جيش باكستان يرقب خطوات تقارب شريف مع الهند

اسلام اباد (رويترز) - أطاح جيش باكستان القوي بنواز شريف من منصب رئيس الوزراء قبل 14 عاما وقيد يديه وأجبره على الإقامة في المنفى ثم عاد شريف لنفس المنصب الان ويرقب الجيش كل خطواته خاصة خطوات مقررة لتخفيف التوتر مع الهند. حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز شريف على 124 مقعدا من بين 272 مقعدا كان يجري التنافس عليها في الانتخابات البرلمانية التي أجريت هذا الشهر. وحصل حزب الشعب الباكستاني أقرب المنافسين على 31 مقعدا فقط في أول تسليم ديمقراطي للسلطة منذ استقلال باكستان عام 1947. لكن شريف يرث بلدا شبه مفلس ظل الجيش يحكمه لأكثر من نصف تاريخه الممتد 66 عاما. كما أن البلاد تواجه تمردا من طالبان وعنفا طائفيا وانقطاعا يوميا للكهرباء ومعدل بطالة مرتفعا جدا بين سكانها البالغ عددهم 180 مليون نسمة. وقال شاه زاد تشودري وهو ضابط سابق بالقوات الجوية "لدى باكستان العديد من المشاكل التي يحتاج فيها (شريف) المساعدة والدعم من كل الأطراف بما في ذلك الجيش." والسؤال الآن هل سيمنح الجيش شريف الحرية اللازمة لفعل كل ما يريد؟ أكبر مصدر للاحتكاكات المحتملة ما يهدف إليه من تعزيز التجارة والعلاقات مع الهند. وخاض البلدان ثلاث حروب منذ الاستقلال عن بريطانيا اثنان منها بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه. ستخضع سياسات شريف تجاه الهند لتدقيق شديد إذ إن هناك البعض داخل الجيش يبرر الميزانية الهائلة بالتهديد المحتمل من الهند لكن هناك مؤشرات على أن الجيش ربما تكون لديه قابلية للمبادرات أكثر قليلا من قبل. وفي عام 1999 نسف الجيش محاولات شريف لتحسين العلاقات مع الهند عندما أرسل سرا جنودا متنكرين في صورة متشددين للسيطرة على نقاط هندية في مرتفعات كارجيل في شمال الجزء الهندي من كشمير. وعندما حاول شريف إقالة برويز مشرف الذي كان حينئذ قائدا للجيش استولى مشرف على السلطة من خلال انقلاب عسكري. ووعد شريف بإجراء تحقيق في غزو كارجيل. ويعتقد أغلب ضباط الجيش أن هذه خطوة سياسية تستهدف أساسا مشرف الذي يخضع حاليا للإقامة الجبرية في منزله بالعاصمة أكثر منها خطة لمعاقبة كبار الضباط. وبذل شريف جهدا كبيرا لإعفاء الجيش من مسؤولية الإطاحة به خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرا. وقال "لم تواجهني أي مشكلة قط مع الجيش. دبر الانقلاب شخص واحد... باقي الجيش لم يكن في الصورة. علينا أن نتعاون." ويقول ضباط إنهم يراقبون ثلاث مسائل عن كثب وهي تشكيل لجنة للتحقيق في الغزو الذي حدث عام 1999 والشخصية التي ستحل محل قائد الجيش في نوفمبر تشرين الثاني عندما تنتهي فترته والطريقة التي يخطط بها شريف للتعامل مع المتشددين خاصة طالبان الباكستانية. ويفرق الجيش بين طالبان "الطيبة" التي لا تهاجم قوات الأمن الباكستانية وتحارب في أفغانستان وطالبان "الشريرة" التي قتلت عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين في باكستان. ويفضل شريف إجراء محادثات مع طالبان الباكستانية. ويعتقد الكثير من الجيش أن هذه الطريقة يمكن أن تساعد على معالجة مشكلات فردية لكنهم لا يريدون أي حلول وسطى في قضايا مثل تغيير الدستور الباكستاني. وقال الميجر جنرال محمود دوراني مستشار الأمن القومي خلال الحكومة السابقة إن الجيش يريد ان يعرف ما إذا كان بمقدور شريف توحيد أقاليم باكستان الأربعة والتي يتزعم كل منها حزب مختلف تقريبا للحد من التشدد. كان المتشددون في باكستان يتمتعون سابقا بمساندة الجيش الذي كان يستخدمهم لشن حرب بالإنابة على الهند. ويصر مسؤولون بالجيش على أن هذا الوضع تغير لكن مازالت الاتهامات توجه في بعض الاحيان لعناصر داخل الجيش بدعم الجماعات المتشددة. واتهمت الهند عناصر في قوات الأمن الباكستانية بدعم مسلحين هاجموا مدينة مومباي عام 2008 وهو ما نفته باكستان بشدة. قال دوراني إن موقف باكستان من الهند يتغير ببطء مما يعني أنه من غير المرجح أن يقف كبار الضباط في طريق تقرب شريف من نيودلهي هذه المرة. وقال "بالنسبة لباكستان حتى تحقق تقدما.. عليها أن تعقد سلاما مع الهند... لكن الجيش لن ينزوي إلى الثكنات فحسب. بل ما زال يقوم بمساهمات كبيرة في السياسة الخارجية ولابد من جعله يقلع عن هذا تدريجيا." ويشير أشفق كياني القائد الحالي للجيش إلى الهند باعتبارها "تهديدا خارجيا" في خطب يلقيها لكنه أصبح الآن يذكر أيضا "التهديد الداخلي" وهو تغير كبير في خطابه. وقال ضابط رفيع "الجيش الآن مستنير بدرجة كافية ليفهم أهمية السلام مع الهند... الجميع يريدون حل قضية كشمير." لكن دوراني وتشودري الضابط السابق في القوات الجوية قالا إن أي تغييرات لابد أن تكون بطيئة وأن يقابلها تنازلات من الهند. وتابع تشودري "من العبث تخيل أن السياسة الخارجية يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها... هل يمكن تمني فقط اختفاء المشكلات مع الهند؟ هل يمكن تمني اختفاء مشكلة كشمير؟" قالت المحللة عائشة صديقة التي كتبت أبحاثا مطولة عن الجيش الباكستاني إن شريف ربما يستفيد أيضا من انقسامات بين جنرالات الجيش بشأن تمديد فترة رئيس الأركان. وأضافت أن كياني قضى فترتين مدة كل منها ثلاث سنوات مما تسبب في اعتراضات بين بعض من كانوا ينتظرون الترقية. وتنتهي فترة كياني في نوفمبر تشرين الثاني وسيتعين على شريف على الأقل اسميا أن يوافق على الشخص الذي سيحل محله. وقالت صديقة إنه أشار إلى أنه سيقبل توصية الجيش. ومضت تقول "يبدو أنه تعلم من أخطائه السابقة... ربما يستغل لجنة كارجيل (للتحقيق) كأداة سياسية لإفساح بعض المجال للتفاوض مع الهند." وأجرى شريف محادثات مع كياني استمرت ثلاث ساعات يوم السبت. ونقلت صحيفة ذا نيوز عن مسؤول في حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز شريف قوله "قائد الجيش ونواز شريف أبديا إصرارهما على محاربة الإرهاب... كما أشاد السيد شريف بدور الجيش في تعزيز الديمقراطية وتوفير الأمن خلال الانتخابات." ويقول اللفتنانت جنرال المتقاعد طلال مسعود إن السنوات الخمس الماضية أثبتت أنه في حين أن الجيش ما زال أكبر قوة في المشهد فلم يعد يرغب في تولي السلطة بشكل مباشر. وأصبح مشرف رهن الاحتجاز.. كما مثل جنرالات كبار أمام محاكم باكستان التي زاد نفوذها واتهموا بالتلاعب في الأصوات والفساد والقتل خارج نطاق القضاء. قال مسعود "لم يعد الجيش يحتكر السلطة كما كان سابقا... أداء الحكومة الأخيرة كان مثيرا للشفقة لكن الجيش لم يتدخل.. بل القضاء هو الذي فعل ذلك."