احذري اللص الثاني من لصوص السعادة

من طرف **عبد الله** السبت سبتمبر 13, 2008 5:56 am

اللص الثاني الذي يتسلل إلى قلبك وخيالك يا بنيتي، فيفتك بك من حيث لا تشعرين، ويصرعك وأنت لا تبالين، ويبدو هذا اللص لك ولذويك صديقة مريحة تحرص على راحتك واستقرارك النفسي
، وتهيئ لك أجواء الدراسة المفيدة، ولا تعكر عليك صفاء التفكير، حيث السكون والهدوء، وحيث الأنوار الخافتة، فلا صراخ ولا ضجيج، ولا طلبات من الأم وغيرها، ويأتي الشيطان ليلعب لعبته، فيهمس في أذن والدك ووالدتك: بأنّ الفتاة تحتاج إلى خلوة، فهي تساعدها على النجاح والتفوق، والأدهى والأخطر ـ وهذا من تأثير الثقافة الوافدة ـ يضعون عندك الصحن والأفلام، وأشرطة الغناء، والطعام الجاهز، والكتب أو المجلات المسلية أو الخليعة الهابطة، والجوال والهاتف ولا رقيب ولا عتيد.

والأسر الطيبة ربما لا تفعل هذا، لكنها من دوافع المصلحة تدعك وحيدة فريدة وجهاً لوجه أمام الكتاب.

لقد اعتاد الإنسان أن يمل من الحياة النمطية، ويصيبه التعب من العمل أو القراءة، أو غيرهما، كما اعتاد أن يروح عن نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لحنظلة: "يا حنظلة ساعة وساعة" رواه الإمام مسلم، وهذا الحديث فيه جواز الترويح عن النفس بالأمور المباحة. والنفس إذا كلّت ملّت، لذلك فإنّ الفتاة التي كلّت فملّت ماذا تفعل في خلوتها؟ وأمامها كل شيء يغريها بالشر، والشيطان صديقها في هذه الصومعة التي صنعتها في منزلها بمساعدة أهلها، وأخطر شيء عليها تلك القصص الغرامية التي تلاعب مشاعرها فتميل معها حيث مالت، وكذلك الأفلام التي مزقت ثياب الحياء، فكشفت الأستار، وعرضت كل ما كان محجوباً أيام الطهر والنقاء.

هذه الفتاة في تلك اللحظات صيد ثمين لكل طامع فيها، والطعام ونوعيته حقن مغذية تهيج الأحاسيس، فكيف إذا كانت هذه الفتاة لا تذكر الله إلا قليلاً، وتقوم إلى صلاتها متثاقلة، وهي فارغة الذهن من كل فكرة طيبة أو تصور محمود، والفراغ في هذه الحال مرتع وخيم لكل جراثيم الفساد، فكيف إذا كانت هذه الفتاة مهيأة لكل شيء من خير أو شر، وقد قيل: إنّ مجنون ليلى جنّ بها، لأن حبها صادف قلباً خالياً إلا منها، وأيام مجنون ليلى ليس فيها ما في هذه الأيام من فنون الشر، وأحابيل الفتنة.
إنّ الشرع الحنيف لا يعاقب العبد على كبيرة اقترفها إذا كانت الأسباب غير منتفية؛ كما فعل عمر رضي الله عنه عام الرمادة (عام الجوع)، فلم يقطع يد السارق.

ولا يظنن أحد أنني أتحدث عن الفتاة دون الفتى، وإذا كنت قد خصصت الفتاة الشابة بهذا الحديث؛ فلأني أعلم أنها أكثر عرضة لما أتحدث عنه، فهي مخدرة في البيت ولا سيما في البيوتات المحافظة التي لا تفهم من التربية إلا الأمر بالصلاة وتكرار كلمة ـ صليّ وصلّ، أو التدقيق على اللباس المحتشم أو مستوى النجاح، وهذا شيء طيب، لكن ليست هذه الكليمات كافية!

وأحسب أنّ الكثير من فتياننا طيبون، والعديد من فتياتنا طيبات، لكننا نحن الذين أسهمنا في خرابهن وخرابهم عندما أسلمناهم في البيوت، إلى الثالوث المدمر: الخادمة، السواق، الخلوة. وعندما وضعنا في متناول أيديهم حبوب الشقاء والفساد، وحرمنا عليهم المراضع من ذوات الخير، أو ذوي الرشاد، واعتقدنا أننا بهذه الصرامة، وهذا الحزم في أسلوب التربية، سيغني عن الرعاية والمتابعة، والمناصحة والمجالسة.

فكيف تبدأ مشكلتك بنيتي؟
أحسب أنك معي فيما سأبسطه أمامك، ولو فكرت معي، وأمعنت النظر في نصيحتي ـ لانتفعت بها، ونفعت غيرك.
بنيتي: احذري من الخلوة، وإياك من الانطواء والانعزال عن أفراد أسرتك، لا تدعي نفسك تسبح في عالم الخيال والأحلام، حاولي أن تختلطي بأهلك في المنزل إذا فرغت من القراءة والدراسة، وأخذت قسطك من الراحة، وأشغلي نفسك بما ينفعك، ولا يحتاج منك إلى تعب ذهني أنت هاربة منه.
تعلمي مهارة من المهارات الفنية الهادفة.. اكتبي يومياتك وخواطرك.. ساعدي أمك في المنزل.. خذي حظك من كتاب الله، قراءة وتدبرا وفهما وحفظا، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

صادقي فتيات طيبات، تحدثي معهن، وحاولي أن يكون لك معهن مشروع خير، سواء كان اجتماعياً أم ثقافياً أم مهنياً أو غير ذلك، واعلمي أن الحياة لها وجهان شر وخير، ولكل منهما جنود، فلتكوني من جنود الخير، وأشغلي وقتك كله لخدمتهم، وأعدي نفسك لمستقبل ينتظرك ستكونين فيه أماً أو جدة أو....

بنيتي: إذا لم تنتبهي إلى خطر الخلوة، فسوف تطويك أمواجها العاتية، وتعصف بك ريحها الجائحة، وخاصة في هذه الظروف التي نعيشها، والتي أضحى الشر فيها سهل التناول، وله خدم يعاونونه على أداء رسالته، وقد يكون جهل أبويك بأصول التربية ومبادئها، يدفعهما إلى تقديم أنفس ما يملكون له، هو أنت.

بنيتي: أنت أميرة وملكة إذا أحسنت صناعة حياتك، وأحطتها بسياج التقوى، وفي اعتقادي أن الخلوة والفراغ وحوش تنشب مخالبها فيك، وتحول بينك وبين تلك الصناعة.

بنيتي الغالية: أنت في فراغك خلية مملوءة عسلاً.. كل يريد أن ينال شيئاً منه، وأي خطوة تخطينها بنيتي في فراغك ليست مدروسة تدنيك من أعداء الخلية.

فالسياحة مع الخيال الكاذب كأن يتصل بك أحد خطأ فيحاول أن يتحدث معك بلغة المحب الكاذب، فأغلقي سماعة الهاتف في وجهه، فهو لص يتسلل إلى قلبك، فلا تميلي معه ولو كنت مازحة!! فهذا من الخيال الكاذب، أو تتصل بك فتاة تدخل معك في حديث ما، حديث عن الشباب، وعن الفارس القادم.. كيف هو وما صورته؟ وكيف تتخيلينه؟ إنها لص آخر يتسلل إلى قلبك
أو تقرئين قصة ماجنة، أو تشاهدين مشهداً فيه لقطات مخلة بالآداب والأخلاق، وتخدش الحياء، فتغرقين في بحر الحركات المثيرة، والصور الخليعة، وهؤلاء لصوص آخرون يتسللون إلى قلبك الخالي.

أو تفتحين (النت)، أو تدخلين إلى غرف الثرثرة والكلام المخادع، فتشاركين في هذا الهرج والمرج، وليس من ورائه إلا مضيعة الوقت، فالأحاديث تدور حول الغرائز والعواطف الكاذبة، وكل يدجّل على الآخر، وهذا لص آخر يتسلل إلى قلبك.

اللصوص كثيرة بنيتي، فأرجوك أن تحصني نفسك من ألاعيبها، وستكشف لك الأيام أن من وقع في فخافها بكى دماً لا دمعاً، ومات كمداً وحسرة، ويا ليتها الموتة الحقيقة، لكنها الموتة الاجتماعية التي تفنيك عن الحياة وأنت حية، وسوف يتخلى عنك من أوقعك في نار اللصوص، فأحرق فيك كل شيء، وحبذا لو ينتبه الآباء والأمهات إلى داء الخلوة، فيساعدون شبابهم وشاباتهم على التخلص منه، وذلك بتقديم بدائل طيبة تربيهم على الفضيلة التي تحافظ عليهم، وتجعلهم لبنات صالحة، وهل هناك أفضل من منهج الله منهجاً يأخذ بيد الإنسان فيسعده في الدنيا والآخرة، فاحرصي بنيتي أن تحققي سعادتك فيه، وسعادة أسرتك.

بنيتي: احذري من الفراغ والخلوة

وفقك الله إلى ما يحب ويرضى.

مالك فيصل الدندشي