قراءة لحرب وزيرستان الباكستانية في ظل إستراتيجية أوباما
صفحة 1 من اصل 1
قراءة لحرب وزيرستان الباكستانية في ظل إستراتيجية أوباما
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الملخص
تهدف العملية التي أطلقها الجيش الباكستاني في 17 أكتوبر/تشرين أول الجاري "طريق الخلاص" إلى نقل الصراع إلى عقر دار طالبان الباكستانية في المنطقة الحدودية مع أفغانستان، لكنها تأتي في سياق الحملة الإستراتيجية الأميركية لاستهداف المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية.
وتثير هذه العملية العسكرية جملة من المخاوف أبرزها :
أن يكون الجيش الباكستاني قد دخل بهذه الحملة في صراع مسلح مع قبائل وزيرستان البشتونية، ما قد يؤدي إلى استقطاب الجماعات المسلحة الأفغانية إلى داخل التراب الباكستاني، فضلا عن مخاطر تكون تحالف بشتوني عابر للحدود بين البلدين. كما إنها وسعت نطاق العنف بحيث تجاوز المناطق الحدودية ليضرب منطقة البنجاب بما قد يشي بظهور ما يسمى "طالبان البنجاب".
وعلى رغم أن إستراتيجية أوباما الجديدة تستهدف هذه المنطقة الحدودية، فإن القوات الأميركية الأفغانية انسحبت من الجانب الآخر للحدود (الجانب الأفغاني)، بدلا من أن تحكم قبضتها عليها، في حين أن آخر الوحدات التي سوف يتم نشرها في أفغانستان كجزء من الإستراتيجية الأميركية سوف تركز جهودها داخل إقليم "هلمند" الأفغاني الذي يبعد جغرافياً عن شمال وغرب وزيرستان.
كل ذلك يؤكد أن هناك تحولاً في الإستراتيجية الأميركية باتجاه نقل الحرب الأفغانية داخل الأراضي الباكستانية، والتي سيكون من شأنها إلهاء باكستان داخلياً وإبقائها تحت جناح آلية المساعدات الأمريكية التي ربطت بشروط مجحفة، والتي من بينها:
بسط سيطرة باكستان على مناطق محددة، يُنظر إليها على أنها معاقل للجماعات المسلحة داخل باكستان، هذا بالإضافة إلى قضايا جوهرية أخرى بالنسبة لباكستان مثل:
مسألة الانتشار النووي، وكذلك ما يُسمى بتحكيم العناصر المدنية في تسيير الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.
ورغم هذا التدخل الأميركي فإن أركان الجيش ما زالوا يفضلون الابتعاد عن الخوض في الحقل السياسي الداخلي، لأن الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة "افعل ما تؤمر" في مجال الأمن القومي الباكستاني.
والتقدير الراجح هو أن القيادتين السياسية والعسكرية تتجاوبان مع الإستراتيجية الأميركية خوفا على الأمن الداخلي للبلاد، ومن المتوقع ألا يتجاوز الجيش في حملاته العسكرية الحدود الباكستانية، وأن ينأى بنفسه في المستقبل عن أي تحالف يتجاوز حدود باكستان.
النص
تشهد الساحة الباكستانية حالياً تأزماً حاداً على صعيدين متوازيين:
أولا:
هناك العمل العسكري الذي تقوم به حركة "طالبان باكستان"، والذي ازداد شدة وقوة وانتقل إلى مستويات جديدة.
ثانيا:
هناك العمل العسكري للجيش الباكستاني الذي بدأ يعزز نشاطه داخل منطقة جنوب وزيرستان القبلية المعروفة باضطراب الأوضاع الأمنية فيها وصعوبة الوصول إليها، والتي يرى البعض فيها "مركزا" لحركة تمردٍ ما فتئت تكبر.
فما نشهده اليوم من تصعيد في عمليات "الإرهاب" و"الحملات المضادة للإرهاب"ما هو إلا مؤشر على نهاية "الاستراحة" التي عرفتها مرحلة ما بعد سوات، والتي لم تعمر طويلاً، وبداية لمرحلة جديدة من "حشد الصفوف" بين مختلف أطراف اللعبة في الساحة الباكستانية.
ويأتي كل هذا في وقت بدأت تتجلى فيه علامات "لعبة أكبر" في الإستراتيجية الأميركية الجديدة الخاصة بالمناطق المتجاورة الأفغانية الباكستانية والتي أطلق عليها اسم "أف-باك"، مع كل ما جرته من انتقادات وجدل حاد في الأوساط السياسية الباكستانية.
كما يذكرنا الوضع الحالي أيضاً بمدى عمق تأثير الحرب الأفغانية، التي دامت ثماني سنوات حتى الآن، على باكستان. فما بدا سنة 2001 كحرب أميركية محدودة "ضد الإرهاب" داخل أفغانستان، أصبح اليوم ينذر بتحوله إلى نزاع إقليمي سيستمر توسعه وانتشاره في المنطقة بأكملها.
المشهد الحالي: العناصر المكونة لسيناريو "الإرهاب"
من الضروري التنويه إلى أن الساحة الباكستانية ظلت خلال شهر أكتوبر/تشرين أول من العام الحالي مسرحاً لنشاطات المليشيات التي كثفت من عملياتها على نطاق واسع وبوتيرة سريعة ودرجة كبيرة لم يسبق لهما مثيل. ولا ينحصر هذا الاستثناء في ارتفاع عدد العمليات الانتحارية أو تلك التي تعتمد على مبدأ "اضرب واهرب"، بل إنها تتجاوز ذلك إلى النوعية والأسلوب اللذين أصبحت تُنفذ بهما، من توقيت دقيق واختيار محكم للأهداف، من أجل إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والممتلكات.
ولعل أكثر هذه العمليات جرأة ودقة، ذلك الهجوم الذي نُفذ ضد المقر العام للجيش الباكستاني، والذي أعقبته هجمات ثلاثية منسقة استهدفت مقرات القوات شبه العسكرية والشرطة، بالإضافة إلى التفجيرات التي استهدفت مرافق عمومية ومؤسسات تعليمية.
وقد تمخض عن هذه العمليات، مع ما تشكله من تعقيد لوجستي وتكتيكي، تقييمات متضاربة لقدرات حركة طالبان باكستان:
*فهناك من يرى أن الوضع الحالي هو مؤشر على أن الحركة بدأت تلجأ إلى عمليات يائسة بعد أن سادت الفوضى في صفوفها عقب الحملة الناجحة التي حققها الجيش الباكستاني في منطقة سوات ضدهم.
*وهناك من يرى في ما يجري حالياً مؤشراً على تنامي قوة هذه المليشيات وقدرتها على بلوغ أهداف متفرقة في البلاد، من الشمال الغربي للبلاد إلى لاهور في قلب منطقة البنجاب.
*ومن المنطقي أن البنية الأساسية لحركة ثورية ذات نطاق عمليات واسع كهذا، يجب أن تكون -ولو نظرياً- دليلاً على وجود ما أصبح يُطلق عليه الآن "طالبان البنجاب". كل هذه النظريات والتخمينات تَصُبّ جميعاً في خانة التأكيد على أن تكثيف الهجمات ذات الطبيعة المليشية ترمي إلى تحذير الحكومة مبكراً من مغبة التوغل داخل إقليم وزيرستان.
قراءة متأنية لعملية "طريق الخلاص"
الدور الأكبر في إستراتيجية أوباما
نظرة عامة على الموقف الباكستاني
*فمن جهة أولى، تبقى مجبرة على تنفيذ مطالب أمريكا التي مافتئت تكبر، ولا غرابة أن يطلق البعض على هذه الحالة متلازمة "عليك فعل المزيد".
*ومن جهة ثانية، هناك التحول الإستراتيجي لأميركا نحو تعزيز علاقاتها مع الهند ودعمها في بسط هيمنتها على المنطقة بصفة عامة، وهو بالطبع ما لا تستسيغه باكستان إطلاقاً.
فمن الطبيعي إذن أن نرى باكستان الآن في صراع مرير للحفاظ على مركزها الإقليمي ومصالحها الإستراتيجية.
وهنا يرد تساؤل:
المخاوف الكامنة والتوجهات الممكنة
بقلم:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الملخص
تهدف العملية التي أطلقها الجيش الباكستاني في 17 أكتوبر/تشرين أول الجاري "طريق الخلاص" إلى نقل الصراع إلى عقر دار طالبان الباكستانية في المنطقة الحدودية مع أفغانستان، لكنها تأتي في سياق الحملة الإستراتيجية الأميركية لاستهداف المنطقة الحدودية الأفغانية الباكستانية.
وتثير هذه العملية العسكرية جملة من المخاوف أبرزها :
أن يكون الجيش الباكستاني قد دخل بهذه الحملة في صراع مسلح مع قبائل وزيرستان البشتونية، ما قد يؤدي إلى استقطاب الجماعات المسلحة الأفغانية إلى داخل التراب الباكستاني، فضلا عن مخاطر تكون تحالف بشتوني عابر للحدود بين البلدين. كما إنها وسعت نطاق العنف بحيث تجاوز المناطق الحدودية ليضرب منطقة البنجاب بما قد يشي بظهور ما يسمى "طالبان البنجاب".
وعلى رغم أن إستراتيجية أوباما الجديدة تستهدف هذه المنطقة الحدودية، فإن القوات الأميركية الأفغانية انسحبت من الجانب الآخر للحدود (الجانب الأفغاني)، بدلا من أن تحكم قبضتها عليها، في حين أن آخر الوحدات التي سوف يتم نشرها في أفغانستان كجزء من الإستراتيجية الأميركية سوف تركز جهودها داخل إقليم "هلمند" الأفغاني الذي يبعد جغرافياً عن شمال وغرب وزيرستان.
كل ذلك يؤكد أن هناك تحولاً في الإستراتيجية الأميركية باتجاه نقل الحرب الأفغانية داخل الأراضي الباكستانية، والتي سيكون من شأنها إلهاء باكستان داخلياً وإبقائها تحت جناح آلية المساعدات الأمريكية التي ربطت بشروط مجحفة، والتي من بينها:
بسط سيطرة باكستان على مناطق محددة، يُنظر إليها على أنها معاقل للجماعات المسلحة داخل باكستان، هذا بالإضافة إلى قضايا جوهرية أخرى بالنسبة لباكستان مثل:
مسألة الانتشار النووي، وكذلك ما يُسمى بتحكيم العناصر المدنية في تسيير الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.
ورغم هذا التدخل الأميركي فإن أركان الجيش ما زالوا يفضلون الابتعاد عن الخوض في الحقل السياسي الداخلي، لأن الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة "افعل ما تؤمر" في مجال الأمن القومي الباكستاني.
والتقدير الراجح هو أن القيادتين السياسية والعسكرية تتجاوبان مع الإستراتيجية الأميركية خوفا على الأمن الداخلي للبلاد، ومن المتوقع ألا يتجاوز الجيش في حملاته العسكرية الحدود الباكستانية، وأن ينأى بنفسه في المستقبل عن أي تحالف يتجاوز حدود باكستان.
النص
تشهد الساحة الباكستانية حالياً تأزماً حاداً على صعيدين متوازيين:
أولا:
هناك العمل العسكري الذي تقوم به حركة "طالبان باكستان"، والذي ازداد شدة وقوة وانتقل إلى مستويات جديدة.
ثانيا:
هناك العمل العسكري للجيش الباكستاني الذي بدأ يعزز نشاطه داخل منطقة جنوب وزيرستان القبلية المعروفة باضطراب الأوضاع الأمنية فيها وصعوبة الوصول إليها، والتي يرى البعض فيها "مركزا" لحركة تمردٍ ما فتئت تكبر.
فما نشهده اليوم من تصعيد في عمليات "الإرهاب" و"الحملات المضادة للإرهاب"ما هو إلا مؤشر على نهاية "الاستراحة" التي عرفتها مرحلة ما بعد سوات، والتي لم تعمر طويلاً، وبداية لمرحلة جديدة من "حشد الصفوف" بين مختلف أطراف اللعبة في الساحة الباكستانية.
ويأتي كل هذا في وقت بدأت تتجلى فيه علامات "لعبة أكبر" في الإستراتيجية الأميركية الجديدة الخاصة بالمناطق المتجاورة الأفغانية الباكستانية والتي أطلق عليها اسم "أف-باك"، مع كل ما جرته من انتقادات وجدل حاد في الأوساط السياسية الباكستانية.
كما يذكرنا الوضع الحالي أيضاً بمدى عمق تأثير الحرب الأفغانية، التي دامت ثماني سنوات حتى الآن، على باكستان. فما بدا سنة 2001 كحرب أميركية محدودة "ضد الإرهاب" داخل أفغانستان، أصبح اليوم ينذر بتحوله إلى نزاع إقليمي سيستمر توسعه وانتشاره في المنطقة بأكملها.
المشهد الحالي: العناصر المكونة لسيناريو "الإرهاب"
من الضروري التنويه إلى أن الساحة الباكستانية ظلت خلال شهر أكتوبر/تشرين أول من العام الحالي مسرحاً لنشاطات المليشيات التي كثفت من عملياتها على نطاق واسع وبوتيرة سريعة ودرجة كبيرة لم يسبق لهما مثيل. ولا ينحصر هذا الاستثناء في ارتفاع عدد العمليات الانتحارية أو تلك التي تعتمد على مبدأ "اضرب واهرب"، بل إنها تتجاوز ذلك إلى النوعية والأسلوب اللذين أصبحت تُنفذ بهما، من توقيت دقيق واختيار محكم للأهداف، من أجل إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والممتلكات.
ولعل أكثر هذه العمليات جرأة ودقة، ذلك الهجوم الذي نُفذ ضد المقر العام للجيش الباكستاني، والذي أعقبته هجمات ثلاثية منسقة استهدفت مقرات القوات شبه العسكرية والشرطة، بالإضافة إلى التفجيرات التي استهدفت مرافق عمومية ومؤسسات تعليمية.
وقد تمخض عن هذه العمليات، مع ما تشكله من تعقيد لوجستي وتكتيكي، تقييمات متضاربة لقدرات حركة طالبان باكستان:
*فهناك من يرى أن الوضع الحالي هو مؤشر على أن الحركة بدأت تلجأ إلى عمليات يائسة بعد أن سادت الفوضى في صفوفها عقب الحملة الناجحة التي حققها الجيش الباكستاني في منطقة سوات ضدهم.
*وهناك من يرى في ما يجري حالياً مؤشراً على تنامي قوة هذه المليشيات وقدرتها على بلوغ أهداف متفرقة في البلاد، من الشمال الغربي للبلاد إلى لاهور في قلب منطقة البنجاب.
*ومن المنطقي أن البنية الأساسية لحركة ثورية ذات نطاق عمليات واسع كهذا، يجب أن تكون -ولو نظرياً- دليلاً على وجود ما أصبح يُطلق عليه الآن "طالبان البنجاب". كل هذه النظريات والتخمينات تَصُبّ جميعاً في خانة التأكيد على أن تكثيف الهجمات ذات الطبيعة المليشية ترمي إلى تحذير الحكومة مبكراً من مغبة التوغل داخل إقليم وزيرستان.
قراءة متأنية لعملية "طريق الخلاص"
أطلق الجيش الباكستاني في 17 أكتوبر/تشرين أول، حملة برية وجوية كبيرةً ضد جيوب طالبان باكستان في منطقة جنوب وزيرستان التي تعتبر معقل القبائل الوزيرستانية المؤيدة لمحسود، والتي تنتشر في مجمل مناطق القبائل في كل من باكستان وأفغانستان. ويعتبر هذا الهجوم ثاني محاولة بعد عملية "سوات" للضرب في قلب جذور "الميليشيات" التي بدأت تزحف خارج نطاق حدود البلاد وتتوغل في العمق الباكستاني.
ومن الواضح أن منطقة القبائل التي تركز عليها الحكومة الآن قد أصبحت معقلاً لكبار قادة طالبان باكستان، مثل حكيم الله محسود، وهو ما يزيد من احتمال وجود علاقات متينة مع الجماعات الأفغانية، بالإضافة إلى كونها مأوى لقادة تنظيم القاعدة، وعدد كبير من الجماعات الأوزباكستنية والشيشانية، فضلا عن وجود أعداد صغيرة من الثوار الإيغور.
لذلك، سوف يسعى الجيش الباكستاني من خلال عملية "طريق الخلاص" إلى نقل الصراع إلى حيث يوجد أكبر تجمع لحركة طالبان، أي إلى عقر دارهم. وبذلك، تبقى هذه العملية في نظر الجميع مجرد "مواصلة منطقية للحملة ضد الإرهاب"، خصوصاً بعد تحقيق بعض النجاح في عملية سوات، ولكن هذا لا يقلل من حجم التحدي الكبير الذي سيواجهه الجيش الباكستاني في منطقة جنوب وزيرستان.
تشكل منطقة وزيرستان، التي تعتبر في صلب خطة العملية العسكرية الحالية، قلب الوجود القبلي التقليدي لشعوب المنطقة، حيث إن صعوبة التضاريس الجغرافية والثقافة القبلية المترسخة في نفوس الأهالي جعلتها في عزلة عن التأثر بباقي المناطق في الشمال الغربي لباكستان، وقد شجعت هذه الظروف مجتمعة على أن تجعل من هذه المنطقة "ملاذاً آمناً" لطالبان.
ولكن ما يثير الانتباه حقاً هو أن الدولة حتى الآن لم تبسط سوى نفوذها القانوني على المنطقة، فيما بقي النفوذ الأمني محدوداً جداً. فكل الجهود التي قامت بها الدولة منذ سنة 2004 للتوغل في المنطقة، اعتبرها الأهالي "تحريضاً من الولايات المتحدة"، وبالتالي لم تلق تجاوباً كبيراً منهم.
ومما لا شك فيه أن منطقة وزيرستان، على عكس سوات، بعيدة عن إقليم الحدود الشمالية الغربية، لذا فهي غير منسجمة مع المفاهيم الحديثة للحكم التي تشهدها باقي مناطق باكستان. كما أن حدودها المتاخمة لأفغانستان ممتدة لمسافات طويلة، مما يمنح الجماعات المسلحة مجالاً واسعاً للحصول على المؤن والعتاد وحتى الفرار والذوبان وسط المسالك والشعاب الوعرة التي تعج بها المنطقة، وهي كلها عوائق أمام الجيش الباكستاني عليه أخذها بعين الاعتبار خلال حملته العسكرية هذه.
وقد جاءت عملية نشر الجنود الحالية داخل وزيرستان قبيل عمليات القصف بواسطة الطائرات من دون طيار التي شنتها الولايات المتحدة على أهداف أسمتها "الأهداف العملية"، وكان من نتائجها قتل بيت الله محسود والقائد الأوزبكي طاهر يولداشيف. وجاءت هذه المرة باستعدادات وخطوات تمهيدية كافية لإعداد الجيش لهذه العملية، حيث أن الأنباء تتحدث عن أن أعداد الجنود في هذه الحملة أكثر أربع مرات ما كانت عليه في -أنصاف- الحملات التي شنتها السلطة خلال العام 2004.
وربما تكون أعداد القوات المستخدمة في هذه العملية قد زادت عن العمليات السابقة، ولكنها أيضاً تسببت في نزوح أكثر من 100 ألف شخص، وحتى الآن، ليست هناك أدلة واضحة على أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على الجانب الأفغاني سوف تقوم بواجبها على الحدود، خصوصاً وأن لمثل هذاا الدعم أهميته الكبرى في إنجاح عملية الجيش الباكستاني داخل وزيرستان. كما أن الصورة حتى هذه اللحظة لا تزال مشوشة بخصوص استعداد صناع القرار الباكستاني للدخول في عملية سياسية بالتوازي مع العمل العسكري، وما إذا كان الأمريكيون مستعدين للسماح بحل سياسي لهذه الأزمة.
ومن باب التذكير هنا، فإن العمود الفقري لعملية سوات كان يتمثل في قدرة مخططيها على تعبئة دعم شعبي لها، بالإضافة إلى أنها تميزت بقصر عمرها وبفترة زمنية محددة لها سلفاً، في حين أن الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة عشية عملية وزيرستان في أنحاء متفرقة من البلاد قد ساهمت في الحفاظ على الدعم الشعبي لاستمرار هذه العملية ضد "المتشددين".
غير أن عواقب هذه العملية على المدى المتوسط، ومن ضمنها مستوى الدعم الشعبي، سوف تبقى رهينة بالفترة الزمنية التي ستتطلبها، إضافة إلى الثمن الذي ستكلفه في الأرواح، كما أن نتائجها سوف تعتمد بشكل كبير على مستوى الدعم الميداني الذي ستحظى به على الجانب الأفغاني، وعلى الأهداف التي سيقرر الأمريكيون التكفل بمهاجمتها.
ومن الواضح أن منطقة القبائل التي تركز عليها الحكومة الآن قد أصبحت معقلاً لكبار قادة طالبان باكستان، مثل حكيم الله محسود، وهو ما يزيد من احتمال وجود علاقات متينة مع الجماعات الأفغانية، بالإضافة إلى كونها مأوى لقادة تنظيم القاعدة، وعدد كبير من الجماعات الأوزباكستنية والشيشانية، فضلا عن وجود أعداد صغيرة من الثوار الإيغور.
لذلك، سوف يسعى الجيش الباكستاني من خلال عملية "طريق الخلاص" إلى نقل الصراع إلى حيث يوجد أكبر تجمع لحركة طالبان، أي إلى عقر دارهم. وبذلك، تبقى هذه العملية في نظر الجميع مجرد "مواصلة منطقية للحملة ضد الإرهاب"، خصوصاً بعد تحقيق بعض النجاح في عملية سوات، ولكن هذا لا يقلل من حجم التحدي الكبير الذي سيواجهه الجيش الباكستاني في منطقة جنوب وزيرستان.
تشكل منطقة وزيرستان، التي تعتبر في صلب خطة العملية العسكرية الحالية، قلب الوجود القبلي التقليدي لشعوب المنطقة، حيث إن صعوبة التضاريس الجغرافية والثقافة القبلية المترسخة في نفوس الأهالي جعلتها في عزلة عن التأثر بباقي المناطق في الشمال الغربي لباكستان، وقد شجعت هذه الظروف مجتمعة على أن تجعل من هذه المنطقة "ملاذاً آمناً" لطالبان.
ولكن ما يثير الانتباه حقاً هو أن الدولة حتى الآن لم تبسط سوى نفوذها القانوني على المنطقة، فيما بقي النفوذ الأمني محدوداً جداً. فكل الجهود التي قامت بها الدولة منذ سنة 2004 للتوغل في المنطقة، اعتبرها الأهالي "تحريضاً من الولايات المتحدة"، وبالتالي لم تلق تجاوباً كبيراً منهم.
ومما لا شك فيه أن منطقة وزيرستان، على عكس سوات، بعيدة عن إقليم الحدود الشمالية الغربية، لذا فهي غير منسجمة مع المفاهيم الحديثة للحكم التي تشهدها باقي مناطق باكستان. كما أن حدودها المتاخمة لأفغانستان ممتدة لمسافات طويلة، مما يمنح الجماعات المسلحة مجالاً واسعاً للحصول على المؤن والعتاد وحتى الفرار والذوبان وسط المسالك والشعاب الوعرة التي تعج بها المنطقة، وهي كلها عوائق أمام الجيش الباكستاني عليه أخذها بعين الاعتبار خلال حملته العسكرية هذه.
وقد جاءت عملية نشر الجنود الحالية داخل وزيرستان قبيل عمليات القصف بواسطة الطائرات من دون طيار التي شنتها الولايات المتحدة على أهداف أسمتها "الأهداف العملية"، وكان من نتائجها قتل بيت الله محسود والقائد الأوزبكي طاهر يولداشيف. وجاءت هذه المرة باستعدادات وخطوات تمهيدية كافية لإعداد الجيش لهذه العملية، حيث أن الأنباء تتحدث عن أن أعداد الجنود في هذه الحملة أكثر أربع مرات ما كانت عليه في -أنصاف- الحملات التي شنتها السلطة خلال العام 2004.
وربما تكون أعداد القوات المستخدمة في هذه العملية قد زادت عن العمليات السابقة، ولكنها أيضاً تسببت في نزوح أكثر من 100 ألف شخص، وحتى الآن، ليست هناك أدلة واضحة على أن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على الجانب الأفغاني سوف تقوم بواجبها على الحدود، خصوصاً وأن لمثل هذاا الدعم أهميته الكبرى في إنجاح عملية الجيش الباكستاني داخل وزيرستان. كما أن الصورة حتى هذه اللحظة لا تزال مشوشة بخصوص استعداد صناع القرار الباكستاني للدخول في عملية سياسية بالتوازي مع العمل العسكري، وما إذا كان الأمريكيون مستعدين للسماح بحل سياسي لهذه الأزمة.
ومن باب التذكير هنا، فإن العمود الفقري لعملية سوات كان يتمثل في قدرة مخططيها على تعبئة دعم شعبي لها، بالإضافة إلى أنها تميزت بقصر عمرها وبفترة زمنية محددة لها سلفاً، في حين أن الهجمات التي نفذتها الجماعات المسلحة عشية عملية وزيرستان في أنحاء متفرقة من البلاد قد ساهمت في الحفاظ على الدعم الشعبي لاستمرار هذه العملية ضد "المتشددين".
غير أن عواقب هذه العملية على المدى المتوسط، ومن ضمنها مستوى الدعم الشعبي، سوف تبقى رهينة بالفترة الزمنية التي ستتطلبها، إضافة إلى الثمن الذي ستكلفه في الأرواح، كما أن نتائجها سوف تعتمد بشكل كبير على مستوى الدعم الميداني الذي ستحظى به على الجانب الأفغاني، وعلى الأهداف التي سيقرر الأمريكيون التكفل بمهاجمتها.
الدور الأكبر في إستراتيجية أوباما
يرى البعض أن سيناريو تأزم الأوضاع الذي تعيشه المنطقة الآن قد جاء في خضم ما صار يعرف بـ"الدور الأكبر" لإستراتيجية أوباما الخاصة بمنطقة الشريط الحدودي الأفغاني الباكستاني(أف-باك)، فاستعداد الولايات المتحدة لخوض "جولة حاسمة" في أفغانستان قد جاءت بتزامن مع تشجيع واشنطن لباكستان للعب دور أكبر داخل منطقة الحدود بين البلدين.
ولاشك أن عملية وزيرستان تحمل في ثناياها هدفاً أميركيا محددا، حيث كانت تسعى واشنطن منذ فترة لحث الجيش الباكستاني على الدخول في صراع مع الجماعات المسلحة البشتونية داخل باكستان وأيضاً مع المسلحين البشتون في أفغانستان.
ولكن، ما يثير الاهتمام حقاً هو أنه مع بدء عملية وزيرستان، التي دفع الأمريكيون نفقاتها، بدأت التقارير تتقاطر عن تكتيك غريب يحصل على الجهة الأخرى من الحدود، فمع التقدم الذي يحرزه الجيش الباكستاني داخل أراضيه في وزيرستان، نجد القوات الأمريكية والأفغانية قد انسحبت من المواقع العسكرية التي كانت تحتلها على الجانب الأفغاني من الحدود، وذلك عِوض أن تُحكم قبضتها عليها.
كل هذا يؤشر على أن دخول الجيش الباكستاني في صراع مسلح مع قبائل وزيرستان سوف يؤدي بالضرورة إلى استقطاب الجماعات المسلحة الأفغانية إلى داخل التراب الباكستاني والسماح للبشتون، سواء كانوا باكستانيين أو أفغان، بالتآزر فيما بينهم ومحاربة الجيش الباكستاني على أرض هذا الأخير. وهذا يثير بدوره التساؤلات عن طبيعة وأهداف الإستراتيجية الأميركية وغرضها من الدفع بالجيش الباكستاني للعب دور رئيسي في الحملة العسكرية على معاقل الحدود.
وقد تصادف توقيت الحملة العسكرية الباكستانية مع تغيير واسع في إستراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو الخاصة بحركة طالبان وأفغانستان عموماً. وما يثير الانتباه هنا هو أن آخر الوحدات التي سوف يتم نشرها في أفغانستان كجزء من الإستراتيجية الأمريكية سوف تركز جهودها داخل إقليم "هلمند" الأفغاني الذي يبعد جغرافياً عن شمال وغرب وزيرستان.
ومما لاشك فيه أن هناك تحولاً أكيداً حصل لهذه الإستراتيجية باتجاه نقل الحرب الأفغانية داخل الأراضي الباكستانية وخلق سلسلة من الأحداث تجمع بين أعمال الإرهاب وأعمال مكافحة الإرهاب المضادة لها، يكون من شأنها إلهاء باكستان داخلياً وإبقاؤها تحت جناح آلية المساعدات الأمريكية.
ومعروف أن آلية تلك المساعدات الأميركية، بشروطها وضوابطها الراهنة، تُبقي المستفيد منها دائماً في جوف دائرة مغلقة من التبعية و"الإدمان" المفرط عليها. ولكن الجديد الذي ظهر هذه المرة مع مشروع قانون "كيري-لوغار"، والذي صدر لتمرير هذه الحزمة من المساعدات المالية الأمريكية لفائدة باكستان، هو أن الجهاز الحاكم في باكستان بدأ يعبر عن عدم ارتياحه من هذه "الصفقة"، خصوصاً وأن إدارة أوباما قد اختارت هذه الفترة الحرجة لفرض غطاء آخر من الهيمنة الأمريكية على الشأن الداخلي الباكستاني.
ويقترح مشروع القانون منح باكستان ما قيمته 7,5 مليار دولار على مدى خمس سنوات، ولكن بشروط مجحفة ومهينة.
فأولى الشروط التي سوف يكون على باكستان أن تنصاع لها من أجل الحصول على هذه المساعدات المالية الضخمة هو بسط سيطرتها على مناطق محددة، يُنظر إليها على أنها معاقل للجماعات المسلحة داخل باكستان مثل منطقة كويتا في جنوب غربي باكستان (والمتهمة أميركيا بإيوائها لمجلس شورى طالبان ويضم البشتون من الأفغان والباكستانيين)، هذا بالإضافة إلى قضايا جوهرية أخرى بالنسبة لباكستان مثل:
مسألة الانتشار النووي، وكذلك ما يُسمى بتحكم عناصر مدنية في تسيير الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.
ولكن ما يدعو للسخرية فعلاً هو أن الدولة الباكستانية قد أظهرت معارضة شديدة لهذه الصفقة في البداية، ولكنها في النهاية أذعنت للأمر وكأنه قضاء محتوم لا يمكن رده.
ولاشك أن عملية وزيرستان تحمل في ثناياها هدفاً أميركيا محددا، حيث كانت تسعى واشنطن منذ فترة لحث الجيش الباكستاني على الدخول في صراع مع الجماعات المسلحة البشتونية داخل باكستان وأيضاً مع المسلحين البشتون في أفغانستان.
ولكن، ما يثير الاهتمام حقاً هو أنه مع بدء عملية وزيرستان، التي دفع الأمريكيون نفقاتها، بدأت التقارير تتقاطر عن تكتيك غريب يحصل على الجهة الأخرى من الحدود، فمع التقدم الذي يحرزه الجيش الباكستاني داخل أراضيه في وزيرستان، نجد القوات الأمريكية والأفغانية قد انسحبت من المواقع العسكرية التي كانت تحتلها على الجانب الأفغاني من الحدود، وذلك عِوض أن تُحكم قبضتها عليها.
كل هذا يؤشر على أن دخول الجيش الباكستاني في صراع مسلح مع قبائل وزيرستان سوف يؤدي بالضرورة إلى استقطاب الجماعات المسلحة الأفغانية إلى داخل التراب الباكستاني والسماح للبشتون، سواء كانوا باكستانيين أو أفغان، بالتآزر فيما بينهم ومحاربة الجيش الباكستاني على أرض هذا الأخير. وهذا يثير بدوره التساؤلات عن طبيعة وأهداف الإستراتيجية الأميركية وغرضها من الدفع بالجيش الباكستاني للعب دور رئيسي في الحملة العسكرية على معاقل الحدود.
وقد تصادف توقيت الحملة العسكرية الباكستانية مع تغيير واسع في إستراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو الخاصة بحركة طالبان وأفغانستان عموماً. وما يثير الانتباه هنا هو أن آخر الوحدات التي سوف يتم نشرها في أفغانستان كجزء من الإستراتيجية الأمريكية سوف تركز جهودها داخل إقليم "هلمند" الأفغاني الذي يبعد جغرافياً عن شمال وغرب وزيرستان.
ومما لاشك فيه أن هناك تحولاً أكيداً حصل لهذه الإستراتيجية باتجاه نقل الحرب الأفغانية داخل الأراضي الباكستانية وخلق سلسلة من الأحداث تجمع بين أعمال الإرهاب وأعمال مكافحة الإرهاب المضادة لها، يكون من شأنها إلهاء باكستان داخلياً وإبقاؤها تحت جناح آلية المساعدات الأمريكية.
ومعروف أن آلية تلك المساعدات الأميركية، بشروطها وضوابطها الراهنة، تُبقي المستفيد منها دائماً في جوف دائرة مغلقة من التبعية و"الإدمان" المفرط عليها. ولكن الجديد الذي ظهر هذه المرة مع مشروع قانون "كيري-لوغار"، والذي صدر لتمرير هذه الحزمة من المساعدات المالية الأمريكية لفائدة باكستان، هو أن الجهاز الحاكم في باكستان بدأ يعبر عن عدم ارتياحه من هذه "الصفقة"، خصوصاً وأن إدارة أوباما قد اختارت هذه الفترة الحرجة لفرض غطاء آخر من الهيمنة الأمريكية على الشأن الداخلي الباكستاني.
ويقترح مشروع القانون منح باكستان ما قيمته 7,5 مليار دولار على مدى خمس سنوات، ولكن بشروط مجحفة ومهينة.
فأولى الشروط التي سوف يكون على باكستان أن تنصاع لها من أجل الحصول على هذه المساعدات المالية الضخمة هو بسط سيطرتها على مناطق محددة، يُنظر إليها على أنها معاقل للجماعات المسلحة داخل باكستان مثل منطقة كويتا في جنوب غربي باكستان (والمتهمة أميركيا بإيوائها لمجلس شورى طالبان ويضم البشتون من الأفغان والباكستانيين)، هذا بالإضافة إلى قضايا جوهرية أخرى بالنسبة لباكستان مثل:
مسألة الانتشار النووي، وكذلك ما يُسمى بتحكم عناصر مدنية في تسيير الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.
ولكن ما يدعو للسخرية فعلاً هو أن الدولة الباكستانية قد أظهرت معارضة شديدة لهذه الصفقة في البداية، ولكنها في النهاية أذعنت للأمر وكأنه قضاء محتوم لا يمكن رده.
نظرة عامة على الموقف الباكستاني
هناك تفسيرات مختلفة لما تقوم به الدولة في باكستان، ولاشك أن الثماني سنوات المنصرمة للحرب الأفغانية قد أثرت بشكل كبير على النسيج السياسي داخل باكستان، فقد حدت كثيراً من قدرات الدولة على التعاطي مع الوضع الإقليمي.
فبالرغم من امتلاك باكستان للسلاح النووي إلا أنها تواجه أزمة اقتصادية خانقة، وهو ما يجعلها تحت رحمة الضغوط التي تمارسها أميركا، كونها متزعمة النظام القطبي الوحيد في العالم الآن. فباكستان الآن أصبحت وسط النقيضين:
فبالرغم من امتلاك باكستان للسلاح النووي إلا أنها تواجه أزمة اقتصادية خانقة، وهو ما يجعلها تحت رحمة الضغوط التي تمارسها أميركا، كونها متزعمة النظام القطبي الوحيد في العالم الآن. فباكستان الآن أصبحت وسط النقيضين:
*فمن جهة أولى، تبقى مجبرة على تنفيذ مطالب أمريكا التي مافتئت تكبر، ولا غرابة أن يطلق البعض على هذه الحالة متلازمة "عليك فعل المزيد".
*ومن جهة ثانية، هناك التحول الإستراتيجي لأميركا نحو تعزيز علاقاتها مع الهند ودعمها في بسط هيمنتها على المنطقة بصفة عامة، وهو بالطبع ما لا تستسيغه باكستان إطلاقاً.
فمن الطبيعي إذن أن نرى باكستان الآن في صراع مرير للحفاظ على مركزها الإقليمي ومصالحها الإستراتيجية.
وهنا يرد تساؤل:
هل أصبحت باكستان حقاً بدون خيارات أخرى متاحة أمامها؟
ربما لا يكون الجواب بهذه السهولة، فالقيادة السياسية لها علاقات وثيقة ومتجذرة مع الغرب، وبالتالي فهي على الخط مباشرة مع النظام العالمي أحادي القطب، كما هو الشأن مع باقي دول المنطقة بشكل عام. ثم إن أركان الجيش مازالوا يفضلون الابتعاد عن الخوض في الحقل السياسي الداخلي، ما دام الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة "افعل ما تؤمر" في مجال الأمن القومي.
وباختصار، فمن الواضح أن القيادتين السياسية والعسكرية تتجاوبان مع الإستراتيجية الأميركية خوفاً على الأمن الداخلي للبلاد، وليس حباً في حفنة من المليارات التي ستغدقها عليهم الولايات المتحدة.
ربما لا يكون الجواب بهذه السهولة، فالقيادة السياسية لها علاقات وثيقة ومتجذرة مع الغرب، وبالتالي فهي على الخط مباشرة مع النظام العالمي أحادي القطب، كما هو الشأن مع باقي دول المنطقة بشكل عام. ثم إن أركان الجيش مازالوا يفضلون الابتعاد عن الخوض في الحقل السياسي الداخلي، ما دام الأمر لم يصل بعد إلى مرحلة "افعل ما تؤمر" في مجال الأمن القومي.
وباختصار، فمن الواضح أن القيادتين السياسية والعسكرية تتجاوبان مع الإستراتيجية الأميركية خوفاً على الأمن الداخلي للبلاد، وليس حباً في حفنة من المليارات التي ستغدقها عليهم الولايات المتحدة.
المخاوف الكامنة والتوجهات الممكنة
هناك مخاوف ما فتئت تطفو على السطح داخل باكستان منذ أن دفعت الولايات المتحدة بالجيش الباكستاني نحو لعب دور أكبر في إستراتيجيتها بالمنطقة، مع ما قد يترتب على ذلك من فشل محتمل قد يقود المجتمع الباكستاني باتجاه وضع كارثي.
فبصرف النظر عن الحاجة الملحة إلى مكافحة شبح الإرهاب الداخلي، فإن امتثال الدولة لهذه الإستراتيجية قد يجر الجيش إلى الدخول في صراعات داخلية مع الشعب، بما قد يدفع باتجاه نشوء تحالف واسع يضم "المتشددين" في البلاد، كما سيعطي البشتون على جانبي الحدود الباكستانية الأفغانية سبباً للتوحد، والنتيجة هي استمرار الفوضى والحروب.
ومن الناحية الاستراتيجية، فمن المفروض ألا يغفل المسؤولون في باكستان عن عدد من العوامل التي ستنجم عن الوضع الحالي:
أولاً:
بدأت ظاهرة حركة طالبان في أفغانستان تتحول إلى "ثورة من أجل التحرير" ووسيلة لاسترجاع حقوق البشتون المهضومة.
ثانياً:
هناك اختلاف جوهري من حيث الأهداف وما ينبغي تحقيقه بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان. فمن الناحية الأمنية، لم تشكل حركة طالبان الأفغانية، التي يقودها الملا عمر، أي تهديد يذكر على الأمن الباكستاني.
ثالثاً:
تبقى حركة طالبان الباكستانية أقل قوة، كما أنها تكاد تخلو من الدوافع الأيديولوجية، وهي ظاهرة لها أبعاد قانونية ومشاكل مع النظام، وبالتالي من الممكن احتواؤها داخل البلاد، عوض السماح لها بالدخول في تحالف مع جارتها الأفغانية عبر خط دوراند (الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان)، وحتى إن كان هذا الهدف المحدود لا يتناغم مع سياسة أوباما الحالية.
رابعاً:
سوف يسمح تأييد الولايات المتحدة للهند لتكون اللاعب الإقليمي المسيطر في المنطقة، على خلق هذه الأخيرة لروابط مع القوى المعادية لباكستان في أفغانستان وترك الوضع المتردي على ما هو عليه: اختراق حركة طالبان باكستان، ودعم "المتمردين" البلوش.
خامساً:
من شأن ظهور القلاقل الداخلية في باكستان مساعدة بعض جماعات التأثير بواشنطن على تأييد مخاوفها بشأن سلامة الترسانة النووية الباكستانية، وهو بالتالي ما سيعطي الفرصة لبعض المروجين لنظريات المؤامرة على اعتبارها محاولة لوضع باكستان في خانة "الدول الفاشلة" بهدف نزع سلاحها النووي.
وفي خضم التوتر الحالي، توسعت رقعة النشاط الباكستاني في إطار "الحرب على الإرهاب"، ناقلة بذلك رحى الحرب من الجانب الأفغاني إلى داخل التراب الباكستاني. غير أن دخول باكستان في اللعبة ومقارعتها للجماعات المسلحة بوزيرستان لا يعني في حد ذاته أن من ورائه منفعة ستجنيها الولايات المتحدة في مهمتها داخل أفغانستان.
لذلك، فمن المتوقع أن تجنح القيادة العسكرية الباكستانية على المدى المتوسط إلى تبني الإستراتيجيات التي تخدم مصالح البلاد أولاً، ويتمثل ذلك في تكثيف حملاتها على جيوب الجماعات المسلحة التي تنشط داخل التراب الباكستاني، ثم ستنأى بنفسها عن المشاركة في أي صراع يتجاوز ذلك.
وأخيراً،
فإن الحرب على الإرهاب من منظور المواطن الباكستاني العادي لا تعني بالضرورة أنها جديرة بدعمً غير مشروط وبصدر رحب، فهناك مسألتان شائعتان تسيطران على الرأي العام الباكستاني:
أولاهما:
الاعتقاد السائد بأن حركة التمرد ما هي إلا ردة فعل على دخول إسلام أباد في حرب أملتها عليها الولايات المتحدة.
وثانيهما:
تفشي نظريات المؤامرة التي تتحدث عن "أياد أجنبية" خفية تحاول العبث باستقرار البلاد.
وما من شك أن تنامي عمليات الجماعات المسلحة في مناطق متفرقة من البلاد، على خلفية العملية العسكرية داخل وزيرستان، قد ساعد المسؤولين في باكستان على تبرير تلك العمليات، ولكن هذا لن يؤدي بأية حال من الأحوال بالشارع الباكستاني إلى تغيير ولائه والوقوف في خندق واحد مع الأمريكيين في حربهم "على الإرهاب".
فالوعي المتزايد بالتهديد الذي يشكله الإرهاب على الشعوب بصفة عامة لا يعني بالضرورة تناسي أن على باكستان أن تحدد منذ الآن ما هي مصالحها، وكيف ستحميها في مواجهة مصالح القوى الإقليمية أو الخارجية قبل فوات الأوان.
فبصرف النظر عن الحاجة الملحة إلى مكافحة شبح الإرهاب الداخلي، فإن امتثال الدولة لهذه الإستراتيجية قد يجر الجيش إلى الدخول في صراعات داخلية مع الشعب، بما قد يدفع باتجاه نشوء تحالف واسع يضم "المتشددين" في البلاد، كما سيعطي البشتون على جانبي الحدود الباكستانية الأفغانية سبباً للتوحد، والنتيجة هي استمرار الفوضى والحروب.
ومن الناحية الاستراتيجية، فمن المفروض ألا يغفل المسؤولون في باكستان عن عدد من العوامل التي ستنجم عن الوضع الحالي:
أولاً:
بدأت ظاهرة حركة طالبان في أفغانستان تتحول إلى "ثورة من أجل التحرير" ووسيلة لاسترجاع حقوق البشتون المهضومة.
ثانياً:
هناك اختلاف جوهري من حيث الأهداف وما ينبغي تحقيقه بين طالبان أفغانستان وطالبان باكستان. فمن الناحية الأمنية، لم تشكل حركة طالبان الأفغانية، التي يقودها الملا عمر، أي تهديد يذكر على الأمن الباكستاني.
ثالثاً:
تبقى حركة طالبان الباكستانية أقل قوة، كما أنها تكاد تخلو من الدوافع الأيديولوجية، وهي ظاهرة لها أبعاد قانونية ومشاكل مع النظام، وبالتالي من الممكن احتواؤها داخل البلاد، عوض السماح لها بالدخول في تحالف مع جارتها الأفغانية عبر خط دوراند (الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان)، وحتى إن كان هذا الهدف المحدود لا يتناغم مع سياسة أوباما الحالية.
رابعاً:
سوف يسمح تأييد الولايات المتحدة للهند لتكون اللاعب الإقليمي المسيطر في المنطقة، على خلق هذه الأخيرة لروابط مع القوى المعادية لباكستان في أفغانستان وترك الوضع المتردي على ما هو عليه: اختراق حركة طالبان باكستان، ودعم "المتمردين" البلوش.
خامساً:
من شأن ظهور القلاقل الداخلية في باكستان مساعدة بعض جماعات التأثير بواشنطن على تأييد مخاوفها بشأن سلامة الترسانة النووية الباكستانية، وهو بالتالي ما سيعطي الفرصة لبعض المروجين لنظريات المؤامرة على اعتبارها محاولة لوضع باكستان في خانة "الدول الفاشلة" بهدف نزع سلاحها النووي.
وفي خضم التوتر الحالي، توسعت رقعة النشاط الباكستاني في إطار "الحرب على الإرهاب"، ناقلة بذلك رحى الحرب من الجانب الأفغاني إلى داخل التراب الباكستاني. غير أن دخول باكستان في اللعبة ومقارعتها للجماعات المسلحة بوزيرستان لا يعني في حد ذاته أن من ورائه منفعة ستجنيها الولايات المتحدة في مهمتها داخل أفغانستان.
لذلك، فمن المتوقع أن تجنح القيادة العسكرية الباكستانية على المدى المتوسط إلى تبني الإستراتيجيات التي تخدم مصالح البلاد أولاً، ويتمثل ذلك في تكثيف حملاتها على جيوب الجماعات المسلحة التي تنشط داخل التراب الباكستاني، ثم ستنأى بنفسها عن المشاركة في أي صراع يتجاوز ذلك.
وأخيراً،
فإن الحرب على الإرهاب من منظور المواطن الباكستاني العادي لا تعني بالضرورة أنها جديرة بدعمً غير مشروط وبصدر رحب، فهناك مسألتان شائعتان تسيطران على الرأي العام الباكستاني:
أولاهما:
الاعتقاد السائد بأن حركة التمرد ما هي إلا ردة فعل على دخول إسلام أباد في حرب أملتها عليها الولايات المتحدة.
وثانيهما:
تفشي نظريات المؤامرة التي تتحدث عن "أياد أجنبية" خفية تحاول العبث باستقرار البلاد.
وما من شك أن تنامي عمليات الجماعات المسلحة في مناطق متفرقة من البلاد، على خلفية العملية العسكرية داخل وزيرستان، قد ساعد المسؤولين في باكستان على تبرير تلك العمليات، ولكن هذا لن يؤدي بأية حال من الأحوال بالشارع الباكستاني إلى تغيير ولائه والوقوف في خندق واحد مع الأمريكيين في حربهم "على الإرهاب".
فالوعي المتزايد بالتهديد الذي يشكله الإرهاب على الشعوب بصفة عامة لا يعني بالضرورة تناسي أن على باكستان أن تحدد منذ الآن ما هي مصالحها، وكيف ستحميها في مواجهة مصالح القوى الإقليمية أو الخارجية قبل فوات الأوان.
بقلم:
عارف كمال
دبلوماسي باكستاني سابق
الجزيرة نت
5/11/2009م
دبلوماسي باكستاني سابق
الجزيرة نت
5/11/2009م
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
مواضيع مماثلة
» باكستان في ظل إستراتيجية أوباما
» أوباما يعد إستراتيجية شرق أوسطية
» 15 قتيلا في هجوم صاروخي على وزيرستان الباكستانية
» حماس: إسرائيل تمهد لحرب جديدة
» الجيش الباكستاني مستعد لحرب مدن بسوات وطالبان تتوعد
» أوباما يعد إستراتيجية شرق أوسطية
» 15 قتيلا في هجوم صاروخي على وزيرستان الباكستانية
» حماس: إسرائيل تمهد لحرب جديدة
» الجيش الباكستاني مستعد لحرب مدن بسوات وطالبان تتوعد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى