التّنوير في فكر أديب إسحاق
صفحة 1 من اصل 1
التّنوير في فكر أديب إسحاق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يُمَثِّلُ أديب إسحاق ( 1856-1885) لحظةً فارقةً في الفكر التّنويريّ العربيّ في القرن التّاسع عشر . فرغم قِصَر عمره أفلح في تناول عددٍ من الموضوعات المحوريّة في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة بروحٍ تأمّليّة نقديّة ثوريّة ، لا تزال تحظى باهتمامٍ واسعٍ في الفكر العربيّ المعاصر حتّى يومنا هذا ، فالوطن والمواطنة والحريّة ، والدّيمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة وسيادة القانون ، والدّعوة للحداثة والنّهوض والمقاومة ، كانت ولا تزال أبرز الموضوعات والقضايا الّتي اجتهدَ في تناولها أديب إسحاق والمفكّرون العرب منذُ القرن التّاسع عشر إلى اليوم .
* جدل الوطن والمواطنة والحريّة:
الوطن كما يراهُ أديب اسحاق محلّ الإقامة الدّائِمِ للإنسان ، فهو المكان الّذي ينشأ فيهِ وينتسبُ إليه فتتولُّدُ رابطة عاطفيّة ونفسيّة تربطُ المواطن به ، وتكون العلاقة بينهُ وبين مواطنيهِ قائمةً على أساس الحقوق والواجبات، بحيث يتمتّع الفرد فيه بكامل حقوقهِ المدنيّة والسّياسيّةِ وفي مقدّمتها حقُّ المواطنة ، مُقابلِ تأديةِ الحقوق والواجبات الوطنيّة حياله ، فثمّة معنى ينطوي مفهوم الوطن عليه : المعنى النّفسيّ العاطفيّ ، والمعنى السّياسيّ الحقوقي ، ناهيكَ عن ضرورة توفّر الحريّة الشّخصيّة والوطنيّة بوصفها شرطاً لازماً لتحقّق المواطنة ، فالحريّةُ عند أديب إسحاق شرطٌ أساسيٌّ لتعيُّن مفهوم الوطن والمواطنة تعيُّناً حسيٍّاً ملموساً ، فالوطنُ بلا حريّة أشبه ما يكون جغرافيا جامدة تخلو من عناصرِ الحياة فيها ، كذلك المواطنة من دون حريّة تُحيلُ الأفراد إلى رعاياً لا مواطنين ، وعليهِ لا يكونُ الوطنُ وطناً إلاَّ إذا كان مسكوناً بالحريّة ، والأفرادُ لا يكونون مواطنين إلاَّ عندما يصبحونَ أحراراً ، فالحريّة هي الأساس الّذي تستقيمُ عليه فكرتا الوطن والمواطنة .
" الوطن في اللغة محلّ الإنسان مطلقاً .. وهو عند أهل السّياسة مكانك الّذي تُنسَبُ إليه ويحفظ حقّك فيه ويعلم حقّه عليك . وتأمن فيهِ على نفسك وآلك ومالك . ومن أقوالهم فيهِ : لا وطن إلاَّ مع الحريّة . وقال لابرويير الحكيم الفرنسوي : لا وطن في حالة الاستبداد . وكان حدّ الوطن عند قدماء الرّومانيّين : المكان الّذي فيهِ للمرء حقوقٌ وواجبات سياسيّة . وهذا الحدّ الرّوماني الأخير لا ينقض قولهم : لا وطن إلاّ مع الحريّة ، بل هما سيّان . فإنَّ الحريّة إنّما هي حقّ القيام بالواجب المعلوم ، فإن لم توجد فلا وطن لعدم الحقوق والواجبات السّياسيّة ، وإن وُجِدَت فلا بدَّ معها من الواجب والحقّ ، وهما شعار الأوطان الّتي تُفتدى بالأموال والأبدان ، وتُقَدَّم على الأهل والخلاّن ، ويبلغ حبّها في النّفوس الزّكيّة مقام الوجدان والهيمان .. قد ينتقل الإنسان عن وطنه ، بمعظم أهلهِ وأصدقائِهِ ، ولا ينفكّ مؤثراً وطنهُ بالحبّ . وعندنا أنَّ ياء الإضافة في قولي وطني هي السّبب في حبّي لوطني ، كما أنَّ ياء النّسبة في قولنا فرنسوي هي السّبب في حبّ الفرنسويّ لأمّته .. فللّه من ياءين ياء نسبة وياء إضافة تدعوان إلى فضيلتين حبّ الأمة وحبّ الوطن .. وجملة القول أنَّ في الوطن من موجبات الحبّ والحرص والغيرة ثلاثة تشبه أن تكون حدوداً : الأوّل أنّهُ السّكن الّذي فيهِ الغذاء والوقاء والأهل والولد ، والثّاني أنّهُ مكان الحقوق والواجبات الّتي هي مدار الحياة السّياسيّة وهما حسّيّان ظاهريّان ، والثّالث أنّهُ موضع النّسبة الّتي يعلو بها الإنسان ويعزّ أو يسفل ويذلّ ، وهو معنويٌّ محضاً ." ( خوري ، رئيف ، الفكر العربي الحديث ، تحقيق وتقديم محمد كامل الخطيب ، الطّبعة الثّالثة ، منشورات وزارة الثّقافة ، دمشق ،1993،ص 217،ص 218، ص 220) .
من ناحيةٍ أخرى المواطنون مُتَساوون في الحقوق والواجبات بغضّ النّظر عن اختلافاتِهِم المذهبيّة والعرقيّة ، انطلاقاً من مبدأ أنَّ الوطن ملكٌ لجميعِ أبنائه ، والاشتراك في المواطنة واللّغة .
" .. ونحن لن نرفع جماعةً على أخرى ، ولن ننقلب إلى أشياع لمذهب على حساب آخر ، فكلّنا أخوة في الوطن ، نرتبطُ فيما بيننا بوحدة اللّغة " (ليفين ، ز. ل. الفكر الاجتماعي والسّياسي الحديث [في لبنان وسوريا ومصر ] ، ترجمة ، بشير السّباعي ، دار ابن خلدون ، بيروت ، 1978 ، ص77) .
*الحريّة :
الحريّةُ من أقدس حقوق الإنسان في الحياة ، ينبغي عدم الاعتداء عليها أو النّيل منها ، فالنّاس وُلِدوا أحراراً من بطونِ أمّهاتِهِم ، فلا يجوز لأيّ مخلوقٍ سلب هذا الحقّ أو انتهاكهِ بواسطةِ العبوديّة والاستبداد ، فذلكَ اعتداءٌ على ناموسٍ طبيعيٍّ من نواميس الحياة ، وعلى حقوق الآخرين في أن يعيشوا أحراراً في عالَمِهِم .
" العبوديّة بوصفها نتيجة للقهر من جانب المستعبدين ، هي نهبٌ وانتهاكٌ لأقدس الحقوق الحياة ."( ليفين ، ص72). من ناحية أخرى تنطوي الحريّة على ثلاثة جوانب متكاملة فيما بينها : جانب الوجود ويُقصَدُ به الحريّة الطّبيعيّة ، باعتبار أنَّ الإنسان خُلِقَ حُرّاً ، وجانبيّ الحريّة المدنيّة والسّياسيّة ، مع الإشارةِ إلى نقطةٍ مُهمّة في تصوّر اسحق للحريّة هي : تعارض الحريّة مع الفوضى تعارضاً كاملاً ، فالحريّة الّتي يدعو إليها هي الّتي تصونها قوانين يشتركُ الشّعبُ في سنّها عبر نوّابهِ ، إذ يتمتّع المواطنون في الدّولة الحرّة ، بحرّيّة الاجتماعات والتّعبير والانتقال .. ويتساوى الجميع أمام القوانين أساساً ( للمزيد ، أنظر ، المرجع نفسه، ص72)
*جدل الحداثةِ والنّهوض :
إذا ما أراد الشّرق العربيّ والإسلاميّ النّهوض من كبوتهِ التّاريخيّة ، والسيّر في طريق التّقدّم والرّقيّ والازدهار ، يتعيّنُ عليهِ القضاء على الجهل والتّخلّف والعادات والتّقاليد الموروثة البالية ، والشّروع في نشر الأفكار التحرّريّة والوطنيّة في صفوف النّاشئة والشّباب ، وإلاَّ ستسود العبوديّة إلى أجلٍ غير معلوم ، وهي أشدُّ وطأةً من الموت نفسه . من هنا يُحَذّر اسحق من ممارسة الحريّة السّياسيّة في ظلّ تمكّن الجهل والعادات والأخلاق المنحطّة من النّاس ، الأمر الّذي يستدعي القيام بعمليّة تنويرٍ واسعة تُعدُّ المجتمع لممارسة هذا النّوع من الحريّة .
: " من الضّروريّ لسكّان الشّرق أن يفيقوا من سبات الجهل وأن ينزعوا عنهم التّقاليد البالية الّتي تمزّق صفوفهم ، وأن يُلقّنوا الشّبيبة أفكار الحريّة والوطنيّة .و الخ . و إلا صاروا عبيداً . والموت خيرٌ من ذلك " (أنظر ، المرجع نفسه ، ص73) .
*إجازة الأعمال الثّوريّة :
يؤيّد أديب اسحق الّلجوء للأعمال الثّوريّة في سبيل نيل الحريّة السّياسيّة وطرد المحتلّ الأجنبيّ عن البلاد الّتي يُسيطرُ عليها ، ويعفي الشّعب الّذي يلجأ للقيام بهذهِ الأعمال من النّتائج المُترَتّبةِ على حدوثِها ، ويلقي باللاّئِمةِ والمسؤوليّة على الاحتلال نفسهِ . من ناحية ثانية يُميّز أديب اسحق الأعمال الثّوريّة بوصفها أعمالاً مشروعة وغيرها من الأعمال العنفيّة غير المشروعة ، من خلال النّظر إلى حقيقة الأهداف الكامنة خلفها . والجهة الّتي تقوم بتنفيذِها ، يقيناً منهُ بأنَّ التخلّص من الاستعباد ، وتحقيق الحريّة يلزمهُ ممارسةُ قدْرٍ مّا من العنف الثّوريّ بحقّ أعداء الحريّة . بناءً على ذلكَ حيّى انتفاضة عرابي في مصر ضدّ التّسلّط الأجنبي (1881-1882) :" إنَّ الّذين يتحمّلون مسؤوليّة الانتفاضة هم أولئكَ الّذين استثاروها بِظُلمِهِم وإجحافِهِم " والثّورةُ تكون مشروعةً ، بالضّبط ، إذا ما كانت تعبيراً عن حاجةِ الشّعبِ الباطنةِ ، وإلاَّ انقلبت إلى شرّ (للمزيد أنظر ، المرجع نفسه ، ص74) .
الدّكتور سامي الشّيخ محمّد
عين غزال- حيفا - فلسطين
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى