل منذ عام 1892 من محطة كوبرى الليمون إلى محطة القلج واستكمل عام 1911 ليصل إلى منطقة شبين القناطر

الزراعه والصناعه
تختلف الخانكه عن بقية مدن مصر بجمعها بين الزراعه والصناعه فتشتهر بكونها المصدر الأول لتمويل القاهره الكبرى بالمحاصيل والخضروات والفاكهه لاسيما الموالح والجوافه من حدائق الجبل الأصفر
كما تضم الخانكه منطقة الشروق الصناعيه الهامه والتى أقامتها الدوله على مساحة 137 فداناً وتضم مجمعاً للصناعات الحرفيه والصغيره للشباب وصغار المستثمرين بالأضافه إلى مشروعات صناعيه متنوعه مثل الصناعات الهندسيه والمعدنيه والغذائيه ومن أشهر صناعاتها الأسمده الكيماويه وصناعة الأدويه بأبى زعبل والأثاث المكتبى وزجاج السيارات ومواسير الصرف الصحى والثلج الغازى والخزف والقيشانى
كما شهدت المدينه لسنوات أكبر مشروع لأنتاج بيض المائده بطاقة 30 مليون بيضه وقد أستوعبت كل تلك المشروعات الألاف من أبناء الخانكه مما أسهم فى إختفاء كلمة البطاله فى قاموس الحياه اليوميه لإبناء الخانكه

الأشتر العجمى
ولكونها قبله للصوفيين والعابدين فقد أختارها عدداً من أئمة السنه والشيعه على مر العصور لتكون داراً يأوون إليها ويدفنون فيها منهم مالك الأشتر العجمى والذى إليه يفد الناس من أقطار شرق أسيا لاسيما باكستان وأفغانستان وإيران لزيارته سنوياً لكونه واحداً من رموز طائفه البهره الإسماعليين ، ولذا يتوافدون بالألاف سنوياً لزيارة الضريح والتبرك به ويعرف عنه كونه واحداً من الأصحاب المقربين للإمام علي رضى الله عنه وقد قتله معاويه بن أبى سفيان عن طريق معاونيه فى مصر حيث دس السم فى العسل

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الأشتر العجمى
وينتمى مالك بن الحارث النخعى وهذا هو أسمه الحقيقى إلى قبيله يمنيه عريقه ، وقد أسلم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وكان من المخلصين فى إيمانه وإسلامه وبعد مقتل الخليفه عثمان كان مالك أول من بايع علي بن أبى طالب وتبعته جماهير المسلمين وكام مالك الأشتر فارساً شجاعاً فتولى قيادة الجناح الأيمن فى معركة الجمل وأبلى بها بلاءحسناً ، وقد قال عنه أمير المؤمنين علي بن أبى طالب :
مالك وما أدراك ما مالك ، وقد توفى الأشتر فى مصر بعدما أرسله الإمام علي لدعم موقفه فى مصر وقت أزمة التحكيم بينه وبين معاويه إلا أن معاويه دس له السم فى الطعام فمات سنة 37 هجرياً وقال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب فور علمه بما جرى : جزى الله مالكاً خيراً ، كان عظيماً مُهاباً ، أكبر من الجبل وأشد من الصخر والله لقد تزلزلت بموته عالم أمه وفرح بموته عالم وأمه فلمثل مالك فلتبكى البواكى .
ولقد أكد أكثر من مؤرخ ورحاله أن الأشتر دفن فى مرقده الحالى بمدينة الخانكه ، منهم العلامه أبن الكلبى عن أبيه فقال : لما سار الأشتر إلى مصر أخذ فى طريق الحجاز فقدم المدينه فجائه مولى لعثمان يقال له نافع وأظهر له الود فلم يزل معه إلى عين شمس بالقرب من المطريه فلما وصل إليها تلقاه أهل مصر بالهدايا وسقاء نافع العسل فمات ودفن بالقرب من بلدة الخانكه وهذه المنطقه واقعه ضمن حدود مدينة عين شمس القديمه
أما أكثر زوار مرقد الأشتر فهم العرب والأجانب ، كما تشتهر الخانكه بوجود مزارات دينيه عده لأضرحه ومشاهد كثيره منتشره فى أنحاء متفرقه من المدينه والقرى التابعه لها وهى الأولياء ويمثلون رموزاً للطرق الصوفيه وبعضهم علماء أشتهروا فى زمانهم أو لهم كرامات تعمق من مكانتهم الروحيه فى قلوب الناس أبرزهم سيدى صاحب الدواوين والطوخى والشيخه بدويه وسيدى عبد الكريم طه والبرى والشيخ بلال محمد العراقى ومحمد الكردى ومحمد الكويس
وتروى عن كل منهم كرامات عده يحلو لأهل الخانكه ذكرها من حين لأخر أبرزها مايروى أن هناك حضرة ذكر فى حياة البرزخ - العالم الغير مرئى - تقام يوم أثنين وخميس فى مقام صاحب الدواوين ويحضره أولياء الله من كل بقاع مصر وتتقد مهما السيده زينب رضوان الله عليها والتى تجلس على اليمين من صاحب الدواوين ويتم فى جلسة الذكر تلك قراءة القرأن وتسبيح المولى عز وجل حتى مطلع الفجر .

مسجد الأشرف برسباى تحفه العماره الإسلاميه
فى قلب شارع الأقسميه بمدينة الخانكه يقع مسجد السلطان الأشرف والذى أنشأه السلطان سيف الدين برسباى عام 841هجرياً / 1437 م ويعد ثالث المساجد التى أنشأها السلطان فى مصر وهو جامع فسيح يتكون من صحن مكشوف تحيط به أربعة أروقه أكبرها رواق القبله الذى يشتمل على ثلاث صفوف من العقود المحموله على اعمده رخاميه ، ويتكون كل من الرواقين الجانبين من صفين كما يتكون رواق المؤخره من صف واحد ، هذا ويغطى رواق القبله سقف من الخشب على شكل مربعات وطبال منقوشه ويكسو الجزء السفلى من حوائطه وزره من الرخام الملون يتوسطها محراب رخامى يقوم إلى جواره منبر من الخشب طعمت حشواته بالسن والوجهه الرئيسيه تشرف على الطريق العام وبها المدخل الذى تغطيه مقرنصات جميله ويحلى صدره أشرطة من الرخام الأبيض والأسود بأعلاها طراز مكتوب به تاريخ الفراغ من عمارة هذا الجامع سنة 841 هجريه وإلى يمين المدخل سبيل يعلوه كتاب وإلى يساره تقوم مئذنه مكونه من ثلاث طبقات مماثله لمئذنة مسجده بشارع المعز لدين الله
وللجامع ثلاث وجهات أخرى بمنتصف الواجهه الغربيه منها مدخل اخر وكان لهذا الجامه دورة مياه منفصله عنه مازالت محتفظه بمعالم تخطيطها القديم وقد عانى المسجد لسنوات من الأهمال قبل ان تنتبه إلى أهميته التاريخيه والمعماريه إدارة حفظ حفظ الأثار العربيه التابعه لوزارة الأوقاف فأعادت ترميمه وإصلاحه إصلاحاً شاملاً وتقام به الأن الصلوات الخمس
وتقول الدكتوره / سعاد ماهر ( الجزء الرابع - مساجد مصر وأولياؤها الصالحون )
تولى السلطان برسباي سلطة مصر ثلاث ملوك ضعاف وهو جركسي الجنس جلبه بعض التجار إلى البلاد الشاميه فاشتراه الأمير دقماق المحمدي نائب ملطيه ثم قدمه إلى الملك الظاهر برقوق فأخذه وجعله من جملة الممماليك السلطانيه ثم أعتقه .

المصدر : الأهرام
الكاتب : محمد عبد الحميد