صلاة الإسلام مفتاح شفرة توازن الأنسان
صفحة 1 من اصل 1
صلاة الإسلام مفتاح شفرة توازن الأنسان
لســــان العصــــر
{وَ مَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً}
سلسلة لسان العصر
في سبيل تكوين تجمع العصر لتعظيم سيد العصر
محمد بن عبد {الله}
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
صلاة الإسلام
مفتاح شفرة توازن الإنسان
تقديم : يوسف هاشم محمد نجم
تـنويه
ورد على غلاف هذا الكتاب بأنه تقديم:-يوسف هاشم محمد نجم.نرجو التنويه بأن كلمة تقديم وردت بدلاً عن كلمة: ( تأليف ) أو (المؤلف ).ولقد قصدنا بإيراد كلمة ( تقديم ) بدلاً عن كلمة (تأليف ) أن نؤكد أن المؤلف الحقيقي هو { الله } وما نحن إلاّ أداة تقديم لإلهامات وردت على الخاطر من لدن العالم المعلّم الأول و الآخر :
{الله}
خالق كل شيء وهو الواحد القهّار.
ماذا نعني بتجمع العصر
الاسم :-
تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر
سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و ليس للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.
ولقد طلب منا عليه أفضل الصلاة وأتم ألتسليم أن ندعو له عند وفي كل وقتٍ رُفع فيه النداء بالطلب لفتح أبواب السماء لتحقيق الصلة بالرب أن نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاةالقائمة آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
والوعد كان قد جاء هكذا :
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا }
[79 الإسراء]
المرشد:-
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الأعضاء:
هم كافة العالمين من إنس و جن. الطفل والطفلة، الصبي والصبية، الشاب والشابة، الذكر والأنثى.المسلم، المسيحي،اليهودي، البوذي الهندوسي الزرادشتي، الكنفوسيوشي، الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن.
المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.
المركز الرئيسي:
ُيشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.
الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(راجع كتابنا: دستور الإنسان المعاصر)
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.
شعار هذا التجمع:
قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :
{ لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم }
[256 البقرة]
آلية الدعوة:
{أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
و جادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
[125 النحل]
{اللهُ}
جلّ جلاله وتباركت أسماؤه
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[13 الأحقاف]
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة
ألاّ تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم تُوعدون}
[30فُصّلت]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
{ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}
[9 النحل]
جفـاءُ المضـاجـع ليـس يـنـبئـك عـن شـغــف الـهـوى
وجلُ الجـلاء جـلالُ جـمال صـفـاء سـاعات الجوى
قد مضى عهد التّصابي و مقبل الأيّام رجعٌ للصّدى
إهداء هذا الكتاب
نهدي هذا الكتاب إلى الإنسان. مطلق إنسان تحت ظل رحمة الرحمن. رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء فلم تمييز بين من هو مسلم أو هو نصراني أو هو يهودي أو هو مجوسي أو هو بوذي أو هو أي من كان على غير ما ذكرنا أعلاه.
ألا فاعلم أيها الإنسان بأن الدين لم يهطل من السماء وإنما نبت من الأرض.أما الذي نزل من السماء فهو العلم والإرادة والقدرة. وهذا الثالوث هو قاعدة رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء.
وأي سماء نزل هذا الثالوث منها؟
إنها سماوات الفكر الإنساني المحض. والدليل على ذلك قول {الله} تبارك وتعالى في الحديث القدسي:
( ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن )
ورد في ديواننا (سوّاح على طريق المحبة) الآتي:
مفتاح الكنز
الخطأ الملحاح في أغوار الظلام مدفون
تحت ركام العصيان مخلوقا من نّار
مأذون بالبقاء على ظهر الإنسان
البؤساء لا يتوبون يستغفرون ثمّ يعاودون
التوبة عندهم نفاق
نفوسهم مجبولة على الخطأ
الاستغفار باللسان وهم في غيّهم يعمهون
كيف السبيل للإقلاع والخطيئة نارا تحترق
الخبث ورما تحت الأنقاض في الأعماق مرهون
كيف يكون الخلاص أهو مستحيل أن يكون
أم أنّه امتحان والخير يجيء آخر المطاف
من يعلم أنه معدوم في وقت معلوم
يعرفون أنهم يخطئون يتمادون لا يعبئون
فإذا انتهى يستغفرون يدّعون أنهم مسيّرون
الخطأ والصواب مكتوبا سبق بذلك الكتاب
من كفر فأنه القضاء والخطأ مقدّر أن يكون
ففيم إذا العناء وفيم التكدّر والشقاء والخطأ مرهون
وفيم إرسال الأنبياء والكلّ ميسر لما خُلق له
ولا يدخل أحد بعمله الجنّة فالرحمة وسعت كلّ شيء
أفي ذلك شك أم أنّه اليقين أم أنهم حائرون
{الله} خلقكم وما تعملون
الأنبياء جاءوا ليفسحوا الطريق
هذا صواب صاحبه مكتوب أنه يُثاب
والخطيئة للعقاب يعرفون أنهم يخطئون
وفي ذلك البلاء فيه الشقاء وعليه يلزم العقاب
وبالرغم منهم يخطئون فإذا انقلبوا يستغفرون
ولا يتوبون يبكون ينتحبون يطلبون المغفرة
و رحمة الرحيم
ثم هم يعاودون يائسين من صلاح وهم لهذا حائرون
كيف السبيل للخلاص قد اختلط الشك باليقين
هل يتابعون ولا يعبئون كأنهم في ذاك منقادون
لما سبق به الكتاب أم أنهم لا بد يقاومون
يتشرعون وينظرون
ماذا تراهم فاعلين وماذا ترانا نحن فاعلين
بأيدينا نغيّرهم أم أنهم للقول يسمعون
أم عند أضعف الإيمان نحن واقفون
قد مضى وقت الخلاء والفلاة ما عادت خواء
انتشر البشر في الأصقاع بهم الأرض قد ضاقت بما رحبت
لا بد أنه عهد اليواجيج والمآجيج يحكمون
الدجال على رأسه التاج وهم بأعتابه يتمسحون
الران قد عمّ الفضاء وتكثّف الغطاء
فاستعصى علي الشعاع يخترق
متى يجئ ليملأ الأرض بالضياء
والخطأ الملحاح يؤل للفناء ويبدأ الصواب بالغناء
والفرح يخلف البكاء فينزوي الشقاء
وكلهم يُسبّحون في بحار النور يسبحون
رحمة الرحيم تكون وسعت كلّ شيء
متى هذا يكون
الزمان حبله طويل والمكر غير مضمون
كم مرّ على الأرض من زمن من وقت ما تفتّق المُكون
وتكونت أكوان وبدأت بالأرض الحياة
متى لهذا العلم من جلاء غير الشعاع والضياء
من غيره يكشف لنا الغطاء والبصر يحتدّ كالحديد
وتبدأ الحياة من جديد ويبدأ الصراع يستمر
بين الصواب والصواب
وأين يكمن الجواب
عندما يجتمع السحاب ويبدأ الماء في النزول
وتبدأ الحياة في النماء كذا بدأ دور جديد
هل هذا هو القدر يرينا ما كان مكنون في القضاء
من يا ترى يأتي بالجواب
جبريل قد يكون ساعي البريد
ليتني أسأل النبي جبريل منه أم جاء من بعيد
جابر كان صاحب السؤال أجابه النبي أول الخلق من يكون
نور النبيّ كان أول النزول كان أول الظهور
بوابة الخفاء أول أعين العماء به تحرّك السكون
تعرّف الخفاء وهو من أرسل الجواب بالبريد
جبريل منه لم يأت من بعيد والملائكة كلهم له عبيد
بالطاعة العمياء لأنهم من نوره الصفاء
والنور حين ينقدح يضيء والنار بالانقداح جاء
وهكذا الإبليس جاء
هو الوقود للضياء والنار تخلّف الرماد
و هذا هو المراد امتناع إبليس عن السجود
ينثر الرماد في الهواء كالهباء يعكّر الأجواء
بها يعمّ يُكوّن الغطاء فيحجب الضياء
وهذا هو الإنظار
و يوم يُبعثون حين يُكشف الغطاء عندها يرجع الصفاء
عندما يُجمع الهباء الذي كان رتقاً فانفتق
والخلق كما بدأ يعود وعد الصدق من مريد
وتبدأ الحياة من جديد على أرض كلها ضياء
بلا ظلال بلا ظلام بلا شمس تدور في السماء
غير أن الصراع مستمر بين الصواب والصواب
والانتصار لمن يستطيع أن يجمع الضياء ليعود الأمر للعماء
ويرجع الظهور للخفاء وهكذا هيهات أن يكون
فالضياء لا يعود للمكون والنور لا يعود للوراء
بل انطلاق في الفضاء على أجنحة الإطلاق
هكذا الحياة لوالب تدور والمدار لولبي
كذا الأمر بلا بداية بلا نهاية يدور في مدار لولبيّ
والمدار جدار تحته الكنز يختفي والمفتاح إن شئت أنه فبي
أرقامه كواكب بالصدق للصدّيق ساجدون
واسمه محمد بالحق جاء يرفع الغطاء
والكنز خالصا لإخوة عليه عاكفون
(انتهى)
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
المقدمة
موضوع هذا الكتاب هو الصلاة. والصلاة في معناها العام عند جميع المصلين هي كما قال عنها خاتم الأنبياء نبي الإسلام محمد بن عبد {الله} عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، هي صلة بين العبد وربه.وهذه الصلة قائمة ومستمرة ما قام الوجود. فليس هناك من وما لا يصلي للرحمن مالك يوم الدين.قال تبارك وتعالى:
{ الرحمن * علّم القرآن *خلق الإنسان * علّمه البيان *الشمس والقمر بحسبان * والنّجم والشجر يسجدان *والسماء رفعها ووضع الميزان *و أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان *والأرض وضعها للأنام }
( 10 الرحمن )
وقال تبارك وتعالى:
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنّه كان حليماً غفورا }
[ 44 الإسراء]
وقال ربّ العزّة والجلال :
{ ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السّماوات والأرض
والطّير صّافّات كلٌ قد علم صّلاته وتسبيحه
والله عليم بما يفعلون }
[ 41 النور ]
هذا، هذا. فما من شيء في السماوات وفي الأرض وفيما بينهما إلا ويصلي {لله}.
وقد اختلفت صور الصلاة باختلاف الشرائع التي هطلت من السماء علماً فنبتت من الأرض شريعة على قدر العقل البشري المتلقي لذلك العلم على مقام المكان وبسط الزمان.
الشريعة عبادة ومعاملة.هما وسيلة وغاية . الوسيلة هي العبادة والغاية معاملة وفق قوانين المحبة القائمة على والمقيدة بقانون الحق والعدل.
فما معنى العبادة؟ وما معنى أن نعبد {الله}؟:-
العبادة هي طريقة تعبيد النفس لتكون مستقيمة.
تقول عبّد الطريق بمعنى رصفه وسواه فجعله متساوياً مستقيماً بلا حفر ولا مطبّات، فتسهل عليه الحركة وتنساب من غير عقد أو معوقات.
والأمر في حق العبادة جاء هكذا:
{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير }
[112 هود]
ولقد وضعت النماذج والخرط والمواصفات بالصورة والصوت التي توضح سبل وكيفية هذا التعبيد كما رسمت الصورة المرجوة لكيف يمكن أن تكون النفس المعبّدة:-
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني }
{إياك نعبد وإياك نستعين *اهدنا الصراط المستقيم }
{ كونوا ربّانين }
{ وأقيموا الوزن بالقسط}
{ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم }
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }
والحياة مآلها إلى الاستقامة.ولعل الحافز لذلك هو الإحسان.فكيف هو الإحسان؟:
( الإحسان هو أن تعبد {الله } كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
لعل هذا يعني : إن لم تستطع أن تستقيم فلا تنكر بأن هناك استقامة.
( الدنيا مطية الآخرة ) هذا القول الكريم يعني في بعض مما يعني: أن العبادة وسيلة إلى الاستقامة.
وآخر الشرائع التي جاءت لتوظيف المنهج وبرمجة كيفية وصورة علاقة العبد بالرب ( العبادة ) لتحقيق الصلة به، هي شريعة الإسلام.
ونورد فيما يلي ما جاء بكتابنا { دستور الإنسان المعاصر} عن شريعة الإسلام:
الشـــــــريعــــة
الشريعة هي مدخل الدين. هي المدخل الرئيسي لحظيرة الدين. وليس من سبيل آخر للدخول في الدين غير الابتداء بالعمل بها.
من أنكر أو فرّط أو تهاون في الالتزام بركن من أركانها فهو خارج الدين. ومن يعمل بها ويلتزم أركانها بلا زيادة أو نقص، فإنه واقف على عتبة الدخول إلى الدين. تقول: شرع شريعة إلى الماء؛ أي اتخذ طريقاً إليه. و المكان الذي يقف فيه من يود أن يرد الماء أو أن يستقل مركباً يعبر به إلى شاطئ آخر: يُسمى: مُشرع.
فالشريعة هي الطريق الوحيد الذي يتخذه العباد في سبيل الدخول إلى الدين. الشريعة هي الدين ولكن ليست هي جماع الدين، و إنما هي طرف البداية للدين مما يلي العباد. أما جماع الدين، أو قل: طرف النهاية للدين إنما هي عند {الله} ألعلي العزيز القدير.
قال تبــارك وتعالى:
{ إن الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]
وبداية الإسلام هي الشريعة. هي الفروض والأركان التي وُضعت كحدٍ أدنى لتنظيم حياة الناس: علماً، وعملاً بمقتضى العلم، على قدر العقلية السائدة وإمكانية التطبيق المتاحة. يتخذها الناس لتنظيم وترشيد حياتهم النفسية، الجسدية، الفكرية، السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
والشريعة تحكم بظاهر العمل وفق متطلبات مستوى الإسلام في طرف البداية. فمن شهد قولا باللسان أنه {لا إله إلاّ الله} وأن محمداً رسول {الله} وأقام الصّلاة وآت الزكاة وصام رمضان والحجّ لمن استطاع إليه سبيلا؛ فقد دخل الإسلام وعصم دمه وماله. ذلك حتى ولو كان منافقاً في كلّ ما قال وما فعل. وهذا معنى أن الشريعة عليها بالظاهر.
قال تبارك وتعالى:
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لّم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]
هذا هو الإسلام في طرف البداية وهو مستوى دون الإيمان. أمّا الإسلام في طرف النهاية هو أعلى بكثير فوق الإيمان.
هو يأتي بعد أن تُقطع وتُستوفى درجات الإيمان، فالإحسان ثمّ ترتقي مراقي:
علم اليقين، فعلم عين اليقين، ثمّ علم حق اليقين.
بعد ذلك يتحقق الدخول في الإسلام الحق الّذي هو طرف النهاية:
{ إنّ الدين عند الله الإسـلام }
[19 آل عمران]
وأول من تفضّل {الله} عليه بنعمة تحقيق هذه الدرجة من الإسلام هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
قال تبارك وتعالى:
{ قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم
ديناً قيما ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين *
قل إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أوّل المسلمين }
[163 الأنعام]
ولقد تقلّب خليل {الله} إبراهيم عليه السّلام في مراقي الإيقان حتى أسلم.
قال تبارك وتعالى:
{ وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى
قال أو لم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي
قال فخذ أربعة مّن الطّير فصرهنّ إليك
ثمّ اجعل على كلّ جبل مّنهن جزءاً ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا
واعلم أنّ الله عزيز حكيم }
[260 البقرة]
وبعد أن أتمّ {الله} للخليل عليه السّلام أن يطمئن على الإيمان تفضّل عليه بالدخول إلى مراقي الإيقان.
قال تبارك وتعالى:
{ وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ
قال إنّي جاعلك للنّاس إماما
قال ومن ذرّيّتي
قال لا ينال عهدي الظالمين }
[124 البقرة]
وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض
وليكون من الموقنين }
[75 الأنعام]
ثمّ جاءه الفضل الأكبر بالإسلام:
{ إذ قال له ربّه أسلم
قال أسلمت لربّ العالمين }
[131 البقرة]
لعلّ الفرق بين الإسلام في طرف البداية والإسلام في طرف النهاية قد بات واضحاً. فلا يمكن أن يكون إسلام المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم وإسلام الخليل عليه السّلام هو بعينه ذلك الإسلام الّذي ردّ {الله} تبارك وتعالى إليه الأعراب حين قال تبارك وتعالى:
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]
وجاءت شريعة الإسلام جامعة لخصائص الشريعتين السابقتين:
شريعة موسى عليه السلام
و
شريعة عيسى عليه السلام
ومكملة لنهج تسيير الحياة وفق ما جدّ على العقل البشري من تطور.
قال الحكيم الخبير :
{ الم *
الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم *
نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه
وأنزل التّوراة والإنجيل * من قبل هدى للنّاس وأنزل الفرقان
إنّ الّذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد
والله عزيز ذو انتقام }
[4 آل عمران]
وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس
ويكون الرّسول عليكم شهيدا }
[143 البقرة]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشريعة هي الوسيلة التي يتوسل بها عباد الرحمن للدخول والصعود إلى مراقي الدين؛ ينشدون الغايات الموصوفة لهم والنتائج المرجوة والمؤكد تحقيقها لو أنهم سلكوا الطريق الصحيح إليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن الوسائل الصحاح لابد أن تكون من جنس الغايات الكريمة فإن الشريعة هي الدين موضوعاً في أبسط وأسهل صوره مقرّباً وفق مستوى واقع الناس الفكري والاقتصادي والاجتماعي.
قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
هذا شرح على الآية الكريمة:
{ بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم
ولعلّهم يتفكّرون }
[44 النحل]
في هذه الآية الكريمة : الإنزال غير التنزيل .
أُنزل الذكرُ:
{ القرآن } كله وخُتمت بذلك النبوة. فلن يكون هناك إنزال جديد أو مستأنف. أما التنزيل فهو كما قال النبي صلى {الله} عليه وسلم : مخاطبة الناس بما يمكن لعقولهم أن تدركه من هذا القران العظيم . وبما يمكنهم العمل به. والأمثلة على ذلك مستفيضة.
قال جلّ وعلا :
{ و إن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء
مثنى وثلاث ورباع
فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا }
[3 النساء]
وقال سبحانه وتعالى :
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم
فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة
وإن تصلحوا وتتّقوا
فإن الله كان غفوراً رّحيما }
[129 النساء]
المطلوب في ميزان أعلى قيم الاجتماع الحياتية هو الزوج الواحد من ذكر وأنثى. الرجل الواحد يتزوج امرأة واحدة. والمرأة الواحدة ليس لها إلا زوج واحد. ولم يكن من الحكمة في ذلك الوقت أن يقضي التشريع بزواج الواحدة فقط، ذلك لأن الرجل في ذلك الوقت كان يتزوج العديد من النساء، كما كان يمتلك عشرات الإماء. وكان ذلك هو العرف السائد حينذاك.
قال {الله} تبارك وتعالى يوجّه نبيّه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
{ خذ العفو
وأمر بالعرف
وأعرض عن الجاهلين }
[199 الأعراف]
بالإضافة إلى وضع المرأة في المجتمع فقد كانت تعتبر ضمن ما يستطيع الرجل أن يمتلك منه العدد الذي يشاء حسب إمكانياته من مال وسلطة. كذلك كانت المرأة تعتبر مما يجر العار على أهلها، فكان التشديد على حراستها، ومن لم يكن يستطع أن يصونها من الخطف والسبي كان يدفنها حيّة.
{ وإذا الموءودة سُئلت * بأيّ ذنب قُتلت }
[ 9 التكوير].
و مثال آخر: قام تشريع المال على الزكاة بمقاديرها وأوقاتها المعروفة. وحتى عن هذه أحجم بعضهم وقالوا: [ إننا نصلي ونصوم ولكننا و{الله} لا نؤتي أموالنا ] والإشارات في القرآن عن أن الزكاة ليست هي المطلوب الأخير مستفيضة ومتعددة.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ وآتوهم
مّن مّال الله الّذي آتاكم }
[33 النور]
قال :{ من مال الله }
أمّا في آية فرض الزكاة فقد قال :{ خذ من أموالهم }
ولعلّ مسألة التدرّج في التشريع واضحة هنا لا لبس فيها ولا غموض.
وقال النبي الكريم صلى {الله} عليه وسلم :
( في المال حق غير الزكاة )
وقال تباك وتعالى :
{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق
فما الّذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهـم
فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون }
[71 النحل ]
وقال جلّ وعلا لتحديد القيمة العليا في مسألة إنفاق المال:
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
[219 البقرة]
الأنبياء عليهم السلام، خاطبهم الرب سبحانه وتعالى على قدر عقولهم التي أعدّها وهيّأها سلفاً لتلقي هذا الخطاب العظيم. و في حق نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم كان الخطاب من المولى عزّ وجلّ هو مسك الختام. و عنده؛ صلى {الله} عليه وسلم، خُتم الوحي من {الله} تبارك وتعالى. وبذلك خُتمت النبوّة. وبختم النبوّة اكتمل وضع الدستور الذي ينظم حياة البشر؛ ليس المسلمين فحسب، وإنما جميع العالمين: الإنس والجن. و هو في حقيقة الأمر دستور الحياة منذ انبثاقها وإلى أن يرث {الله} الأرض ومن عليها؛ لا بل و حتى تلقى الحياة ربها حيث لا حيث وعند لا عند.
وعليه فإن كل الذي أراده {الله} سبحانه وتعالى أن يُقال: قد تمّ قوله وإنزاله. ولن يكون هناك قول جديد يُقال أو يُنزل:
( رُفعت الأقلام وجفت الصحف )
هذا في حق الإرادة الإلهية الحكيمة. أما فيما يتعلق بالحياة وأحيائها، فإن كل يوم جديد يكشف أُفقاً كان مخفي. ويكون فيه إدراك أوسع يتطلب تنظيماً يوافق الاحتياجات الحياتية المستجدة الظهور، ويواكب القدرات الفكرية المتوسعة. وهذا يعني أن التنزيل مستمرّ بمعنى أن كلّ يوم جديد يكشف لنا {الله} فيه فهماً جديداً لم يكن في اليوم السابق معروفاً.
{ كل يوم هو في شأن }
وهذا ممّا يطالعنا من فهم لحديث المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( خالق غدٍ يأت برزق غدٍ كلّ غدٍ )
ذلك أنّ الرّزق ليس ماديّاً فقط وإنّما هو أيضا رزق العلم والمعرفة. و طالما أن دستور الحياة العام موجود ومكتمل فإنه، قولاً واحد، يشمل الحلول الشافية لكل إشكال من إشكالات الحياة المستجدة الظهور.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ بالبيّنات والزّبر
و أنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم
ولعلهم يتفكرون }
[44 النحل]
قلنا أن التنزيل يعني التبيين من القرآن على قدر ما يحتاجه ويستوعبه الناس حسب قدر عقولهم، ووفق واقع المقدرات الحياتية الواقعية؛ وفي نفس الوقت يندبهم ليتفكروا. وهذا هو ما يقرره القرآن الكريم.
قال تبارك وتعالى:
{ لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]
ومن ضمن القدر الذي نُزّل كانت الشريعة. والشريعة معاملة وعبادة. العبادة وسيلة للمعاملة. ألم يقل من أُوتيّ جوامع الكلم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( الدين المعاملة ) و ( الدين حسن الخلق )
و ( حسن الخلق خلق{الله} الأعظم )
والعبادات هي الوسيلة الناجعة لإذكاء الفكر. {الله} سبحانه وتعالى وضع الأهداف نصب أعيننا ووضع الآلية التي إن استخدمت بإحسان لابد وأنها تقودنا قُدما نحو التحقيق والوصول إلى تلك الغايات المرجوّة. ولأن غاية الغايات هي وجه الكريم المتعال، فإن اكتمال الإنزال لا يعني تمام التبيين.
يمكن القول أن اكتمال الإنزال يعني تمام التبليغ. أما التبيين فقد تم بقدر استعداد المبلغين بالأمر. ولا يزال التبيين مستمراً إلى يوم الدين. الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الأيام وفي أثناء تواجده مع الناس بشخصه الكريم المشرّف بشرف النبوّة قام بمهمة التبيين على قدر العقل آنذاك خير قيام. ولكن بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى أصبح التبيين من مهمات العقول المستنيرة المؤدبة بأدب القران الكريم والسنة المشرّفة. قال عليه الصلاة والسلام :
( تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا أبداً كتاب {الله} وسنتي )
ولقد قال عليه الصلاة والسلام مبيناً للناس سبل التبيين المستمرة إلى يوم الدين:
( من عمل بما علم أورثه {الله} علم ما لم يعلم )
إذن فوسيلة التبيين هي: العمل بمقتضي ما عُلم. فإن تمّ ذلك بإحسان أورث {الله} العامل بقدر علمه مزيداً من العلم.
قال جلّ وعلا:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتىّ يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[ 53 فُصّلت]
فبقدر ما أراده {الله} سبحانه وتعالى للناس أن يطالعوه من آفاق يكون مستوى فهمهم ومستوى تطبيقهم. لو أن الناس أحكموا التطبيق للذي علموه من أحكام وُضعت على قدر إمكانيات استيعابهم، لانفتحت لهم الآفاق على مستوى أعلى وأرفع من المعرفة. وبذلك كلما زاد العلم والمعرفة: اتسعت رقعة الحركة في التطبيق:
( من عمل بما علم أورثه {الله} علم ما لم يعلم )
وقال {الله} تبارك وتعالى:
{ واتقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[282 البقرة]
ومعلوم أن التقوى معناها العمل بالشريعة بإحسان: تطبيق أحكامها واجتناب نواهيها. فإن كُتب للإنسان أن يفي حق التطبيق لما علمه من أحكام شرعية؛ امتدّ بصره إلى الأمام ليجد أنه مازال في بدايات الطريق؛ وكما أسلفنا القول فإن الشريعة هي الطريق الذي يقودك إلى داخل حظيرة الدين، ولأن الشريعة هي طرف الدين مما يلي السائرون إلى الديّان فإنه ليس لأحد أن يقول بأنه قد اكتمل دينه: لأنه يؤدي ما عليه من فروض وفق أحكام الشريعة؛ ذلك لأن هذه الفروض هي الحد الأدنى من [ علم : وعمل بمقتضى العلم ] وأن ما دونها خروج عن الحظيرة. وأن هذه الفروض هي قاعدة التكليف، هي أساس البنيان الذي يُراد له أن يقوم على ركائز ثابتة وأساس متين.
فإن تمّ هذا، بدأ المتديّن وشرع في الدخول إلى الدين.
وكلما شاء {الله} له أن يتوغل: شاء له أن يزداد معرفة وبذلك يرتفع مستوى تكليفه ومن ثمّ تتسع دائرة تطبيقه ومن ثمّ يعلو بنيانه:
{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]
وبقدر أهل العزم تأتي العزائم.
هذا البنيان هرم لولبيّ لا سقف محسوس له لأن قمته عند {الله} بديع السماوات والأرض حيث لا حيث وعند لا عند.
الشريعة هي الدين وبذلك هي مطلقة إطلاق الدين. فهي لا حدود لها ولا يستطيع أحد أن يقول بأنه قد اكتمل تشرّعه. ذلك لأن الشريعة جسم لولبي مطلق شأنها هو شأن {الله} عز وجلّ فهي مستوعبة لمقتضيات كل يوم جديد في مسيرة نمو وتطور العقل البشري. و الذي يمكننا من أن نتصور آلية سير نموه وتطوره هو عصا الأعمى:
يقدمها أمامه ليؤمّن مساحة آمنة أمامه؛ فمكان وضعها تحرّك إليه. ثمّ يقدمها؛ وهكذا فكلما قطع مسافة، امتدّت أمامه مسافة أخرى.
وبسبيل التفصيل: فإن هذا الحد الأدنى من الأحكام الشرعية ورد في حديث جبريل عليه السلام. الحديث يرويه عمر بن الخطاب رضي {الله} عنه قال:
{ بينما نحن جلوساً عند رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم إذ أقبل علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ؛ فجلس إلى النبي صلى {الله} عليه وسلم : وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ثمّ قال:
{ يا محمد أخبرني عن الإسلام } ؟
فقال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :
( الإسلام أن تشهد ألا إله إلا {الله}وأن محمداً رسول {الله}
وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وأن تصـوم رمضان
وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )
قال :{ صدقت }
قال عمر رضي {الله} عنه: فعجبنا له يسأله ويصدّقه.
ثمّ قال :{ فأخبرني عن الإيمان }؟
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( الإيمان هو
أن تؤمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر
وبالقدر خيره وشره )
قال : { صدقت }
قال :{ فأخبرني عن الإحسان } ؟
قال عليه الصلاة والسلام:
( الإحسان أن تعبد {الله} كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
وانصرف الرجل. فلبث النبيّ صلي {الله} عليه وسلم مليّاً ثمّ قال:
( أتعلمون من هذا )؟
قلنا: {الله} ورسوله أعلم.
فقال رسول {الله} صلي {الله} عليه وسلم :
(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
اقرأ: ( يعلّمكم دينكم ). قال دينكم ولم يقل: يعلّمكم الدين أو يعلّمكم دين {الله}. قال تبارك وتعالى:
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إنّ الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]
وبطبيعة الحال ليس الإسلام المشار إليه هنا هو ذلك الإسلام الّذي رُدّ إليه الأعراب حينما قالوا: آمنّا. وإنما هو الإسلام الحق الّذي قال عنه المولى تبارك وتعالى:
{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض
طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون }
[83 آل عمران]
فإذا وضعنا في الحسبان قول النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
نعلم أن الذي جاء به جبريل عليه السلام من دين يعلمه الناس في ذلك الوقت وفي ذلك المجلس المشرّف هو الحد الأدنى من الدين جاء به على قدر استعداد الناس على الفهم والتقبّل في ذلك الوقت لطفاً من {الله} ورحمة بالعباد. وهم ليس مطلوب منهم أكثر من ذلك:
{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها }
فإن هم فعلوه بصدق فقد أفلحوا. و لقد ورد في الأثر أن أعرابياً جاء إلى رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم وسأله عما يجب عليه أداؤه. ثمّ قوله بأنه سيؤدي ما عليه ولا يزيد. ثمّ قول النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( أفلح إن صدق )
وأفلح تعني نجح في الدخول إلى الدين. والنجاح ليس له حدود لأن كماله عند {الله} سبحانه وتعالى.
و التكليف إنما يكون بقدر الإدراك لمعالم الشريعة. ولأن معالم الشريعة هي معالم الدين؛ ولأن معالم الدين هي معالم المعرفة ب {الله} القدوس السميع العليم؛ فإن التكليف ليس له حدٌّ محدود ونهاية ينتهي عندها المُكلّف. وبقدر أهل العزم تأتي العزائم. فحين كان تكليف الناس آنذاك هو هذه الأركان الخمس المعروفة كحدٍ أدنى لا يُقبل النزول عنه؛ كان تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم أكبر من ذلك وبلا حدود يمكن أن يقف عندها. ولا يُقال بأن تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم سيظل هكذا غير مفروض على الأمة وذلك لأنه نبيّ.
{الله} سبحانه وتعالى يقطع علينـا هذه الحجـة:
{ لقد جاءكم رسول مّن أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }
[128 التوبة]
ولقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء وأُخذ بهيبته صلى {الله} عليـه وسلم؛ قال:
( هوّن عليك إنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد )
و حين بيّن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم للناس معالم الحد الأدنى من التكليف: ندبهم للإقتداء والتأسي به. قال {الله} سبحانه وتعالى :
{ قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رّحيم }
[31 آل عمران ]
و الإتّباع إنما يكون باقتفاء الأثر والسير خلف الخطى بوضع الأقدام على أثر الأقدام بلا زيادة أو إنقاص.
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( صلوا كما رأيتموني أصلي )
وقال :
( خذوا عني مناسككم )
قال {الله} تبارك وتعالى:
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }
[ 21 الأحزاب ]
محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم هو النبيّ خاتم الأنبياء؛ وهو رسول {الله} إلى الكافة.وهو في مستوى كونه نبيّ له شريعة النبوّة. وهي شريعة فردية متعلقة به في مستوى نبوّته ولذلك لم يُكلّف بها عامة الناس وإنما نُدبوا للتأسي بها؛ وهم سيكون لهم الأجر إن هم فعلوها و إلا فلا إثم عليهم. هذه الشريعة الفردية هي السنة النبوية المشرفة.وهي كما هو معلوم أنّها: { شريعة العامّة وزيادة } فعبادته صلى {الله} عليه وسلم كانت تزيد عن عبادة الأمة وهي فرض عين عليه. قال {الله} سبحانه وتعالى يوجه الأمر المباشر إلى محمد بن عبد {الله} النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
{ يا أيّها المزّمّل *
قُم الليل إلاّ قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا *
إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا * إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا *
إنّ لك في النّهار سبحاً طويلا * واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا *
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا *
واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا }
[10 المزّمّل]
هذا تكليف لم يُكلّف به الناس. بل حدث أن كان النبيّ صلى {الله} عليه وسلم يقيم الليل منفرداً بالمسجد؛ فرآه الناس وصلوا خلفه. وفي الليـلة اللاّحقة لم يخرج وصـلى في بيته. وكان أن سأله الصحابة رضوان {الله} عليهم عن سبب عدم خروجه لصلاة القيام؟
فقال عليه الصلاة والسلام :
( خشيت أن تُكتب عليكم )
ولقد خشي أن تفرض عليهم وهم في مستواهم ذلك الذي كان، و المحل فيهم لمّا يستعد بعد لأن تُفرض عليهم التكاليف النبوية العليا. و الحق أنها ستكون مفروضة في حق كل من يستعد المكان فيه معرفة ومقدرة على التطبيق. فشريعة العارف معرفته. فكلما زادت المعرفة وجب التطبيق بمقتضى مستوى العلم الذي تحقق.
{ واتقوا الله ويعلّمكم الله }
و
( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم )
ولعله من المناسب هنا أن نتعرض لما يسمى بصلاة التراويح في رمضان.
ونؤكد بأن صلاة التراويح التي تقام سنوياً طيلة شهر رمضان المبارك تصلى بعد صلاة العشاء، ما هي إلا بدعة ابتدعها سيدنا عمر رضي {الله} عنه. وهي تعتبر بدعة حسنة بمقياس القرن السابع الميلادي.
الشاهد في الموضوع هو أن جماعة الصحابة رضوان {الله} عليهم بعد أن امتنع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن الخروج من بيته المشرف لصلاة القيام بالمسجد ليلاً، صاروا، تأسياً به، يصلون بالمسجد فرادى. كل يتخذ له موضعاً يصلي فيه جهراً بالمسجد. و استمر الحال بهم هكذا حتى عهد عمر رضي {الله} عنه، حين خرج عليهم ذات مرة فوجدهم على ذلك الحال يصلون فرادى جهراً فقال: لو أننا جمعناهم على إمام.
ومنذ ذلك الوقت ظهرت صلاة التراويح.
وفي المال كانت شريعة النبوة هي إنفاق العفو. فهو صلى {الله} عليه وسلم لم يكن ليكتنز رزق يومٍ للغد. وكان يقول:
( لو توكلتم على {الله} حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير
تغدوا خماصاً وتروح بطانا )
ولم يكن صلى {الله} عليه وسلم ، ليبيت متعشياً قط وهو يعلم أن جاره جائع . كان عليه الصلاة والسلام وكأنه يقول: الأرزاق متوفرة ومبذولة للجميع، بل وأنها مضمونة كما الحال عند الطير فلماذا الكنز والجشع والخوف من يوم غد.
وقد قال صلى {الله} عليه وسلم :
( خالق غدٍ يأت برزق غد كل غدٍ )
ولقد قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( كان الأشعريون إذا أملقوا وهم في سفر افترشوا ثوباً فوضعوا عليه ما عندهم من زاد و تقاسموه بالسوية أولئـك قوم أنا منهم وهم مني )
هذا وكأنه يقول يجب أن تكون شريعة المال بين الناس أن يتقاسموه بالسوية. ولعمري أن الإسلام أحق بمساواة الناس اقتصادياً من أية نظرية أخرى.
قال صلى {الله} عليه وسلم :
( من كان عنده فضل زاد فليجد به على من لا زاد له
و من كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له )
قال الراوي : فذهب صلى {الله} عليه وسلم يعدد في الفضل حتى ظننا أنه ليس لأحد حق في فضل . هذه إشارات واضحة ولا تحتمل أي تأويل، لأن هذا هو الحال الذي كان عليه هو صلى {الله} عليه وسلم. وعندما يرد القول الكريم من الرب العظيم:
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }
[31 آل عمران]0
فماذا بعد هذا ليؤكد أن المساواة الاقتصادية هي التكليف المرجو للنّاس الالتزام به.
وعلى قمّة الشريعة الفرديّة المشرّفة الخاصة بمحمد بن عبد {الله} عليه أفضل صلوات {الله} وسلامه: تكليفه؛ دون من سبق من الأنبياء الكرام؛ بتبليغ رسالات ربّه تبارك وتعالى إلى كافة العالمين: الإنس جميعهم والجنّ كلّهم ممن يعمرون الأرض ويتطاولون للعروج إلى السماء.
كلّ من سبق من الأنبياء و الرسل الكرام عليهم السلام كان قد أرسل إلى قومه فقط:
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات }
[47 الروم]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه
فقال يا قوم اعبدوا الله }
[23 المؤمنون]
{ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا
أن اعبدوا الله }
[45 النمل]
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور }
[5 إبراهيم]
{ كذّبت عاد المرسلين *
إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون *
إنّي لكم رسول أمين }
[125 الشعراء]
أمّا خاتم الأنبياء المشرّف بالرسالة إلى العالمين فقد قال له ربّ العالمين:
{ وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين }
[107 الأنبياء]
{ وما أرسلناك إلاّ كافة للنّاس بشيرا ونذيرا }
[28 سبأ]
وقال {الله} تبارك وتعالى عن خاتم أنبيائه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
ولو كره المشركون }
[33 التوبة]
{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
وكفى بالله شهيدا }
[28 الفتح]
{انتهى}
الصّـــلاة
الصّلاة هي أم العمل في تطبيق العبـادة بسبيل الرجوع من الفرقة للجمعية ومن التشتت إلى الوحدانية. وهي آلية العمل الحسي لتحقيق الصلة بين العبد وربه .وذلك يعني أن ميدان معترك الصلاة هو النفس البشرية خروجاً بها من قاع أسفل سافلين حيث السجان هو النفس الأمارة بالسوء إلى أعلى عليين حيث قيم الخير الراقية تفوح من أعطاف النفس السابعة التي رضيت فاستسلمت فرُضِي عنها.
( الصلاة صلة بين العبد وربه )
هذا قول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ومعامل هذا العمل الحسي هو الجسد.فالجسد هو العامل الأساسي لانفعال الآلية الحسية لتحقيق الصلة المعنوية بين العبد والرب.و الرب هنا تعني الأنا العليا للعبد. فلكل عبد من عبيد {الله} رب وهو النفس الكاملة التي تتحقق في قمة لولب درجات النفوس السبع.
النفس الأمارة بالسوء
النفس اللوامة
النفس الملهمة
النفس المطمئنة
النفس الراضية
النفس المرضية
والسابعة هي النفس الكاملة.
وكمالها هو كونها نقطة انغلاق لولب درجات النفوس في دورة الحياة الدنيا بمعني وحدة الزمن والمكان الماضي.وهي نقطة انفتاح لولب درجات النفوس نحو الحياة العليا بمعني وحدة الزمن والمكان المقبل.
فالكمال قيمة من خصائصه الحركة والتجدد المستمر :
{ كل يوم هو في شان }
قلنا أن لكل عبد رب.
ورب العبد هو فرديته التي يتفرد بها عن بقية الأفراد. عن بقية الأرباب.
ورب الأرباب هو {الله} تبارك وتعالى :
{ يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار }
[39 يوسف]
قال سبحانه وتعالى :
{ من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً
إليه يصعد الكلم الطّيّبُ والعملُ الصالحُ يرفعه
والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد ومكر أُولئك هو يبور}
[10 فاطر]
الكلم الطيب مبتداه ومنتهاه شهادة التوحيد { لا إله إلا الله } وهو الذكر.
والذكر هو صلة رب العبد ب{الله}.
هو صلة الذاكر بالمذكور.
الذكر هو آلية العمل المعنوي لتحقيق صلة رب العبد ب{الله}.
والعمل الصالح مبتداه ومنتهاه : الصّلاة.
والصلاة علم وعمل بمقتضى العلم.
في قاعدتها العمل ( أقم الصلاة ) وفي قمتها الفكر.
قال النبيّ محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة )
الصلاة ( الفكر ) والذكر وسيلة تحقيق مقام العزّة لمن يريد العزّة.
{من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً}
العزّة قمة وقاعدة:
قاعدتها الاستقامة التي هي مطلوب العبودية المراد والممكن التحقيق ووسيلة ذلك هي الصلاة.
أما قمتها فهي القيومية وهي أدنى مراتب الألوهية والطريق إليها هو الذكر.
فالذكر أكبر من الصلاة.
هذا هرم قاعدته الصلاة وقمته الذكر :
{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة
إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
في قاعدة هذا الهرم يتم إرساء قواعد البيت المعمور بالرب.
{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك
وارنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم *
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
إنك أنت العزيز الحكيم }
[129 البقرة]
ولعل أن أول هذه القواعد التي من شأن الصلاة أن ترسيها هي رفع الفحشاء والمنكر. وهما الطرف الغليظ من المعصية.وهي، أي الصلاة، كفيلة برفع الفحشاء والمنكر مما يصدر عن المصلي ومما يرد عليه من الآخرين.
فلا يرتكب ولا ترتكب عليه فاحشة أو منكر.
و هي، أي الصلاة، في هذا، تقوم كالحجاب الحاجز بين النفس الأمارة بالسوء والنفس الأمارة بالخير:
{ قالوا يا ذا القرنين
إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض
فهل نجعل لك خرجاً
على أن تجعل بيننا وبينهم سداً }
[94 الكهف]
الجدير بالذكر، أن المعصية في حقيقة الأمر هي مخالفة لأمر الرب وليس لأمر {الله}.
الأمر من الرب يقول:
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب *
وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم
إنه بما يعملون خبير *
فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا
إنه بما تعملون بصير}
[112 هود]
فالمخالفة أو المعصية إنما تقع في منطقة العبودية التي تقابل الربانية وهي منطقة الثنائية بمعني أنها منطقة صراع الشك مع اليقين. منطقة سير وذلك بالتقلب بين الحق والباطل. قال محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون
فيغفر لهم )
إذن فالمعصية هي لازمة من لوازم السير إلى من إليه راجعون. هي الانحراف عن جادة الصراط المستقيم.هي الاعوجاج مقابل الاستعدال والاستقامة:
{ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم
وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً
يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً
وما يضل به إلا الفاسقين }
[26 البقرة]
وكلٌ بأمر {الله} :
{ من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل
فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]
أما أمر {الله} فلا عاصي له :
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً
أن يقول له كن
فيكون }
[82 يس]
الاستقامة قمة وقاعدة:
قاعدتها مقام النفس المطمئنة :
( الدرجة الرابعة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة الرابعة في مراقي العلم ومضمونها علم اليقين).
أما قمتها فهي النفس المرضية:
( الدرجة السادسة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة السادسة في مراقي العلم ومضمونها علم حق اليقين)
وهي مقام رب العبد الذي يتم تحقيقه بالصلاة.
و الربوبية أو الربانية مقام أصالة الفرد التي تميزه عن بقية خلق {الله} والتي تشير إلى كمال الألوهية التي لا تكرر نفسها:
{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة
ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله
ولكن كونوا ربانيين
بما كنتم تُعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرُسُون }
[79 آل عمران]
والكتاب هنا تعني جسد الفرد الحي المستمر الترقي متقلباً في أصلاب النفوس السبع.
و تعلّمون هنا معناها تحققون عليه علامات الترقي وهو سائر متنقل من نفس إلى نفس. و تدرسون هنا معناها تعيشون هذا الترقي لحظة بلحظة وتتحدثون بنعمة ربكم عليكم.
{ وأمّا بنعمة ربّك فحدث }
[11 الضّحى]
وتتحدثون بمعنى تكونون نموذجاً للخلق القويم.
كالزهرة العطرة تفوح طيباً أنّى تواجدت.
والصلاة هي انفعال سلوكي يقوم علي معامل تفاعل حركة الزمن بسطا فوق المكان مقاماً.
حركة مقام المكان المقصود بها : حركات الصلاة من وقوف وركوع وسجود والتي يتحرك بها الجسد داخل حرم الصلاة .
أما حركة بسط الزمان فهو الوقت الموقوت لأداء الصلاة.
ولقد ورد التكليف بالصلاة في القرآن الكريم بعدد من الآيات الكريمات.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشمس
وقبل غروبها
ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النّهار
لعلك ترضى }
[ 130 طه] .
يجب أن نلاحظ هنا أنه سبحانه وتعالى قال{ سبح بحمد ربك }ولم يقل { سبح بحمد الله } ذلك لأن الصلاة ما هي إلا معراج العبد داخل كيان العبودية تصعد به من مقامه الأدنى إلى مقامه الأعلى وهو مقام الرب ( الأنا العليا ).
و هذا معناه أن العبد إنما يصلي من أجله هو وليس من أجل {الله}، إن {الله} غني عن العالمين.
وقال {الله} سبحانه وتعالى:
{ أقم الصّلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل
و قرآن الفجر
إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}
[78الإسراء].
الجدير بالذكر هنا أن مسألة { قرآن الفجر }.
ليس المقصود بها في هذه الآيات الكريمة، قراءة القران وترتيله بعد أن تفرغ من صلاة الفجر، كما درج عليه معظم العبّاد. وإنما المقصود والمقرر له أن يكون مشهوداً هو قراءة القرآن وترتيله داخل الصلاة.
وقال جلّ وعلا: -
{ وأقم الصّلاة طرفي النّهـار و زلفاً مّن الليل
إنّ الحسنات يذهبن السيئات
ذلك ذكرى للذاكرين}
[114 هود ].
وقال سبحانه الكبير المتعال:
{ إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم
ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجراً كبيرا}
[9 الإسراء ].
وقال تبار
{وَ مَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً}
سلسلة لسان العصر
في سبيل تكوين تجمع العصر لتعظيم سيد العصر
محمد بن عبد {الله}
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
صلاة الإسلام
مفتاح شفرة توازن الإنسان
تقديم : يوسف هاشم محمد نجم
تـنويه
ورد على غلاف هذا الكتاب بأنه تقديم:-يوسف هاشم محمد نجم.نرجو التنويه بأن كلمة تقديم وردت بدلاً عن كلمة: ( تأليف ) أو (المؤلف ).ولقد قصدنا بإيراد كلمة ( تقديم ) بدلاً عن كلمة (تأليف ) أن نؤكد أن المؤلف الحقيقي هو { الله } وما نحن إلاّ أداة تقديم لإلهامات وردت على الخاطر من لدن العالم المعلّم الأول و الآخر :
{الله}
خالق كل شيء وهو الواحد القهّار.
ماذا نعني بتجمع العصر
الاسم :-
تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر
سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و ليس للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.
ولقد طلب منا عليه أفضل الصلاة وأتم ألتسليم أن ندعو له عند وفي كل وقتٍ رُفع فيه النداء بالطلب لفتح أبواب السماء لتحقيق الصلة بالرب أن نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاةالقائمة آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
والوعد كان قد جاء هكذا :
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا }
[79 الإسراء]
المرشد:-
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الأعضاء:
هم كافة العالمين من إنس و جن. الطفل والطفلة، الصبي والصبية، الشاب والشابة، الذكر والأنثى.المسلم، المسيحي،اليهودي، البوذي الهندوسي الزرادشتي، الكنفوسيوشي، الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن.
المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.
المركز الرئيسي:
ُيشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.
الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(راجع كتابنا: دستور الإنسان المعاصر)
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.
شعار هذا التجمع:
قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :
{ لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم }
[256 البقرة]
آلية الدعوة:
{أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
و جادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
[125 النحل]
{اللهُ}
جلّ جلاله وتباركت أسماؤه
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[13 الأحقاف]
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة
ألاّ تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم تُوعدون}
[30فُصّلت]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
{ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}
[9 النحل]
جفـاءُ المضـاجـع ليـس يـنـبئـك عـن شـغــف الـهـوى
وجلُ الجـلاء جـلالُ جـمال صـفـاء سـاعات الجوى
قد مضى عهد التّصابي و مقبل الأيّام رجعٌ للصّدى
إهداء هذا الكتاب
نهدي هذا الكتاب إلى الإنسان. مطلق إنسان تحت ظل رحمة الرحمن. رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء فلم تمييز بين من هو مسلم أو هو نصراني أو هو يهودي أو هو مجوسي أو هو بوذي أو هو أي من كان على غير ما ذكرنا أعلاه.
ألا فاعلم أيها الإنسان بأن الدين لم يهطل من السماء وإنما نبت من الأرض.أما الذي نزل من السماء فهو العلم والإرادة والقدرة. وهذا الثالوث هو قاعدة رحمة الرحمن التي وسعت كل شيء.
وأي سماء نزل هذا الثالوث منها؟
إنها سماوات الفكر الإنساني المحض. والدليل على ذلك قول {الله} تبارك وتعالى في الحديث القدسي:
( ما وسعني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن )
ورد في ديواننا (سوّاح على طريق المحبة) الآتي:
مفتاح الكنز
الخطأ الملحاح في أغوار الظلام مدفون
تحت ركام العصيان مخلوقا من نّار
مأذون بالبقاء على ظهر الإنسان
البؤساء لا يتوبون يستغفرون ثمّ يعاودون
التوبة عندهم نفاق
نفوسهم مجبولة على الخطأ
الاستغفار باللسان وهم في غيّهم يعمهون
كيف السبيل للإقلاع والخطيئة نارا تحترق
الخبث ورما تحت الأنقاض في الأعماق مرهون
كيف يكون الخلاص أهو مستحيل أن يكون
أم أنّه امتحان والخير يجيء آخر المطاف
من يعلم أنه معدوم في وقت معلوم
يعرفون أنهم يخطئون يتمادون لا يعبئون
فإذا انتهى يستغفرون يدّعون أنهم مسيّرون
الخطأ والصواب مكتوبا سبق بذلك الكتاب
من كفر فأنه القضاء والخطأ مقدّر أن يكون
ففيم إذا العناء وفيم التكدّر والشقاء والخطأ مرهون
وفيم إرسال الأنبياء والكلّ ميسر لما خُلق له
ولا يدخل أحد بعمله الجنّة فالرحمة وسعت كلّ شيء
أفي ذلك شك أم أنّه اليقين أم أنهم حائرون
{الله} خلقكم وما تعملون
الأنبياء جاءوا ليفسحوا الطريق
هذا صواب صاحبه مكتوب أنه يُثاب
والخطيئة للعقاب يعرفون أنهم يخطئون
وفي ذلك البلاء فيه الشقاء وعليه يلزم العقاب
وبالرغم منهم يخطئون فإذا انقلبوا يستغفرون
ولا يتوبون يبكون ينتحبون يطلبون المغفرة
و رحمة الرحيم
ثم هم يعاودون يائسين من صلاح وهم لهذا حائرون
كيف السبيل للخلاص قد اختلط الشك باليقين
هل يتابعون ولا يعبئون كأنهم في ذاك منقادون
لما سبق به الكتاب أم أنهم لا بد يقاومون
يتشرعون وينظرون
ماذا تراهم فاعلين وماذا ترانا نحن فاعلين
بأيدينا نغيّرهم أم أنهم للقول يسمعون
أم عند أضعف الإيمان نحن واقفون
قد مضى وقت الخلاء والفلاة ما عادت خواء
انتشر البشر في الأصقاع بهم الأرض قد ضاقت بما رحبت
لا بد أنه عهد اليواجيج والمآجيج يحكمون
الدجال على رأسه التاج وهم بأعتابه يتمسحون
الران قد عمّ الفضاء وتكثّف الغطاء
فاستعصى علي الشعاع يخترق
متى يجئ ليملأ الأرض بالضياء
والخطأ الملحاح يؤل للفناء ويبدأ الصواب بالغناء
والفرح يخلف البكاء فينزوي الشقاء
وكلهم يُسبّحون في بحار النور يسبحون
رحمة الرحيم تكون وسعت كلّ شيء
متى هذا يكون
الزمان حبله طويل والمكر غير مضمون
كم مرّ على الأرض من زمن من وقت ما تفتّق المُكون
وتكونت أكوان وبدأت بالأرض الحياة
متى لهذا العلم من جلاء غير الشعاع والضياء
من غيره يكشف لنا الغطاء والبصر يحتدّ كالحديد
وتبدأ الحياة من جديد ويبدأ الصراع يستمر
بين الصواب والصواب
وأين يكمن الجواب
عندما يجتمع السحاب ويبدأ الماء في النزول
وتبدأ الحياة في النماء كذا بدأ دور جديد
هل هذا هو القدر يرينا ما كان مكنون في القضاء
من يا ترى يأتي بالجواب
جبريل قد يكون ساعي البريد
ليتني أسأل النبي جبريل منه أم جاء من بعيد
جابر كان صاحب السؤال أجابه النبي أول الخلق من يكون
نور النبيّ كان أول النزول كان أول الظهور
بوابة الخفاء أول أعين العماء به تحرّك السكون
تعرّف الخفاء وهو من أرسل الجواب بالبريد
جبريل منه لم يأت من بعيد والملائكة كلهم له عبيد
بالطاعة العمياء لأنهم من نوره الصفاء
والنور حين ينقدح يضيء والنار بالانقداح جاء
وهكذا الإبليس جاء
هو الوقود للضياء والنار تخلّف الرماد
و هذا هو المراد امتناع إبليس عن السجود
ينثر الرماد في الهواء كالهباء يعكّر الأجواء
بها يعمّ يُكوّن الغطاء فيحجب الضياء
وهذا هو الإنظار
و يوم يُبعثون حين يُكشف الغطاء عندها يرجع الصفاء
عندما يُجمع الهباء الذي كان رتقاً فانفتق
والخلق كما بدأ يعود وعد الصدق من مريد
وتبدأ الحياة من جديد على أرض كلها ضياء
بلا ظلال بلا ظلام بلا شمس تدور في السماء
غير أن الصراع مستمر بين الصواب والصواب
والانتصار لمن يستطيع أن يجمع الضياء ليعود الأمر للعماء
ويرجع الظهور للخفاء وهكذا هيهات أن يكون
فالضياء لا يعود للمكون والنور لا يعود للوراء
بل انطلاق في الفضاء على أجنحة الإطلاق
هكذا الحياة لوالب تدور والمدار لولبي
كذا الأمر بلا بداية بلا نهاية يدور في مدار لولبيّ
والمدار جدار تحته الكنز يختفي والمفتاح إن شئت أنه فبي
أرقامه كواكب بالصدق للصدّيق ساجدون
واسمه محمد بالحق جاء يرفع الغطاء
والكنز خالصا لإخوة عليه عاكفون
(انتهى)
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
المقدمة
موضوع هذا الكتاب هو الصلاة. والصلاة في معناها العام عند جميع المصلين هي كما قال عنها خاتم الأنبياء نبي الإسلام محمد بن عبد {الله} عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم، هي صلة بين العبد وربه.وهذه الصلة قائمة ومستمرة ما قام الوجود. فليس هناك من وما لا يصلي للرحمن مالك يوم الدين.قال تبارك وتعالى:
{ الرحمن * علّم القرآن *خلق الإنسان * علّمه البيان *الشمس والقمر بحسبان * والنّجم والشجر يسجدان *والسماء رفعها ووضع الميزان *و أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان *والأرض وضعها للأنام }
( 10 الرحمن )
وقال تبارك وتعالى:
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنّه كان حليماً غفورا }
[ 44 الإسراء]
وقال ربّ العزّة والجلال :
{ ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السّماوات والأرض
والطّير صّافّات كلٌ قد علم صّلاته وتسبيحه
والله عليم بما يفعلون }
[ 41 النور ]
هذا، هذا. فما من شيء في السماوات وفي الأرض وفيما بينهما إلا ويصلي {لله}.
وقد اختلفت صور الصلاة باختلاف الشرائع التي هطلت من السماء علماً فنبتت من الأرض شريعة على قدر العقل البشري المتلقي لذلك العلم على مقام المكان وبسط الزمان.
الشريعة عبادة ومعاملة.هما وسيلة وغاية . الوسيلة هي العبادة والغاية معاملة وفق قوانين المحبة القائمة على والمقيدة بقانون الحق والعدل.
فما معنى العبادة؟ وما معنى أن نعبد {الله}؟:-
العبادة هي طريقة تعبيد النفس لتكون مستقيمة.
تقول عبّد الطريق بمعنى رصفه وسواه فجعله متساوياً مستقيماً بلا حفر ولا مطبّات، فتسهل عليه الحركة وتنساب من غير عقد أو معوقات.
والأمر في حق العبادة جاء هكذا:
{ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير }
[112 هود]
ولقد وضعت النماذج والخرط والمواصفات بالصورة والصوت التي توضح سبل وكيفية هذا التعبيد كما رسمت الصورة المرجوة لكيف يمكن أن تكون النفس المعبّدة:-
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني }
{إياك نعبد وإياك نستعين *اهدنا الصراط المستقيم }
{ كونوا ربّانين }
{ وأقيموا الوزن بالقسط}
{ قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم }
{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }
والحياة مآلها إلى الاستقامة.ولعل الحافز لذلك هو الإحسان.فكيف هو الإحسان؟:
( الإحسان هو أن تعبد {الله } كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
لعل هذا يعني : إن لم تستطع أن تستقيم فلا تنكر بأن هناك استقامة.
( الدنيا مطية الآخرة ) هذا القول الكريم يعني في بعض مما يعني: أن العبادة وسيلة إلى الاستقامة.
وآخر الشرائع التي جاءت لتوظيف المنهج وبرمجة كيفية وصورة علاقة العبد بالرب ( العبادة ) لتحقيق الصلة به، هي شريعة الإسلام.
ونورد فيما يلي ما جاء بكتابنا { دستور الإنسان المعاصر} عن شريعة الإسلام:
الشـــــــريعــــة
الشريعة هي مدخل الدين. هي المدخل الرئيسي لحظيرة الدين. وليس من سبيل آخر للدخول في الدين غير الابتداء بالعمل بها.
من أنكر أو فرّط أو تهاون في الالتزام بركن من أركانها فهو خارج الدين. ومن يعمل بها ويلتزم أركانها بلا زيادة أو نقص، فإنه واقف على عتبة الدخول إلى الدين. تقول: شرع شريعة إلى الماء؛ أي اتخذ طريقاً إليه. و المكان الذي يقف فيه من يود أن يرد الماء أو أن يستقل مركباً يعبر به إلى شاطئ آخر: يُسمى: مُشرع.
فالشريعة هي الطريق الوحيد الذي يتخذه العباد في سبيل الدخول إلى الدين. الشريعة هي الدين ولكن ليست هي جماع الدين، و إنما هي طرف البداية للدين مما يلي العباد. أما جماع الدين، أو قل: طرف النهاية للدين إنما هي عند {الله} ألعلي العزيز القدير.
قال تبــارك وتعالى:
{ إن الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]
وبداية الإسلام هي الشريعة. هي الفروض والأركان التي وُضعت كحدٍ أدنى لتنظيم حياة الناس: علماً، وعملاً بمقتضى العلم، على قدر العقلية السائدة وإمكانية التطبيق المتاحة. يتخذها الناس لتنظيم وترشيد حياتهم النفسية، الجسدية، الفكرية، السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية.
والشريعة تحكم بظاهر العمل وفق متطلبات مستوى الإسلام في طرف البداية. فمن شهد قولا باللسان أنه {لا إله إلاّ الله} وأن محمداً رسول {الله} وأقام الصّلاة وآت الزكاة وصام رمضان والحجّ لمن استطاع إليه سبيلا؛ فقد دخل الإسلام وعصم دمه وماله. ذلك حتى ولو كان منافقاً في كلّ ما قال وما فعل. وهذا معنى أن الشريعة عليها بالظاهر.
قال تبارك وتعالى:
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لّم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]
هذا هو الإسلام في طرف البداية وهو مستوى دون الإيمان. أمّا الإسلام في طرف النهاية هو أعلى بكثير فوق الإيمان.
هو يأتي بعد أن تُقطع وتُستوفى درجات الإيمان، فالإحسان ثمّ ترتقي مراقي:
علم اليقين، فعلم عين اليقين، ثمّ علم حق اليقين.
بعد ذلك يتحقق الدخول في الإسلام الحق الّذي هو طرف النهاية:
{ إنّ الدين عند الله الإسـلام }
[19 آل عمران]
وأول من تفضّل {الله} عليه بنعمة تحقيق هذه الدرجة من الإسلام هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
قال تبارك وتعالى:
{ قل إنّني هداني ربّي إلى صراط مستقيم
ديناً قيما ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين *
قل إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين *
لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أوّل المسلمين }
[163 الأنعام]
ولقد تقلّب خليل {الله} إبراهيم عليه السّلام في مراقي الإيقان حتى أسلم.
قال تبارك وتعالى:
{ وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحي الموتى
قال أو لم تؤمن
قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي
قال فخذ أربعة مّن الطّير فصرهنّ إليك
ثمّ اجعل على كلّ جبل مّنهن جزءاً ثمّ ادعهنّ يأتينك سعيا
واعلم أنّ الله عزيز حكيم }
[260 البقرة]
وبعد أن أتمّ {الله} للخليل عليه السّلام أن يطمئن على الإيمان تفضّل عليه بالدخول إلى مراقي الإيقان.
قال تبارك وتعالى:
{ وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهنّ
قال إنّي جاعلك للنّاس إماما
قال ومن ذرّيّتي
قال لا ينال عهدي الظالمين }
[124 البقرة]
وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض
وليكون من الموقنين }
[75 الأنعام]
ثمّ جاءه الفضل الأكبر بالإسلام:
{ إذ قال له ربّه أسلم
قال أسلمت لربّ العالمين }
[131 البقرة]
لعلّ الفرق بين الإسلام في طرف البداية والإسلام في طرف النهاية قد بات واضحاً. فلا يمكن أن يكون إسلام المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتم التسليم وإسلام الخليل عليه السّلام هو بعينه ذلك الإسلام الّذي ردّ {الله} تبارك وتعالى إليه الأعراب حين قال تبارك وتعالى:
{ قالت الأعراب آمنّا
قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا
ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم }
[14 الحجرات]
وجاءت شريعة الإسلام جامعة لخصائص الشريعتين السابقتين:
شريعة موسى عليه السلام
و
شريعة عيسى عليه السلام
ومكملة لنهج تسيير الحياة وفق ما جدّ على العقل البشري من تطور.
قال الحكيم الخبير :
{ الم *
الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم *
نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً لما بين يديه
وأنزل التّوراة والإنجيل * من قبل هدى للنّاس وأنزل الفرقان
إنّ الّذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد
والله عزيز ذو انتقام }
[4 آل عمران]
وقال تبارك وتعالى :
{ وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً لتكونوا شهداء على النّاس
ويكون الرّسول عليكم شهيدا }
[143 البقرة]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشريعة هي الوسيلة التي يتوسل بها عباد الرحمن للدخول والصعود إلى مراقي الدين؛ ينشدون الغايات الموصوفة لهم والنتائج المرجوة والمؤكد تحقيقها لو أنهم سلكوا الطريق الصحيح إليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولأن الوسائل الصحاح لابد أن تكون من جنس الغايات الكريمة فإن الشريعة هي الدين موضوعاً في أبسط وأسهل صوره مقرّباً وفق مستوى واقع الناس الفكري والاقتصادي والاجتماعي.
قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
هذا شرح على الآية الكريمة:
{ بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم
ولعلّهم يتفكّرون }
[44 النحل]
في هذه الآية الكريمة : الإنزال غير التنزيل .
أُنزل الذكرُ:
{ القرآن } كله وخُتمت بذلك النبوة. فلن يكون هناك إنزال جديد أو مستأنف. أما التنزيل فهو كما قال النبي صلى {الله} عليه وسلم : مخاطبة الناس بما يمكن لعقولهم أن تدركه من هذا القران العظيم . وبما يمكنهم العمل به. والأمثلة على ذلك مستفيضة.
قال جلّ وعلا :
{ و إن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء
مثنى وثلاث ورباع
فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة
أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا }
[3 النساء]
وقال سبحانه وتعالى :
{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم
فلا تميلوا كلّ الميل فتذروها كالمعلّقة
وإن تصلحوا وتتّقوا
فإن الله كان غفوراً رّحيما }
[129 النساء]
المطلوب في ميزان أعلى قيم الاجتماع الحياتية هو الزوج الواحد من ذكر وأنثى. الرجل الواحد يتزوج امرأة واحدة. والمرأة الواحدة ليس لها إلا زوج واحد. ولم يكن من الحكمة في ذلك الوقت أن يقضي التشريع بزواج الواحدة فقط، ذلك لأن الرجل في ذلك الوقت كان يتزوج العديد من النساء، كما كان يمتلك عشرات الإماء. وكان ذلك هو العرف السائد حينذاك.
قال {الله} تبارك وتعالى يوجّه نبيّه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
{ خذ العفو
وأمر بالعرف
وأعرض عن الجاهلين }
[199 الأعراف]
بالإضافة إلى وضع المرأة في المجتمع فقد كانت تعتبر ضمن ما يستطيع الرجل أن يمتلك منه العدد الذي يشاء حسب إمكانياته من مال وسلطة. كذلك كانت المرأة تعتبر مما يجر العار على أهلها، فكان التشديد على حراستها، ومن لم يكن يستطع أن يصونها من الخطف والسبي كان يدفنها حيّة.
{ وإذا الموءودة سُئلت * بأيّ ذنب قُتلت }
[ 9 التكوير].
و مثال آخر: قام تشريع المال على الزكاة بمقاديرها وأوقاتها المعروفة. وحتى عن هذه أحجم بعضهم وقالوا: [ إننا نصلي ونصوم ولكننا و{الله} لا نؤتي أموالنا ] والإشارات في القرآن عن أن الزكاة ليست هي المطلوب الأخير مستفيضة ومتعددة.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ وآتوهم
مّن مّال الله الّذي آتاكم }
[33 النور]
قال :{ من مال الله }
أمّا في آية فرض الزكاة فقد قال :{ خذ من أموالهم }
ولعلّ مسألة التدرّج في التشريع واضحة هنا لا لبس فيها ولا غموض.
وقال النبي الكريم صلى {الله} عليه وسلم :
( في المال حق غير الزكاة )
وقال تباك وتعالى :
{ والله فضّل بعضكم على بعض في الرّزق
فما الّذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهـم
فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون }
[71 النحل ]
وقال جلّ وعلا لتحديد القيمة العليا في مسألة إنفاق المال:
{ ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو }
[219 البقرة]
الأنبياء عليهم السلام، خاطبهم الرب سبحانه وتعالى على قدر عقولهم التي أعدّها وهيّأها سلفاً لتلقي هذا الخطاب العظيم. و في حق نبيّنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم كان الخطاب من المولى عزّ وجلّ هو مسك الختام. و عنده؛ صلى {الله} عليه وسلم، خُتم الوحي من {الله} تبارك وتعالى. وبذلك خُتمت النبوّة. وبختم النبوّة اكتمل وضع الدستور الذي ينظم حياة البشر؛ ليس المسلمين فحسب، وإنما جميع العالمين: الإنس والجن. و هو في حقيقة الأمر دستور الحياة منذ انبثاقها وإلى أن يرث {الله} الأرض ومن عليها؛ لا بل و حتى تلقى الحياة ربها حيث لا حيث وعند لا عند.
وعليه فإن كل الذي أراده {الله} سبحانه وتعالى أن يُقال: قد تمّ قوله وإنزاله. ولن يكون هناك قول جديد يُقال أو يُنزل:
( رُفعت الأقلام وجفت الصحف )
هذا في حق الإرادة الإلهية الحكيمة. أما فيما يتعلق بالحياة وأحيائها، فإن كل يوم جديد يكشف أُفقاً كان مخفي. ويكون فيه إدراك أوسع يتطلب تنظيماً يوافق الاحتياجات الحياتية المستجدة الظهور، ويواكب القدرات الفكرية المتوسعة. وهذا يعني أن التنزيل مستمرّ بمعنى أن كلّ يوم جديد يكشف لنا {الله} فيه فهماً جديداً لم يكن في اليوم السابق معروفاً.
{ كل يوم هو في شأن }
وهذا ممّا يطالعنا من فهم لحديث المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( خالق غدٍ يأت برزق غدٍ كلّ غدٍ )
ذلك أنّ الرّزق ليس ماديّاً فقط وإنّما هو أيضا رزق العلم والمعرفة. و طالما أن دستور الحياة العام موجود ومكتمل فإنه، قولاً واحد، يشمل الحلول الشافية لكل إشكال من إشكالات الحياة المستجدة الظهور.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ بالبيّنات والزّبر
و أنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزّل إليهم
ولعلهم يتفكرون }
[44 النحل]
قلنا أن التنزيل يعني التبيين من القرآن على قدر ما يحتاجه ويستوعبه الناس حسب قدر عقولهم، ووفق واقع المقدرات الحياتية الواقعية؛ وفي نفس الوقت يندبهم ليتفكروا. وهذا هو ما يقرره القرآن الكريم.
قال تبارك وتعالى:
{ لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]
ومن ضمن القدر الذي نُزّل كانت الشريعة. والشريعة معاملة وعبادة. العبادة وسيلة للمعاملة. ألم يقل من أُوتيّ جوامع الكلم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( الدين المعاملة ) و ( الدين حسن الخلق )
و ( حسن الخلق خلق{الله} الأعظم )
والعبادات هي الوسيلة الناجعة لإذكاء الفكر. {الله} سبحانه وتعالى وضع الأهداف نصب أعيننا ووضع الآلية التي إن استخدمت بإحسان لابد وأنها تقودنا قُدما نحو التحقيق والوصول إلى تلك الغايات المرجوّة. ولأن غاية الغايات هي وجه الكريم المتعال، فإن اكتمال الإنزال لا يعني تمام التبيين.
يمكن القول أن اكتمال الإنزال يعني تمام التبليغ. أما التبيين فقد تم بقدر استعداد المبلغين بالأمر. ولا يزال التبيين مستمراً إلى يوم الدين. الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الأيام وفي أثناء تواجده مع الناس بشخصه الكريم المشرّف بشرف النبوّة قام بمهمة التبيين على قدر العقل آنذاك خير قيام. ولكن بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى أصبح التبيين من مهمات العقول المستنيرة المؤدبة بأدب القران الكريم والسنة المشرّفة. قال عليه الصلاة والسلام :
( تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا أبداً كتاب {الله} وسنتي )
ولقد قال عليه الصلاة والسلام مبيناً للناس سبل التبيين المستمرة إلى يوم الدين:
( من عمل بما علم أورثه {الله} علم ما لم يعلم )
إذن فوسيلة التبيين هي: العمل بمقتضي ما عُلم. فإن تمّ ذلك بإحسان أورث {الله} العامل بقدر علمه مزيداً من العلم.
قال جلّ وعلا:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتىّ يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[ 53 فُصّلت]
فبقدر ما أراده {الله} سبحانه وتعالى للناس أن يطالعوه من آفاق يكون مستوى فهمهم ومستوى تطبيقهم. لو أن الناس أحكموا التطبيق للذي علموه من أحكام وُضعت على قدر إمكانيات استيعابهم، لانفتحت لهم الآفاق على مستوى أعلى وأرفع من المعرفة. وبذلك كلما زاد العلم والمعرفة: اتسعت رقعة الحركة في التطبيق:
( من عمل بما علم أورثه {الله} علم ما لم يعلم )
وقال {الله} تبارك وتعالى:
{ واتقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[282 البقرة]
ومعلوم أن التقوى معناها العمل بالشريعة بإحسان: تطبيق أحكامها واجتناب نواهيها. فإن كُتب للإنسان أن يفي حق التطبيق لما علمه من أحكام شرعية؛ امتدّ بصره إلى الأمام ليجد أنه مازال في بدايات الطريق؛ وكما أسلفنا القول فإن الشريعة هي الطريق الذي يقودك إلى داخل حظيرة الدين، ولأن الشريعة هي طرف الدين مما يلي السائرون إلى الديّان فإنه ليس لأحد أن يقول بأنه قد اكتمل دينه: لأنه يؤدي ما عليه من فروض وفق أحكام الشريعة؛ ذلك لأن هذه الفروض هي الحد الأدنى من [ علم : وعمل بمقتضى العلم ] وأن ما دونها خروج عن الحظيرة. وأن هذه الفروض هي قاعدة التكليف، هي أساس البنيان الذي يُراد له أن يقوم على ركائز ثابتة وأساس متين.
فإن تمّ هذا، بدأ المتديّن وشرع في الدخول إلى الدين.
وكلما شاء {الله} له أن يتوغل: شاء له أن يزداد معرفة وبذلك يرتفع مستوى تكليفه ومن ثمّ تتسع دائرة تطبيقه ومن ثمّ يعلو بنيانه:
{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت }
[286 البقرة]
وبقدر أهل العزم تأتي العزائم.
هذا البنيان هرم لولبيّ لا سقف محسوس له لأن قمته عند {الله} بديع السماوات والأرض حيث لا حيث وعند لا عند.
الشريعة هي الدين وبذلك هي مطلقة إطلاق الدين. فهي لا حدود لها ولا يستطيع أحد أن يقول بأنه قد اكتمل تشرّعه. ذلك لأن الشريعة جسم لولبي مطلق شأنها هو شأن {الله} عز وجلّ فهي مستوعبة لمقتضيات كل يوم جديد في مسيرة نمو وتطور العقل البشري. و الذي يمكننا من أن نتصور آلية سير نموه وتطوره هو عصا الأعمى:
يقدمها أمامه ليؤمّن مساحة آمنة أمامه؛ فمكان وضعها تحرّك إليه. ثمّ يقدمها؛ وهكذا فكلما قطع مسافة، امتدّت أمامه مسافة أخرى.
وبسبيل التفصيل: فإن هذا الحد الأدنى من الأحكام الشرعية ورد في حديث جبريل عليه السلام. الحديث يرويه عمر بن الخطاب رضي {الله} عنه قال:
{ بينما نحن جلوساً عند رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم إذ أقبل علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ؛ فجلس إلى النبي صلى {الله} عليه وسلم : وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ثمّ قال:
{ يا محمد أخبرني عن الإسلام } ؟
فقال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :
( الإسلام أن تشهد ألا إله إلا {الله}وأن محمداً رسول {الله}
وأن تقيم الصلاة وأن تؤتي الزكاة وأن تصـوم رمضان
وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )
قال :{ صدقت }
قال عمر رضي {الله} عنه: فعجبنا له يسأله ويصدّقه.
ثمّ قال :{ فأخبرني عن الإيمان }؟
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( الإيمان هو
أن تؤمن بالله
وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر
وبالقدر خيره وشره )
قال : { صدقت }
قال :{ فأخبرني عن الإحسان } ؟
قال عليه الصلاة والسلام:
( الإحسان أن تعبد {الله} كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك )
وانصرف الرجل. فلبث النبيّ صلي {الله} عليه وسلم مليّاً ثمّ قال:
( أتعلمون من هذا )؟
قلنا: {الله} ورسوله أعلم.
فقال رسول {الله} صلي {الله} عليه وسلم :
(هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
اقرأ: ( يعلّمكم دينكم ). قال دينكم ولم يقل: يعلّمكم الدين أو يعلّمكم دين {الله}. قال تبارك وتعالى:
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم
قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إنّ الدّين عند الله الإسلام }
[19 آل عمران]
وبطبيعة الحال ليس الإسلام المشار إليه هنا هو ذلك الإسلام الّذي رُدّ إليه الأعراب حينما قالوا: آمنّا. وإنما هو الإسلام الحق الّذي قال عنه المولى تبارك وتعالى:
{ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض
طوعاً وكرهاً وإليه يُرجعون }
[83 آل عمران]
فإذا وضعنا في الحسبان قول النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
نعلم أن الذي جاء به جبريل عليه السلام من دين يعلمه الناس في ذلك الوقت وفي ذلك المجلس المشرّف هو الحد الأدنى من الدين جاء به على قدر استعداد الناس على الفهم والتقبّل في ذلك الوقت لطفاً من {الله} ورحمة بالعباد. وهم ليس مطلوب منهم أكثر من ذلك:
{ لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وسعها }
فإن هم فعلوه بصدق فقد أفلحوا. و لقد ورد في الأثر أن أعرابياً جاء إلى رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم وسأله عما يجب عليه أداؤه. ثمّ قوله بأنه سيؤدي ما عليه ولا يزيد. ثمّ قول النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( أفلح إن صدق )
وأفلح تعني نجح في الدخول إلى الدين. والنجاح ليس له حدود لأن كماله عند {الله} سبحانه وتعالى.
و التكليف إنما يكون بقدر الإدراك لمعالم الشريعة. ولأن معالم الشريعة هي معالم الدين؛ ولأن معالم الدين هي معالم المعرفة ب {الله} القدوس السميع العليم؛ فإن التكليف ليس له حدٌّ محدود ونهاية ينتهي عندها المُكلّف. وبقدر أهل العزم تأتي العزائم. فحين كان تكليف الناس آنذاك هو هذه الأركان الخمس المعروفة كحدٍ أدنى لا يُقبل النزول عنه؛ كان تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم أكبر من ذلك وبلا حدود يمكن أن يقف عندها. ولا يُقال بأن تكليف النبيّ صلى {الله} عليه وسلم سيظل هكذا غير مفروض على الأمة وذلك لأنه نبيّ.
{الله} سبحانه وتعالى يقطع علينـا هذه الحجـة:
{ لقد جاءكم رسول مّن أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم
حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم }
[128 التوبة]
ولقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم لذلك الأعرابي الذي جاء وأُخذ بهيبته صلى {الله} عليـه وسلم؛ قال:
( هوّن عليك إنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد )
و حين بيّن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم للناس معالم الحد الأدنى من التكليف: ندبهم للإقتداء والتأسي به. قال {الله} سبحانه وتعالى :
{ قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يُحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رّحيم }
[31 آل عمران ]
و الإتّباع إنما يكون باقتفاء الأثر والسير خلف الخطى بوضع الأقدام على أثر الأقدام بلا زيادة أو إنقاص.
قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم:
( صلوا كما رأيتموني أصلي )
وقال :
( خذوا عني مناسككم )
قال {الله} تبارك وتعالى:
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ
لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }
[ 21 الأحزاب ]
محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم هو النبيّ خاتم الأنبياء؛ وهو رسول {الله} إلى الكافة.وهو في مستوى كونه نبيّ له شريعة النبوّة. وهي شريعة فردية متعلقة به في مستوى نبوّته ولذلك لم يُكلّف بها عامة الناس وإنما نُدبوا للتأسي بها؛ وهم سيكون لهم الأجر إن هم فعلوها و إلا فلا إثم عليهم. هذه الشريعة الفردية هي السنة النبوية المشرفة.وهي كما هو معلوم أنّها: { شريعة العامّة وزيادة } فعبادته صلى {الله} عليه وسلم كانت تزيد عن عبادة الأمة وهي فرض عين عليه. قال {الله} سبحانه وتعالى يوجه الأمر المباشر إلى محمد بن عبد {الله} النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
{ يا أيّها المزّمّل *
قُم الليل إلاّ قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتّل القرآن ترتيلا *
إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا * إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا *
إنّ لك في النّهار سبحاً طويلا * واذكر اسم ربّك وتبتّل إليه تبتيلا *
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا *
واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلا }
[10 المزّمّل]
هذا تكليف لم يُكلّف به الناس. بل حدث أن كان النبيّ صلى {الله} عليه وسلم يقيم الليل منفرداً بالمسجد؛ فرآه الناس وصلوا خلفه. وفي الليـلة اللاّحقة لم يخرج وصـلى في بيته. وكان أن سأله الصحابة رضوان {الله} عليهم عن سبب عدم خروجه لصلاة القيام؟
فقال عليه الصلاة والسلام :
( خشيت أن تُكتب عليكم )
ولقد خشي أن تفرض عليهم وهم في مستواهم ذلك الذي كان، و المحل فيهم لمّا يستعد بعد لأن تُفرض عليهم التكاليف النبوية العليا. و الحق أنها ستكون مفروضة في حق كل من يستعد المكان فيه معرفة ومقدرة على التطبيق. فشريعة العارف معرفته. فكلما زادت المعرفة وجب التطبيق بمقتضى مستوى العلم الذي تحقق.
{ واتقوا الله ويعلّمكم الله }
و
( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم )
ولعله من المناسب هنا أن نتعرض لما يسمى بصلاة التراويح في رمضان.
ونؤكد بأن صلاة التراويح التي تقام سنوياً طيلة شهر رمضان المبارك تصلى بعد صلاة العشاء، ما هي إلا بدعة ابتدعها سيدنا عمر رضي {الله} عنه. وهي تعتبر بدعة حسنة بمقياس القرن السابع الميلادي.
الشاهد في الموضوع هو أن جماعة الصحابة رضوان {الله} عليهم بعد أن امتنع النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن الخروج من بيته المشرف لصلاة القيام بالمسجد ليلاً، صاروا، تأسياً به، يصلون بالمسجد فرادى. كل يتخذ له موضعاً يصلي فيه جهراً بالمسجد. و استمر الحال بهم هكذا حتى عهد عمر رضي {الله} عنه، حين خرج عليهم ذات مرة فوجدهم على ذلك الحال يصلون فرادى جهراً فقال: لو أننا جمعناهم على إمام.
ومنذ ذلك الوقت ظهرت صلاة التراويح.
وفي المال كانت شريعة النبوة هي إنفاق العفو. فهو صلى {الله} عليه وسلم لم يكن ليكتنز رزق يومٍ للغد. وكان يقول:
( لو توكلتم على {الله} حق توكله
لرزقكم كما يرزق الطير
تغدوا خماصاً وتروح بطانا )
ولم يكن صلى {الله} عليه وسلم ، ليبيت متعشياً قط وهو يعلم أن جاره جائع . كان عليه الصلاة والسلام وكأنه يقول: الأرزاق متوفرة ومبذولة للجميع، بل وأنها مضمونة كما الحال عند الطير فلماذا الكنز والجشع والخوف من يوم غد.
وقد قال صلى {الله} عليه وسلم :
( خالق غدٍ يأت برزق غد كل غدٍ )
ولقد قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( كان الأشعريون إذا أملقوا وهم في سفر افترشوا ثوباً فوضعوا عليه ما عندهم من زاد و تقاسموه بالسوية أولئـك قوم أنا منهم وهم مني )
هذا وكأنه يقول يجب أن تكون شريعة المال بين الناس أن يتقاسموه بالسوية. ولعمري أن الإسلام أحق بمساواة الناس اقتصادياً من أية نظرية أخرى.
قال صلى {الله} عليه وسلم :
( من كان عنده فضل زاد فليجد به على من لا زاد له
و من كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له )
قال الراوي : فذهب صلى {الله} عليه وسلم يعدد في الفضل حتى ظننا أنه ليس لأحد حق في فضل . هذه إشارات واضحة ولا تحتمل أي تأويل، لأن هذا هو الحال الذي كان عليه هو صلى {الله} عليه وسلم. وعندما يرد القول الكريم من الرب العظيم:
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم }
[31 آل عمران]0
فماذا بعد هذا ليؤكد أن المساواة الاقتصادية هي التكليف المرجو للنّاس الالتزام به.
وعلى قمّة الشريعة الفرديّة المشرّفة الخاصة بمحمد بن عبد {الله} عليه أفضل صلوات {الله} وسلامه: تكليفه؛ دون من سبق من الأنبياء الكرام؛ بتبليغ رسالات ربّه تبارك وتعالى إلى كافة العالمين: الإنس جميعهم والجنّ كلّهم ممن يعمرون الأرض ويتطاولون للعروج إلى السماء.
كلّ من سبق من الأنبياء و الرسل الكرام عليهم السلام كان قد أرسل إلى قومه فقط:
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات }
[47 الروم]
{ ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه
فقال يا قوم اعبدوا الله }
[23 المؤمنون]
{ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا
أن اعبدوا الله }
[45 النمل]
{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا
أن أخرج قومك من الظّلمات إلى النّور }
[5 إبراهيم]
{ كذّبت عاد المرسلين *
إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون *
إنّي لكم رسول أمين }
[125 الشعراء]
أمّا خاتم الأنبياء المشرّف بالرسالة إلى العالمين فقد قال له ربّ العالمين:
{ وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين }
[107 الأنبياء]
{ وما أرسلناك إلاّ كافة للنّاس بشيرا ونذيرا }
[28 سبأ]
وقال {الله} تبارك وتعالى عن خاتم أنبيائه عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
ولو كره المشركون }
[33 التوبة]
{ هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ
ليظهره على الدّين كلّه
وكفى بالله شهيدا }
[28 الفتح]
{انتهى}
الصّـــلاة
الصّلاة هي أم العمل في تطبيق العبـادة بسبيل الرجوع من الفرقة للجمعية ومن التشتت إلى الوحدانية. وهي آلية العمل الحسي لتحقيق الصلة بين العبد وربه .وذلك يعني أن ميدان معترك الصلاة هو النفس البشرية خروجاً بها من قاع أسفل سافلين حيث السجان هو النفس الأمارة بالسوء إلى أعلى عليين حيث قيم الخير الراقية تفوح من أعطاف النفس السابعة التي رضيت فاستسلمت فرُضِي عنها.
( الصلاة صلة بين العبد وربه )
هذا قول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ومعامل هذا العمل الحسي هو الجسد.فالجسد هو العامل الأساسي لانفعال الآلية الحسية لتحقيق الصلة المعنوية بين العبد والرب.و الرب هنا تعني الأنا العليا للعبد. فلكل عبد من عبيد {الله} رب وهو النفس الكاملة التي تتحقق في قمة لولب درجات النفوس السبع.
النفس الأمارة بالسوء
النفس اللوامة
النفس الملهمة
النفس المطمئنة
النفس الراضية
النفس المرضية
والسابعة هي النفس الكاملة.
وكمالها هو كونها نقطة انغلاق لولب درجات النفوس في دورة الحياة الدنيا بمعني وحدة الزمن والمكان الماضي.وهي نقطة انفتاح لولب درجات النفوس نحو الحياة العليا بمعني وحدة الزمن والمكان المقبل.
فالكمال قيمة من خصائصه الحركة والتجدد المستمر :
{ كل يوم هو في شان }
قلنا أن لكل عبد رب.
ورب العبد هو فرديته التي يتفرد بها عن بقية الأفراد. عن بقية الأرباب.
ورب الأرباب هو {الله} تبارك وتعالى :
{ يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار }
[39 يوسف]
قال سبحانه وتعالى :
{ من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً
إليه يصعد الكلم الطّيّبُ والعملُ الصالحُ يرفعه
والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد ومكر أُولئك هو يبور}
[10 فاطر]
الكلم الطيب مبتداه ومنتهاه شهادة التوحيد { لا إله إلا الله } وهو الذكر.
والذكر هو صلة رب العبد ب{الله}.
هو صلة الذاكر بالمذكور.
الذكر هو آلية العمل المعنوي لتحقيق صلة رب العبد ب{الله}.
والعمل الصالح مبتداه ومنتهاه : الصّلاة.
والصلاة علم وعمل بمقتضى العلم.
في قاعدتها العمل ( أقم الصلاة ) وفي قمتها الفكر.
قال النبيّ محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة )
الصلاة ( الفكر ) والذكر وسيلة تحقيق مقام العزّة لمن يريد العزّة.
{من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً}
العزّة قمة وقاعدة:
قاعدتها الاستقامة التي هي مطلوب العبودية المراد والممكن التحقيق ووسيلة ذلك هي الصلاة.
أما قمتها فهي القيومية وهي أدنى مراتب الألوهية والطريق إليها هو الذكر.
فالذكر أكبر من الصلاة.
هذا هرم قاعدته الصلاة وقمته الذكر :
{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة
إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
في قاعدة هذا الهرم يتم إرساء قواعد البيت المعمور بالرب.
{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك
وارنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم *
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
إنك أنت العزيز الحكيم }
[129 البقرة]
ولعل أن أول هذه القواعد التي من شأن الصلاة أن ترسيها هي رفع الفحشاء والمنكر. وهما الطرف الغليظ من المعصية.وهي، أي الصلاة، كفيلة برفع الفحشاء والمنكر مما يصدر عن المصلي ومما يرد عليه من الآخرين.
فلا يرتكب ولا ترتكب عليه فاحشة أو منكر.
و هي، أي الصلاة، في هذا، تقوم كالحجاب الحاجز بين النفس الأمارة بالسوء والنفس الأمارة بالخير:
{ قالوا يا ذا القرنين
إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض
فهل نجعل لك خرجاً
على أن تجعل بيننا وبينهم سداً }
[94 الكهف]
الجدير بالذكر، أن المعصية في حقيقة الأمر هي مخالفة لأمر الرب وليس لأمر {الله}.
الأمر من الرب يقول:
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب *
وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم
إنه بما يعملون خبير *
فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا
إنه بما تعملون بصير}
[112 هود]
فالمخالفة أو المعصية إنما تقع في منطقة العبودية التي تقابل الربانية وهي منطقة الثنائية بمعني أنها منطقة صراع الشك مع اليقين. منطقة سير وذلك بالتقلب بين الحق والباطل. قال محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون
فيغفر لهم )
إذن فالمعصية هي لازمة من لوازم السير إلى من إليه راجعون. هي الانحراف عن جادة الصراط المستقيم.هي الاعوجاج مقابل الاستعدال والاستقامة:
{ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم
وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً
يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً
وما يضل به إلا الفاسقين }
[26 البقرة]
وكلٌ بأمر {الله} :
{ من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل
فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]
أما أمر {الله} فلا عاصي له :
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً
أن يقول له كن
فيكون }
[82 يس]
الاستقامة قمة وقاعدة:
قاعدتها مقام النفس المطمئنة :
( الدرجة الرابعة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة الرابعة في مراقي العلم ومضمونها علم اليقين).
أما قمتها فهي النفس المرضية:
( الدرجة السادسة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة السادسة في مراقي العلم ومضمونها علم حق اليقين)
وهي مقام رب العبد الذي يتم تحقيقه بالصلاة.
و الربوبية أو الربانية مقام أصالة الفرد التي تميزه عن بقية خلق {الله} والتي تشير إلى كمال الألوهية التي لا تكرر نفسها:
{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة
ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله
ولكن كونوا ربانيين
بما كنتم تُعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرُسُون }
[79 آل عمران]
والكتاب هنا تعني جسد الفرد الحي المستمر الترقي متقلباً في أصلاب النفوس السبع.
و تعلّمون هنا معناها تحققون عليه علامات الترقي وهو سائر متنقل من نفس إلى نفس. و تدرسون هنا معناها تعيشون هذا الترقي لحظة بلحظة وتتحدثون بنعمة ربكم عليكم.
{ وأمّا بنعمة ربّك فحدث }
[11 الضّحى]
وتتحدثون بمعنى تكونون نموذجاً للخلق القويم.
كالزهرة العطرة تفوح طيباً أنّى تواجدت.
والصلاة هي انفعال سلوكي يقوم علي معامل تفاعل حركة الزمن بسطا فوق المكان مقاماً.
حركة مقام المكان المقصود بها : حركات الصلاة من وقوف وركوع وسجود والتي يتحرك بها الجسد داخل حرم الصلاة .
أما حركة بسط الزمان فهو الوقت الموقوت لأداء الصلاة.
ولقد ورد التكليف بالصلاة في القرآن الكريم بعدد من الآيات الكريمات.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشمس
وقبل غروبها
ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النّهار
لعلك ترضى }
[ 130 طه] .
يجب أن نلاحظ هنا أنه سبحانه وتعالى قال{ سبح بحمد ربك }ولم يقل { سبح بحمد الله } ذلك لأن الصلاة ما هي إلا معراج العبد داخل كيان العبودية تصعد به من مقامه الأدنى إلى مقامه الأعلى وهو مقام الرب ( الأنا العليا ).
و هذا معناه أن العبد إنما يصلي من أجله هو وليس من أجل {الله}، إن {الله} غني عن العالمين.
وقال {الله} سبحانه وتعالى:
{ أقم الصّلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل
و قرآن الفجر
إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}
[78الإسراء].
الجدير بالذكر هنا أن مسألة { قرآن الفجر }.
ليس المقصود بها في هذه الآيات الكريمة، قراءة القران وترتيله بعد أن تفرغ من صلاة الفجر، كما درج عليه معظم العبّاد. وإنما المقصود والمقرر له أن يكون مشهوداً هو قراءة القرآن وترتيله داخل الصلاة.
وقال جلّ وعلا: -
{ وأقم الصّلاة طرفي النّهـار و زلفاً مّن الليل
إنّ الحسنات يذهبن السيئات
ذلك ذكرى للذاكرين}
[114 هود ].
وقال سبحانه الكبير المتعال:
{ إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم
ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجراً كبيرا}
[9 الإسراء ].
وقال تبار
يوسف هاشم محمد نجم- عضو جديد
- عدد الرسائل : 9
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 15/09/2011
تابع صلاة الإسلام(كيف نُرحم
كيف نُرحم وما هي هذه الرحمة ؟
الرحمة قمة وقاعدة :
الرحمة هرم قاعدته جُعلت من اسم{ الله }{ الرحمن }.
وهذه هي الرحمة التي وسعت كل شيء
قال تعالى :
{ عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء }
[156 الأعراف]
هذه الرحمة لا يُحرم منها أي مخلوق كان.وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت النار بدركاتها السبع و أُرسل إبليس ليكون وسيلة للإضلال. وبها سوف ينتهي به المطاف إلى الجنّة ومن ثمّ يعود إلى الباري عزّ وجلّ ليلقاه.
فالنار مآلها إلى الفناء وكذلك الجنّة وسبحان الباقي الحيّ القيوم.
اقرأ :
{ كُلُّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27الرحمن]
ولقد ورد في الأثر أن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم قال :-
( عند نهاية العذاب في النار
وخروج كل من كُتب عليه العقاب منها إلى الجنة
وآخر من يدخل الجنة إبليس
يضع الرحمن قدمه على النار ويقول
قِط قِط
فتخمد النار
وينبت مكانها نبات الجرجير )
أو كما قال .
هذه هي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء. ولا يقولنّ أحد بأن ما ذهبنا إليه من أنّ النّار والجنّة إلى فناء يناقض ما ورد في قول {الله} سبحانه وتعالى :
{ خالدين فيها أبدا }
إنّ الحق في ذلك هو أنّ الأبد دهر. ولكنّه طال أم قصر فهو زمن محدود. و حال الزمان كحال المكان كليهما مخلوق وهما إلى فناء والباقي هو وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.
الشاهد في ذلك أن النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم حين تشرّف برؤية وجه {الله} ذو الجلال والإكرام كان ذلك خارج الزمان وخارج المكان.
قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( ليلة عُرج بي
انتسخ بصري في بصيرتي
فرأيت الله )
ولقد رأى {الله} تبارك وتعالى بعد أن جاوز كلّ الجنان السبع حتى وصل إلى منتهى جنّة المأوى عند سدرة المنتهى هناك نهاية الزمان ونهاية المكان فغشيته الأنوار فخرج عن الزمان والمكان فرأى {الله}:
{ ولقد رآه نزلة أخرى *
عند سدرة المنتهى *عندها جنّة المأوى *
إذ يغشى السّدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
[18 النجم].
قلنا : خرج عن الزمان والمكان فرأى {الله} . فماذا يعني ذلك؟
أولا ما هو الزمن وما هو المكان ؟
الزمان والمكان:
سبق أن ذكرنا أن الحياة الحقيقية هي هنا والآن. في هذه اللحظة الحاضرة:
ما قبلها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو من الماضي الذي انمحى ولن يعود.
وما بعدها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو غيب لمّا يحل بعد.
فلو أننا استطعنا أن نتصور هذه اللحظة الحاضرة، هذه الوحدة الزمكانية بمقدار ذرة تدق حتى وكأنها تتلاشى إلى العدم.
هذه الذرة الزمكانية:
مركزها قطب سالب: {المكان }. يزاوجه قطب موجب: { الزمن }
يطوف حوله بغير فكاك وذلك بفعل آلية التجاذب بين الموجب والسالب، يريد أن يدخل إليه ليندمجا ويتم الرتق فيصيرا وحدة صمدية. تماما كما في حركة الحيوان المنوي من الذكر يحاول اختراق البويضة من الأنثى. فإن تم لهما ذلك ما عاد هناك زمن وما عاد هناك مكان.
أصبح الوضع خارج الزمن وخارج المكان.
وعليه إن أمكن الخروج بهذه الصورة فقد أمكن تحقيق رؤية الزمان والمكان من خارجهم وبهذا يمكن رؤية الزمكان في كل مراحله السابقة وجميع مراحله اللاحقة.
وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة :
{ لقد كنت في غفلة عن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد}
[2 ق ]
وبالخروج عن الزمن وعن المكان تتحقق روية {الله} جل جلاله وتقدست أسماؤه. وهذا بمعنى رؤية العلم المطلق.
العلم المتحرر عن قيود المحدود.
هنا منطقة تجلي {الله} سبحانه وتعالى باسمه العظيم {الرحمن}. به تبارك الاسم أنزل القرآن وخلق السماوات والأرض .
قال سبحانه وتعالى :
{ طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى *
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى *
الرحمن على العرش استوى *
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى }
( 6 طه )
والنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من هنا تلقى القرآن العظيم، فعلم خبر ما كان ونبأ ما سيكون. علم قصة الحياة بتفصيل ما وقع فيها من أحداث؛ ابتداء بأول الخلق :
{ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
( 30 الأنبياء )
و جميع القصص التي قصّها القرآن، قصة خلق آدم عليه السلام، وقصة حياته وسلالته وما تقلبوا فيه من أحداث فقصة المآل إلى يوم الحساب وما بالجنان من نعيم مقيم وما بالنار من جحيم لا يطاق.
عن خبر ما كان قال سبحانه وتعالى :
{ الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان *
الشمس والقمر بحسبان *
والنّجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان *
وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان *
والأرض وضعها للأنام }
( 10 الرحمن )
وعن نبأ ما سيكون قال جلّ وعلا :
{ كلّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
( 27 الرحمن )
قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت الله )
أي علمت خبر ما كان ونبأ ما سيكون. والدليل على ذلك أن هذا المعنى ورد في القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى :
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى *
ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى }
[18 النجم]
جاءت ( رأيت {الله} ) لتشرح معنى { رأى من آيات ربه الكبرى }
وهذا ما تفعله الصلاة.
* أما الرحمة في قمة الهرم فقد انبثقت عن اسم {الله} { الرحيم } ورحمة الرحيم رحمة تشمل الخواص المستخلصين من العباد:
الأنبياء والرسل والأصفياء والأولياء والصالحين من الخلق.
وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت الجنة بدرجاتها السبع وأُرسل الرسل الهداة لهدي الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
قال النبيّ عليه الصلاة والسلام :
( لا يدخل أحدكم بعمله الجنة )
فبمقتضى هذه الرحمة: رحمة الرحيم، يتمّ إدخال العباد الجنّة. وبها تتمّ الترقية من أدنى الجنان نحو أعلاها؛ نحو تحقيق الرؤية لوجه {الله} الكريم لمن شاء له {الله} هذا النعيم المقيم.
والرحمة التي سوف نجدها إذ ما استمعنا للقرآن وأنصتنا إنما هي العلم.
وإنما نُرحم بأن تتكشّف لنا خبايا هذا العلم المكنون.
ولقد صدق الذي قال بأن الأوائل ما أدركوا من هذا الكتاب العظيم إلاّ الغلاف.
ولعله يقصد بأنهم قد وقفوا على الأعتاب ولمّا يتوغلوا إلى داخل الحرم المصون.
هذه الأعتاب إنما هي الشريعة ؛ الوسيلة الموسلة الموصلة إلى داخل الدين . هي القدر الابتدائي من إدراك العلم في بداية الطريق. ولا تزال أُمّة محمد عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم ، أمّة المؤمنين ، واقفة على الأعتاب ولمّا يدخلوا بعد . ولقد توقف معظمهم عند هذه الأعتاب ظناً منهم بأنها غاية المراد وكمال الدين فاستقر بهم المقام عندها فألفوها حتى غدت من شئون حياتهم اليومية التي يفعلونها بصورة تلقائية من غير حاجة للتفكير. ونحن لا نقول بأن الجميع ما زالوا هكذا ؛ نعم لقد تخطّى بعض أفراد الأُمّة ودخلوا وقد حققوا مقامات ودرجات رفيعة ؛ ولكنهم القلة القليلة ؛ والحكم إنما يرسل على العموم .
ولا يمكن لأحد أن تُفتح له الأبواب ليدخل إلى حرم العلم المصون إلاّ إذا عمل بالشريعة بإحسان.
وما نراه اليوم من حال معظم المسلمين هو أنهم وبكل أسف لم يتخذوا الشريعة وسيلة إلى مزيد من العلم ومزيد من العمل؛ وإنما توقفوا عندها حتى وكأنهم اتخذوها آله عبدوها من دون {الله}.
والمساجد على كثرتها نراها وكأنها أصنام يحرصون على عبادتها؛ فهم وبالرغم من شدة مواظبتهم على الصلاة فيها، لا يُرى من معظمهم أدب الإسلام ولا تعامل الإسلام ولا خُلق الإسلام ولا نصر {الله} لهم الذي وُعدوا به وعداً حقّاً : الآية :
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات
فانتقمنا من الّذين أجرموا
وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين }
[47 الروم]
لقد صدق الصادق الأمين رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( يوشك أن تداعى عليكم الأمم
كما يتداعى الأكلة على القصعة )
قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول {الله} ؟!
قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم )
المؤسف حقاً هو ، وبالرغم من أن بأيدينا وتحت سمعنا وبصرنا جميع الآليات لفتح الأبواب المؤدية إلى داخل الحرم الأمين ، إلاّ أننا لا نستخدمها وإنما وضعناها داخل متحف العلاقات الاجتماعية في صناديق زجاجية وعكفنا نطوف حولها ونحن نتنافس على الظهور بأجمل ما لدينا من ثياب ؛ متعطرين بأغلى ما يمكن أن نحصل عليه من عطور . نسينا، أو تناسينا قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( رُبّ مُصلّ لم يُقم الصلاة )
بل وأكثر من ذلك ؛ قال:-
( رُبّ مُصلّ لم تزده صلاته من {الله} إلاّ بُعداً )
فاعتبروا يا أُولي الألباب.
قال ربّ العزّة والجلال :
{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة
إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
فلننظر فيما حولنا : في الطرقات ، في البيوت وفي دواوين العمل :
هل انتهينا ؟!
في المدارس، في الأسواق، في المزارع وفي المصانع:
هل انتهينا؟!
في المساجد وحتى في بيت {الله} الحرام وعباد {الله} يطوفون ويسعون:
هل انتهينا ؟!
أو ليس فينا ذلك المنعّم المرفّه وبجواره بالجنب نجد الفقير المعدم ؟! فأيّ فحشاء وأيّ منكر أسوأ من ذلك ؟! أين نحن من قدوتنا الّذي دعانا لنتّبعه :
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني }
أين نحن من الّذي افتقد جاره اليهودي الّذي داوم على طرح الأذى ببابه حين كفّ عن ذلك ؟! اللهم صلّي وسلم وبارك على خير خلقك الّذي أرسلته رحمة للعالمين.
ألم يقل لنا عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( صّلوا كما رأيتموني أصلي)
أو لم نأخذ عنه الظاهر من شكل الصلاة وحركاتها وتركنا روحها ومضمونها وحكمة مشروعيتها فوقع علينا القول الشديد :
( ربّ مصلّي لم تزده صلاته من الله إلاّ بعداً )
قال{ الله} تبارك وتعالى :
{ واتّقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[ 82 البقرة] .
التقوى هي الامتثال للأوامر والانتهاء عن النواهي وفق ما جاء ت به الشريعة.
وقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم :
( من عمل بما علم أورثه{ الله} علم ما لم يعلم )
فالعمل هو الوسيلة المباشرة إلى العلم.
قال تبارك وتعالى :
{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }
[ 10فاطر] .
ويصعد إليه الكلم الطيب بمعنى تتكشف له الحقائق وبذلك تزيد المعرفة بالعلم.
وبالمعرفة يقترب ويتقرّب العامل من العالم العظيم ذو الجلال والإكرام؛ وكأنه يصعد إليه من درك الجهل والظلام إلى أبراج العلم والنور.
والعمل الصالح الذي يرفعه إنما هو الشريعة ، وعلى رأس واجبات العمل بالشريعة بل وأهمها هو الصلاة .
الصلاة والوقت:
الصلاة الواجبة والمفروضة شرعاً هي عمل جُعل مرتبطاً بالوقت؛ كما هو واضح في الآيات الكريمات التي وردت في صدر موضوع الصلاة هذا.
قال تعالى :
{ فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا الله
قياما وقعودا وعلى جنوبكم
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة
إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين
كتاباً مّوقوتاً }
[ 103 النساء]
ولقد تباين الفهم عن كلمة: موقوتاً : ولكن المتفق عليه عموماً هو أن الصّلاة ، الفرض مرتبطة بالوقت .
ولعلّ السؤال القائم والذي لم تُستوفى الإجابة عليه بعد هو: لماذا وُقّتت الصلاة ؟ . وما هي الحكمة في مشروعية ارتباطها بالوقت ؟
لماذا وُقِّتت الصلاة ؟
الصلاة علاقة تمثل آيات الآفاق حين تكون العلاقة الجنسية بين أزواج مُطهّرة، هي ما يقابلها من آيات النفوس . الآية :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[ 53 فصلت]
إن كلمة : سنريهم : معناها : نُشهدهم شهوداً حسّياً ومعنوياً : مظاهر الفعل والتفاعل ؛ بياناً عملياً حقيقياً . ولما كانت العلاقة الجنسية بين البشر هي مواقعة الزوج لزوجه ؛ وأن هذه المواقعة تنجم إفرازاً يُوجب الاغتسال والتطهر ؛ كذلك كل مواقعة حسّيّة تقع بين طرفين ماديين تُوجب غُسلاً بالماء . كما أن كل مواقعة بين قطبين معنويين تُوجب اغتسالاً بالعلم والمعرفة. ذلك لأن العلم والماء وجهان لعملة واحدة؛ يختلفان في المقدار وليس في النوع ؛ فالوجود كله نوع واحد مُتنزّل من الخالق الواحد الأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفؤا أحد .
العلاقة الجنسية الماديّة وما تتضمّنه من مواقعة حسيّة تُوجب الاغتسال بالماء : تُمثّل آيات النفوس.والملاحظ هنا أن الاغتسال مطلوب بعد إتمام العلاقة.
فما هي العلاقة الروحانية التي تُوجب الغسل بالعلم في جانب آيات الآفاق؟
الصّلاة هي العلاقة الروحانية في جانب آيات الآفاق التي تقابل العلاقة الجنسية بين البشر في جانب آيات النفوس.
ولقد قلنا أن الصّلاة رُبطت بالوقت. فكلمة { موقُوتا }– تعني لدى التدقيق في المعنى:
أن هذا الكتاب، هذا العمل و هذا الانفعال
{ الصّلاة }
قد وُقّتت له ساعة صفر محددة يجب أداؤه فيها
و إلاّ فُقدت القيمة الحسيّة والمعنوية المرجُوّة منه.
ولنضرب لذلك مثلاً:
نفترض أنك دُعيت إلى وليمة يُقدم لك فيها ما لذّ وطاب من الطعام و الشراب؛ وقد ضُرب لك لذلك موعداً. فإن أنت لم تكن حاضراً ساعة تقديم الطعام فاتت عليك الوليمة. ويمكننا ضرب العديد من الأمثال لتوضيح وتوكيد ما ذهبنا إليه من معنى الوقت الموقوت:
كل قيمة وُقت لها وقتاً محدداً تُفقد
إن لم تُدرك في وقتها الذي حُدد لها
مثلاً: أداء فريضة الحج؛ والحج عرفة: فإنّ أنت قدمت بعد يوم عرفة فاتك الحج.
امتحان ما، لنيل شهادة دراسية ما، يعقد يوم السبت في الساعة الثامنة صباحاً، وزمن الامتحان حُدد له ساعة أي ستون دقيقة: فهل ستنال الشهادة لو أنك قدمت لقاعة الامتحانات في الساعة التاسعة ؟ هكذا:
كلّ قيمة وُقّت لنيلها وقتاً محدداً تُفقد إن لم تُدرك في وقتها.
الصلاة ليست عملاً مأمورٌ بأدائه مقابل أجر أو مكافأة بموجب حقوق السيد على العبد، وإنما هي الأجر عينه والمكافأة العينية نفسها، بشرط أن تؤد على وجهها الصحيح وفي ميقاتها. وينسحب هذا المعنى على جميع صور العبادات موضع تكليف الشريعة السمحة. فإن شاء لك {الله} وقدّر أن تكون من المصلين ؛ فقد شاء وقدّر لك الخير :
{ لمن شاء منكم أن يستقيم *
وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين}
[29 التكوير]
أن تعبد {الله} كما أمر؛ هذا ليس لأجله سبحانه وتعالى وإنما لأجلك أنت. أنت هو المحبوب المُراد له الخير، المجزل له العطاء. {الله} العزيز المقتدر ليس بحاجة لعبادة أحد.
قال تبارك وتعالى :
{ إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى
ثمّ إلى ربّكم مرجعُكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنّه عليم بذات الصّدور}
[ 7 الزمر]
قال ربّ العزّة العزيز الحميد :{ لا يرضى لعباده الكفر}
ولم يقل : لا يرضى من عباده الكفر.
كما قال أعظم القائلين : { إن تشكروا يرضه لكم }
ولم يقل يرضه منكم. ومعلوم أن الغنيّ هو الذي لا يحتاج لغيره. {الله} سبحانه وجلّ شأنه غنيّ قائم بالذات في الذات لذّاته.
إذن فالصلاة عمل تؤديه وفي توقيته من أجلك أنت. إنها أعظم مأدبة يقدم الرب الكريم المتعال لك فيها: المعرفة، الطمأنينة، الرضا والتوازن بل وحياة النعيم المبرأة من كل خوف ومرض أو كدر.
{ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه }
[6 الانشقاق ]
فإن لم يُكتب لك أن تحضرها في وقتها فقد فاتك الخير. وهنا نرى أنه يجب توضيح بعض مفهوم سالف عن وُجوب قضاء فرض الصلاة الذي فات وقته. ونتساءل:
هل يمكن لأحد أن يقوم بقضاء فرض الحج ؟
فرض الصلاة الذي فات عليك أداؤه في وقته فقد فات ولن تستطيع أن تعوّضه بقضائه لاحقاً.
وقت صلاة الفجر بعد طلوع الشمس أصبح في ذمّة التاريخ الذي مضى ولن يعود أبدا . كمائدة من السماء نصبت للجائعين بالفضل من صاحب الفضل والكرم فنال منها من حضر ومن تغيب فقد فات عليه الخير العميم. وما تمّ توجيه السلف لقضاء الفرض إلا من باب التشجيع للحرص على وقت الفرض، والتوكيد على أهمية ألا يُؤجل الخير، فإن خير البرّ عاجله.
ولعل أن كل صلاة تُؤدّ بعد الوقت المحدد للفرض تدخل في باب النوافل . وحتى هذه سوف لن تعتبر إن كانت بعد فوات وقت صلاة العصر، أكثر من ذلك : هي مكروهة فيما بين وقت صلاة العصر ووقت صلاة المغرب .
فما علاقة الوقت بالمواقعة في الآفاق ؟ ولماذا وُقتت الصلاة ؟
الوقت برز وتحدد عندما فُتقت الأرض عن السماء:
{ أو لم ير الذين كفروا
أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كلّ شيء حي أفلا يؤمنون}
[ 30 الأنبياء]
ولقد وُقّت زمن الدنيا بموقع الأرض من الشمس. ولا أحسب أني أحتاج لتبيان مواقعة الشمس للأرض بمعنى انفعال الأرض وما عليها ومن عليها نتيجة فعل أشعة الشمس. فالشمس والأرض زوجين والعلاقة بينهما علاقة جنسية ، الاختلاف في المقدار ؛ فالأرض من نفس مادة الشمس ، وكذلك كل الأجرام السماوية ، و المواقعة بينهما مستمرة ما دامت السماوات والأرض .
الأرض تنفعل في كل أرجائها، بهذا الزخم المرسل إليها من الشمس والذي يحتوي علي هذا الكم الهائل من إشعاعات وموجات مما عرفه الإنسان وما لم يعرفه بعد. وقوة هذا الانفعال على أي موقع من الأرض تعتمد على بُعده أو قربه من الشمس، وذلك بمعنى أن كم الانفعال في المواقع المختلفة على الأرض يتفاوت بتفاوت مسافة الموقع المحدد بينه وبين الشمس.
وقد جُعل الليل وجُعل النهار بجعل الأرض تدور حول نفسها.
الموقع على الأرض في منتصف النهار، والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها عمودية عليه، يكون أقرب إلى الشمس من أي موقع آخر الوقت فيه فجراً أو عصراً أو في المغرب أو العشاء.
وعليه فإن الكائن الحي المتواجد في الموقع المحدد ينفعل بأشعة الشمس شأنه شأن الأرض. وقوة هذا الانفعال تتفاوت تفاوت الوقت والمكان. ففي كل زمن موقوت يكون انفعال يختلف مقداره عنه في وقت آخر. قال تعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح
وأطراف النّهار لعلك ترضى }
[130 طه]
أنظر إلى هذه { لعلك ترضى } بمعنى أن تعتدل موازين القيم فيك: صحة الجسد، حدة السمع، جلاء البصر ، صفاء البصيرة ، اطمئنان النفس وخفة الروح بك تعرج إلى قمم الكمال .
وعلى هذه الآية الكريمة تمّ تحديد أوقات الصلاة.
{ سبح } معناها [ صلي ].
قال تبارك وتعالى :-
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنه كان حليماً غفورا}
[44 الإسراء] .
و الرضاء: حال لقيمة حياتية تأتي كثمرة لحال الاطمئنان الذي يعتبر أول عتبات الاستسلام الواعي للإرادة الإلهية الحكيمة. ولا تطمئن النفس إلا بعد أن يتأكّد لديها وتستيقن قول {الله} تبارك وتعالى :
{ قل لّن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا
هو مولانا
وعلى الله فليتوكّل المؤمنون }
[51 التوبة]
وأن {الله} سبحانه وتعالى هو الرحمة التي وسعت كل شيء، وهو الخير المطلق؛ وأن الحالة الحاضرة التي كائن الوضع عليها هي أحسن ما يمكن أن يكون عليها. ولقد صدق الذي قال :
[ لو وثق العبد بحسن اختيار {الله} له
لما تمني غير الحالة التي هو فيها ]
جسم الإنسان بما فيه من طاقات حياتية، وكأنه مُفاعل للطاقة ، تتمّ في داخله تفاعلات ثلاث :
# تفاعل حيوي عضوي جسدي.
# وتفاعل كيميائي نفسي.
# وتفاعل كهرومغناطيسي عصبي. أو قل تفاعل عقلي فكري.
والحق أن أصل الطاقة الحياتية المحركة لهذا المفاعل الجبار هي الطاقة الفكرية وهي الروح. ولعله مفهوم أن الطاقة الفكرية مركزها القلب وليس العقل كما قد يتبادر لأول وهلة. وما العقل إلا لوحة مفاتيح توجيه الحركة داخل الجسد هذا المفاعل النووي العملاق.
ومن المؤكد أن جميع الانفعالات التي تجري على جسم الإنسان ما هي إلا انعكاسات لذبذبة الطاقة الفكرية { الروح }. إن جميع الأمراض التي يصاب بها الجسد وجميع ما قد يبتلى به الإنسان من مصائب ونكبات ومحن ما هي إلا آليات دفاعية تُستنفر للدفاع عن مركز الطاقة الأم من أجل الحفاظ على كيانها الصافي على الصراط المستقيم. ولقد ضُرب لبيان ذلك العديد من الأمثال.
قال {الله} العالم الحكيم المتعال:
{ ولنبلونّكم بشيء من
الخوف
والجوع
ونقص مّن الأموال
والأنفس
والثّمرات
وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مّصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات مّن رّبّهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون }
[157 البقرة]
أو لم يقل المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم : ( إذا أحبّ {الله} عبداً ابتلاه )
أم لم يقل صلى {الله} عليه وسلم : ( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم )
وأعجب واندهش: من هو الّذي يُضل فيجعل العبد يخطي؟!
هو{ الله} جلّ جلاله
ومن هو الّذي يلهم عبده أن يستغفر ؟!
هو {الله} جلّ شأنه
ومن هو الغفّار الرحيم الّذي وسعت رحمته كلّ شيء ؟!
هو{ الله }
{ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون *
وسلام على المرسلين *
والحمد لله ربّ العالمين}
[182 الصّافّات]
{ و{الله}، و{الله}، و{الله}
ما كلّ ذلك غير المحبّة المطلقة التي تنضح مغفرة
ألا أيّها النّاس فأحبّوا أحبّوا أحبّوا بعضكم. فالمحبة هي العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها. ألم يقل خير الأنام رسول المحبة والسلام محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( لا يؤمن أحدكم
حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ألا فأعلموا أيّها الناس :
إن هذا لقول من لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحيّ يُوحى.
فتدبّروا هذا القول الكريم وأعلموا واحذروا فإنّ هذا القول الواضح يعني: أن الإيمان و كريم الخُلق وجهان لعملة واحدة. فالإيمان أبدا لا يجتمع مع صفات السوء من كذب و بخل وتكبّر وكراهية وأنانية وفحشاء ومنكر وبغيّ. كما يجب أن تعلموا أن الإيمان يوجب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وهذا يعني المساواة المطلقة في جميع وجوه الحياة.
و إلا فلا إيمان.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ إنّ الّذين لا يؤمنون بآيات الله
لا يهديهم الله
ولهم عذاب أليم *
إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات الله
وأولئك هم الكاذبون }
[105 النحل]
فقال محمد بن عبد {الله} النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( المؤمن لا يكذب )
وذلك حينما سُئل : هل يسرق المؤمن ؟ قال قد يسرق )
هل يزني المؤمن ؟ قال قد يزني )
هل يكذب المؤمن ؟
فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: ( المؤمن لا يكذب )
فإن كان رأس الحكمة مخافة {الله} فإن رأس الفتنة هو الكذب. هو أسّ البلاء ورأس الشرور.
جسم الإنسان مكان الأسرار
هذا الجسم الذي وضع فيه الخالق المبدع جميع الأسرار المُتنزّلة من روحه القدس.
قال السُبّوح القدوس رب الملائكة والروح :
{ وإذ قال ربّك للملائكة
إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين}
[29 الحجر]
هذا الجسم البديع يتفاعل مع آفاق الكون المختلفة بقدر تفاعله في نفسه. الآية:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد *
ألا إنّهم في مرية مّن لّقاء ربّهم
ألا إنّه بكلّ شيء مّحيط }
[54 فصّلت]
{ شهيد } تعني حاضر وموجود، مُحيط ومصيطر بنفسه على نفسه ولنفسه. سبحانه مالك الملك الّذي لا إله إلاّ هو العزيز الجبّار المهيمن الحميد.
و لعل أبرز تفاعل للجسم مع الآفاق هو تفاعله مع الشمس أولاً ثمّ مع بقية الأجرام السماوية المتعددة: أراضيها، نجومها وكواكبها؛ ما علمنا منها وما لم نعلم. ونتيجة لهذا التفاعل يُفرز الجسم إفرازاً متعدد الوجوه. هذا الإفراز بعضه ظاهر وملموس والآخر نحسه ولا نراه بالعين المجردة ويغيب عن اللمس.
الذي هو ظاهر وملموس:
# الدموع ، اللعاب ، العرق ، البول والغائط .
وما هو غير ملموس ولا نراه بالعين المجردة :
# عدد ستة أنماط من الإفراز مختلفة يفرزها الجسم في مواقيت مواقع الأرض الستة من الشمس : الفجر ، الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء وما بعد منتصف الليل.
هذه الإفرازات ذات وجهين؛ وجه غليظ حسيّ والوجه الآخر رفيع معنويّ.
ولعلنا هنا ندرك الحكمة وراء مشروعية الصلاة التي جُعل الوضوء طرفا منها ولازما لتمامها.
• أنماط الإفراز الظاهرة والملموسة يتم تنظيفها والخلاص منها لأغراض صحة البدن.
• أما تلك الغير ظاهرة وملموسة فيتم التخلص من طرفها الغليظ بماء الوضوء أو بالصعيد الطاهر إن تعزر وجود الماء؛ وهذه يُتخلص منها لغرض الحفاظ على شفافية مرآة الجسم الخارجية التي تتكون من طبقة الجلد الرفيعة الخارجية وما حولها من هالات نُؤمن بأن عددها سبع هالات بما نعلمه من قانون إنشاء الكون الذي أقام الخلق على سبع.
هل تعلمون كيف يتخلص الإنسان اليوم من المخلفات النووية !؟
إنه يغمرها تحت الأرض. هذه وسيلة فاعلة من الدرجة الثانية. ولعل الوسيلة الناجحة للخلاص من المخلفات النووية هي أن تغسل بالماء الطاهر الطهور. هذا ما تشير إليه الشريعة السمحة في باب فرض الصلاة. ولا صلاة بغير وضوء. بطبيعة الحال فالتيمم يغني عن الماء إن تعذر الأخير وهو يعتبر وسيلة الطهارة من الدرجة الثانية، ذلك أنه:
( إذا حضر الماء بطل التيمم )
ولهذا قلنا أن دفن المخلفات النووية بالتراب هو وسيلة من الدرجة الثانية.
ولقد أوضحت الشريعة السمحة كيفية تخلص مفاعل الجسد من جميع المخلفات النووية الناجمة عن التفاعل الذري بداخله وهو ما يمكن تسميته بالطاقة الحياتية. ولقد أوضحت الشريعة الكيفية وذلك بتشريع الوضوء، كما أوضحت كذلك مواقيت الصفر لعملية الخلاص. هذه المخلفات ما هي إلا تلك الخلايا التي تموت في عملية التجديد المستمر للجسد، فيلفظها إلى الخارج بما فيها من سموم وإشعاعات ذرية سالبة. وعند تعرضها لأشعة الشمس يتم التفاعل. ويكون الناتج من ذلك أمراض الجلد المختلفة بما فيها ما أصبح اليوم ظاهرة عامة وهي ما يسمى بسرطان الجلد. ولعل ما نراه وما نسمع به اليوم من اجتهاد العلماء والأطباء والمتخصصون في طب التجميل، لاختراع الدهانات والأمصال والعقاقير للوقاية والعلاج من أمراض الجلد، ما هو إلا انحراف عن الاتجاه الصحيح.
إن العقار الواقي والشافي من جميع الأمراض هو هذا الماء:
{ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
[30 الأنبياء]
{ كل شيء حي } الحياة هنا هي حياة الفطرة الأولى المبرأة من جميع الانحرافات.
قال محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا
يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة
هل يبقى من درنه شيء ؟ )
هنا يخطر على البال موضوع الحجاب.
الحجابُ فرضٌ على الرجال والنساء على قدر سواء:
وما نعنيه بالحجاب ليس ما يدل عليه عكس السفور. كما هو ليس ما يدل عليه عدم الاختلاط. وإنما نعني بالحجاب ما ورد في هذه الآيات الكريمة:
{ قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
وليضربن بخمرهن على جيوبهن
ولا يبدين زينتهن إلا
لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن
أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال
أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء
ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن
وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون }
[ 31 النور]
الحجاب الذي نعنيه، والذي أوضحته هذه الآيات البينات، هو الحجاب المفروض على الرجال كما هو مفروض على النساء بحد سواء. وذلكم هو غض البصر وحفظ الفرج. هذا الحجاب المفروض على الناس من ذكر وأنثى، مفروض على مجتمع مفتوح. مجتمع مختلط. النساء لسن بمعزولات فيه عن الرجال. والاختلاط موزون بقوانين حكيمة.
{ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }:
إن الذي يظهر من زينة المرأة، والذي تنص الآية الكريمة علي وجوب عدم إخفائه هو الوجه والكفين.
و إلا فمم مطلوب من الرجل أن يغض بصره ؟ إن كانت المرأة محتجبة تماماً !.
وعلى أي حال؛ فإن غض البصر المطلوب من الرجال كما هو مطلوب من النساء ليس عن رؤية أحدهم لوجه الآخر فحسب، وإنما مطلوب غض البصر عن كل مما من شأنه أن يتسبب في إغلاق الدائرة الحياتية بالتماس قطب موجب بقطب سالب على غير حق، فيكون ذلك متسبباً في الإخلال بالتوازن الجسدي والنفسي والفكري للطرف الذي لم يغض بصره.
وهذا الحجاب يعتبر على رأس قائمة وسائل تحقيق التقوى :
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }
[13 الحجرات]
{ لتعارفوا }:
فكيف ب{الله} عليكم أن يتم هذا التعارف والناس محجوب بعضهم عن بعض !؟
والتقوى في حدها الأدني تعني التشرع ، أي العمل بالشريعة في مستوييها عبادة ومعاملة . والتقوى في قمتها تعني الاستقامة. وهي الحياة الموزونة بلا إفراط ولا تفريط.
أما ما ورد في قوله تبارك وتعالى:
{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن }
فهذا ليس هو الحجاب. ما هذا إلا الطريقة العلمية الصحيحة للمحافظة على جسد المرأة. وعلى التحقيق، ليس من عين الرجل وإنما من أشعة الشمس ولرب قائل: فما الفرق بين جسد المرأة وجسد الرجل؟
و الإجابة لا تحتاج لكثير عناء. فالذكر والأنثى قطبين لوحدة تمثيل الحياة. الذكر هو القطب الموجب. والأنثى هي القطب السالب. وهما الذين تتفجر الحياة نتيجة اللقاء بينهما بالتزاوج. خصائص قطب الذكر الموجب هي أنه القطب الأعلى بطاقة فاعلة ( مندفعة ). أما قطب الأنثى السالب فهو القطب الأدنى بطاقة منفعلة ( جاذبة ). الذكر يمثل السماء بما فيها من شحنات الطاقة الموجبة وأقربها الشمس. أما الأنثى فتمثل الأرض بما فيها من شحنة الطاقة السالبة. وبما أن من خصائص الطاقة السالبة هي أنها جاذبة، فجسد المرأة قابل للتفاعل مع أشعة الشمس سبعة أضعاف قابلية جسد الرجل للتفاعل مع أشعة الشمس.
يا معشر النساء فلتعلمن بأن تغطية أجسادكن فيه وِجاء لكن ووقاية لأجسادكن من شر أمراض تسببها أشعة الشمس. وليس ذلك تخلفاً أو جهلاً أو رجعية، وإنما هي العلمانية الحقيقية وهي رحمانية الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء.
فيا أيها الناس هيا إلى الخلاص، إلى الصلاح وإلى الفلاح. وأعلموا أنه لا خلاص، ولا صلاح ولا فلاح إلا بمحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هناك معلومة تقول بأنك لو شربت الماء وبكميات كبيرة يومياً على الريق لمدة شهر تشفى من مرض كذا، ولمدة شهرين تشفى من كذا وذهبت تضع جدولا زمنياً لذلك حتى وصلت إلى مدة ستة أشهر بعدها يمكن الشفاء من السرطان. ولعل هذا لم يجانبه الصواب، فالماء هو أصل الحياة. ألم تر أن من غاب عن وعيه بسبب ضربة أفقدته الوعي يسكب عليه الماء فيفيق !. ولكن لماذا ننتظر حتى نمرض ؟! . كم يكلف الواحد منا من عناء ليتوضأ قبل طلوع الشمس، والشمس في كبد السماء، والشمس مائلة في وقت العصر، والشمس قبل الغروب وكذلك والشمس عند وقت العشاء. فإن فعلنا ذلك وبالطريقة التي فعلها محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أوشك أن تتحقق لنا الوقاية من كل داء عضوي. وإن قمنا بأداء الصلاة كما جاء بها أوشك أن تفتح أمامنا أبواب الحياة الكاملة، حياة الفكر، حياة الذكر وحياة الشعور وهذه قمة حياة الحب والجمال.
ولعل تلك الهالات السبع السابق ذكرها هي الروح. ولقد سبق أن ذكرنا أن الروح هي الطاقة المنبثقة والناجمة من تزاوج قطبين متناقضين: قطب موجب والآخر سالب. هذا واضح في التكوين الذرّيّ للمادة. ومعلوم أن الجسد مكون من مجموع ذرّات متماسكة بفعل مجال الطاقة التي تكوّن هالة كهرومغناطيسية حول الذرة. هذا واضح فيما يتعلق بوحدة الذرة. أما فيما يتعلق بالجسد فإن جماع الإشعاعات المنبثقة من الذرات التي يتكون منها الجسد هي التي تكوّن غلاف الهالات التي تحيط بالجسد. وكما سبق ذكره فإن هذه الهالات هي الروح، هي عقل الطاقة الحياتية المحرّكة للكائن الحي.
هنا تجب الإشارة إلى أن الطاقة الحياتية سابقة للروح :
{ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون *
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
[ 29 الحجر ]
{ فقعوا له ساجدين } ماذا يعني ذلك ؟
الملائكة مخلوقات نورانية. جعلت من اسم {الله} سبحانه وتعالى { الملِكُ } والمَلَكُ طاقة حياتية موزونة على استقامة مطلقة. وأن يقع المَلَك ساجداً للبشر معناه الوقوع بهذه الطاقة الموزونة بين التسوية ونفخ الروح:
{ بين المادة والعلم }
{ بين الجسد والفكر } وهذا ما يسمى بالنفس.
{ بين القلب والعقل } وهذا ما يسمى بالفؤاد.
وما العقل إلا لوحة مفاتيح التوجيه لمسارات حوافز الحركة. والشاهد على صحّة ما ذهبنا إليه هو أنه بمجرد انقطاع طاقة الروح ومفارقتها للجسد تفقد الذرّات المكونة للجسد عامل الجذب فيما بينها فينهار البنيان. وهذا هو الذي يحدث عند الموت: حالا يبدأ الجسد في التحلل وهذا هو السر في حكمة القول بأن إكرام الميت سرعة دفنه. ولرب قائل فما هو شأن تلك الأجساد التي يمر عليها دهر وعندما تستخرج من باطن الأرض نجدها على حالها لم تأكل دابة الأرض اللحم منها. ولربما نجدها بشحمها ولحمها طرية وكأن الروح لم تبرحها ؟ و الجواب أن تلك أجساد ترو حنت. وعندما جاءت ساعة انقضاء أجلها في عالم الملك سكنت حركتها فخيل لمن حولها بأنها ماتت فقبروها. وكان القبر عتبة دخولها إلى عالم البرزخ. هي في المعيار مما يلي الدنيا قد ماتت وفي المعيار مما يلي البرزخ قد ولدت من جديد. فالروح لا تفنى وكذلك الجسد المروحن. وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على المومياء التي مرت عليها الحقب السحيقة وعندما استخرجت بدت وكأنها لم تتحلل. غير أن الحق في ذلك ، مع استبعاد تلك التي كانت مروحنة عندما ماتت ، فإن جميع ما عدا تلك المروحنة ، إنما هو جلد تخشب على عظم جف وذلك بفعل المواد التي حنطت بها .
السجود أعلى مراقي القرب
لماذا يكون العبد أقرب ما يكون إلى {الله} وهو ساجد ؟ ذلك لأن الجسد وهو في وضعية السجود تكون أطرافه وكأنها تتجمع وتتكور فيكون وضع الجسد تماما كوضعية الجنين في الرحم وبذلك يكون وكأنه مجموع وملفوف ومحفوظ داخل تلك الهالة التي تكون محيطة به كما يحيط جدار الرحم بالجنين في داخله.
هذه الهالة بدرجاتها السبع هي رحم الروح . ولا يكون الميلاد من رحم الروح بالخروج عنه وإنما يكون بالدخول إليه بمعنى أن يتروحن الجسد. و هذا هو معنى ما سبق ذكره عن الرتق.
العقل هو باب الميلاد بالدخول إلى رحم الروح.
ويمثله الفرج عند الأنثى والذي هو باب الميلاد بالخروج من رحم الجسد.
• باب الخروج من رحم الجسد { الفرج } يجب أن يتحرّك لينفتح على مصراعيه حتى يتمكّن المولود من الخروج.
• غير أن باب الدخول إلى رحم الروح { العقل } يجب أن يتوقف تماماً عن الحركة حتّى يتم الميلاد بالرتق.
قال {الله} جل شأنه وتباركت أسماؤه :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[53 فصّلت]
وهذا يعني أن آيات {الله} تبارك وتعالى تلك التي أظهرها في الآفاق إنما هي إشارات لما في النفس من آيات.
ألم يقل سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:
{ ما وسعني أرضي
ولا سمائي
وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن}
هذه الهالة التي تحيط بالكائن الحي هي أساس الشخصية الفردية للكائن الحي. هي الطاقة الموجهة له. منها يستمد فرديته وشخصيّته التي يتميّز بها عن بقية الكائنات الأخرى. والسير إلى {الله} بالفردية وليس جماعياً.
قال {الله} سبحانه مالك الملك بديع السماوات والأرض:
{ إن كلّ من في السّماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا *
لّقد أحصاهم وعدّهم عدّا *
وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم]
{ و نرثه ما يقول ويأتينا فردا }
[80 مريم]
وقال جلّ وعلا:
{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة }
[94 الأنعام]
هذه الهالة هي مصدر العلم والفكر والذكر والإحساس والمشاعر. ألا ترى كيف تحتضن الأم وليدها ؟
هي لا تحتضنه لترضعه وتدفئه أو لتربطه برائحتها أو كل ما قد يقال في هذا الشأن فحسب؛ وإنما وفي أصل دوافع علاقة الأمومة:- هي تحتضنه لتغذي هالته وطاقته من هالتها وطاقتها مواصلة لما كان يجري له وهو في رحمها حتى يقوى والفترة المحددة لهذه التغذية الروحية المادية عامين كاملين:
{ والوالدات يُرضعن أولادهنّ حولين كاملين }
[233 البقرة]
و لعلّ أن كلّ أم تمتنع عن احتضان وليدها وإرضاعه من ثديها لحولين كاملين تكون بذلك قد جنت عليه. و في سبيل ماذا؟ فلتقل الأمهات ما يقلن تبريراً لهذه الجريمة في حق الإنسان. وكل تبرير يقال لا يرقى لمسئولية التسبب في أن ينشأ الطفل الإنسان ضعيف البنية ضعيف الشخصية غير مبال ولا مكترث لا هوية له ولا انتماء. وعليه فإن الاحتضان والرضاعة من ثدي الأم لحولين كاملين يعتبر حقاّ دستورياً من حقوق الإنسان الأساسية. ويجب أن تُساءل كل من تفرّط فيه مساءلة قانونية.
قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً
يغتسل منه في اليوم والليلة
خمس مرات
هل يبقى من درنه شيء؟)
قلنا أن الطرف الرفيع المعنويّ من الأدران يتم التخلص منه بالعلم الذي يُستدرج بقراءة القران في أثناء الصلاة بحركاتها السبع : وُقوف ، ركوع ، رفع من الركوع ، سجود ، رفع من السجود ، سجود ثاني والسابعة كثيراً ما يهملها بعض المصلين ألا وهي الجلسة الخفيفة عند الرفع من السجود الثاني . و هذه لغرض صحة الروح ومعناه محاولة كشف الحجاب عن العلم المركّز فيما وراء العقل الظاهر؛ محاولة التذكّر والتفكّر والعقلانية. وذلك يعني السير إلي عالم الغيب والشهادة. الآية:
{ إنّني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري }
[14 طه]0
هذا التفاعل يصيب كل الأحياء والأشياء. قال جلّ وعلا :
{ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب
صنع الله الّذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون }
[ 88 النمل]
{ والنّجم والشّجر يسجدان }
[6 الرحمن]
وقال العزيز المبدع الجبار:
{ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء
اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج }
[5 الحج]
وقال سبحانه وتعالى :
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليماً غفورا }
[ 44 الإسراء]
وقال ربّ العزّة والجلال :
{ ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السّماوات والأرض
والطّير صّافّات كلٌ قد علم صّلاته وتسبيحه
والله عليم بما يفعلون }
[ 41 النور ]
{ من في السّماوات } :
قال سبحانه وتعالى : { من } ولم يقل جل شأنه { ما } وهذا دليل على أن الذي في السماوات الذي يصلي ويسبح إنما هو ( حي عاقل ) .
[ وبهذه المناسبة نقول للإخوة منتجي أفلام الخيال العلمي بأن المخلوقات الفضائية التي تسكن السماء والتي يمكن أن يلتقي بها رواد الفضاء، هي ليست بهذه البشاعة التي تصورها أفلامهم، إنما هي مخلوقات نورانية في غاية الجمال مسالمة لأقصى الحدود مسخرة لتشيع السلام والمحبة في ربوع البشر. وعليه فيجب على الإخوة منتجي تلك الأفلام أن يعدلوا مسار أفكارهم حتى تكون الرسالة الموجهة لبني الإنسان، رسالة في اتجاه الخير تصور السماء بحق الذي فيها من محبة وجمال وسلام ].
ولقد اقتضت حكمة العليم الخبير؛ ومن أجل عباده الذين وسعتهم جميعاً رحمة الرحمن أن يرشدهم لما خُفي عنهم؛ ففرض عليهم الصلاة موقّوتة بفترات زمنية محددة ومُحكمة ومُقدّرة ومضبوطة على ساعة الزمن الكونية. هذه الفترات الزمنية المحددة هي بالضبط وقت وقوع التفاعل وحُدوث الإفراز. و لعل أن الحكمة في اختلاف عدد ركعات فرض الصلاة في الأوقات الخمس المفروضة أتت من:
الوقت الموقوت المخصص لكل صلاة. فوقت الفجر فترته الزمنية القصيرة
{ وقت حُدُوث التفاعل بشقيه الحسي والمعنوي } لا تكفي إلاّ لركعتين فقط. وينسحب هذا المعنى على بقية أوقات الصلاة .
و من : مقدار هذا التفاعل في كل وقت موقوت بموقع الأرض من الشمس.ففي النهار، نهار المعاش، تكون حركة الجسم متقلبة في تفاعل مباشر مع الشمس أكثر مما هي في ليل السبات حين تكون الصلة بالشمس غير مباشرة، وكذلك الوضع يكون في الصيف أكثر مما هو في الشتاء.
قال تبارك وتعالى:
{ ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا *وخلقناكم أزواجا * وجعلنا نومكم سباتا *وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النّهار معاشا }
[11 النّبأ]0
هذا ما كان من أمر توقيت الصلاة، وهو يعتبر مدخلاً إلى حضرة هذا العمل العظيم الذي شرّعه العليم الخبير للعباد يتوسلون به لإصلاح حياتهم ويتوصلون على الطريق الذي نهايته ومآله إلى الرب الرحمن الرحيم.قال جلّ من قائل:
{ يا أيّها الإنسان
إنّك كادح إلى ربّك كدحاً
فملاقيه }
[ 6 الانشقاق]
بنيان حضرة الصلاة:
حضرة الصلاة بنيان يقوم على ركيزتين. ركيزة في الحس وركيزة في المعنى. و الحق أن كل شيء تحتويه دائرة التجلي الإلهي من أسماء وصفات وأفعال إنما يقوم على الثنائية.
قال {الله}الخالق الباري المصوّر تبارك وتعالى:
{ ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون }
[49الذاريات ]
وقال وقوله العلم والحكمة:
{ سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها
مما تُنبت الأرض ومن أنفسهم
وممّا لا يعلمون }
[ 36 يس]
وهذه فيها مراقي ثلاث:
*فمما تُنبت الأرض مظاهر الفعل والقدرة الإلهية.
*ومما في أنفسهم فهي الإرادة والصفة الإلهية.
*ومما لا يعلمون فهو علم الأسماء
الذي لا يُحيطون بشيء منه إلاّ بما شاء.
وعن هذه الدرجة قال العلىُّ الخبير:
{ ليس كمثله شيء
وهو السّميع البصير }
[ 11 الشورى ].
الثنائية في عالم الملك مظاهرها القدرة والفعل.
وفي عالم الملكوت تظهر في الصّفة والإرادة.
أما في عالم اللاهوت فالحديث عنها يجب أن يكون بحذر شديد. ذلك أن الخوض في هذا الشأن يستوجب أن تخلع نعليك وأن تُلقي عصاك لأنك بسبيل الدخول إلى قدس أقداس الوادي المقدس.
و{الله} نسأل أن يلهمنا الصواب وأن يغفر فهو الغفور الودود.
الضمير في { كمثله } يرجع إلى أول التجلّي من بهموت خفاء الذات العليّة. إلى قمّة هرم عالم اللاهوت { مقام الاسم العظيم { الله }. وهناك قمّة الكمالات الإلهية. الحديث القدسي:-
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
الكنز إشارة إلى الذات العليّة جلّت عن التسمية أو الوصف. ومقام أول التجلّي العظيم هو عند قوله تبارك وتعالى { مخفيّاً } هنا قمّة الكمال والجمال والجلال. و عندما أُريد أن تتمثل هذه القمّة، أن تظهر إلى عالم اللاهوت، أن يكون لها { مثل } تجلّت إلى مقام الاسم العظيم
{ الله } فالاسم العظيم { الله } هو المثل الذي ليس له من هو كفؤ له:
{ قل هو الله أحد الله الصّمد لم يلد ولم يُولد
ولم يكن له كُفؤاً أحد }
صدق الله العظيم
{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
[11الشورى]
هنا لطيفة من اللطائف وسر من أسرار الألوهية ينجلي:
أنك لا تسمع وقع أقدام التجلي متماثلة. فكل قدم مباركة ليس لها مثيل. وأنك لا ترى لأي صورة من صور التجلي شبيه. وهذا هو الكمال بعينه. فالكامل لا يكرر نفسه، إنما هو:
{ كل يوم هو في شأن }
و أول التجلّي من عالم اللاهوت أول تجلّي الاسم العظيم { الله } عزّ وجلّ هو إلى مقام الحقيقة المحمدية المشرّفة.
وهو مقام المحبّة الخالصة الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فأحببت }
وهو مقام قمّته عند ساق العرش في عالم اللاهوت. وقاعدته هي المقام الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى :
{ أن أُعرف } وهو مقام انبعاث أنوار النبوّة المشرّفة .
الحديث الشريف:
( أول ما خلق {الله} نور نبيّك يا جابر )
ثمّ يأتي المقام الّذي أشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فخلقت الخلق }
هنا ظهر عالم الملكوت: وهنا خُلقت الملائكة المكرّمين. وهم مخلوقون من أنوار النبوّة المشرّفة. عبادتهم التسبيح بحمد المَلِك السُبُوح القُدوس ربّ الملائكة والروح. وعملهم هو الصّلاة على مقام النبوّة المشرّفة. قال تبارك وتعالى:
{ إنّ الله
وملائكته
يُصلّون على النّبيّ
يا أيّها الّذين آمنوا
صلّوا عليه وسلّموا تسليما }
[56 الأحزاب]
ثمّ يأتي مقام عالم المُلك وهو الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى :
{ فتعرّفتُ إليهم }
الحديث الشريف :
( كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين )
حتّى إذ ما تمّت التسوية تجلّت النبوّة المشرّفة فبُعث محمد بن عبد {الله} النبي عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم رحمة للعالمين ليعرّفهم ب{الله} الحيّ القيوم. ومقام الرسالة المشرّفة هو ما أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فبي عرفوني }
الحديث عن الذات الإلهية العظمى هو الحديث عن الكنز المخفي في عالم الخفاء المطلق، عالم البهموت الذي ليس للعقل البشري أن يخوض فيه. ذلك لأن وسائله للإدراك إنما هي الثنائيّة. ولا ولن تتحقق الوحدانية بالعقل. وإنما لتقف على أول عتباتها لا بُدّ من توقف العقل توقّفاً كاملاً. وحينئذ يكون السير بالقلب.
قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :
{ ما وسعتني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن }
قال تقدّست أسماؤه :
{ فأحببت أن أُعرف }
أحب : والحب لا يكون إلا بين طرفين على أقل تقدير . و{لله} المثلُ الأعلى؛ أحبّ فتجلّى فظهر. ولا يكون تجلّي أو ظُهور إلاّ بمن هو ظاهر ومن
الرحمة قمة وقاعدة :
الرحمة هرم قاعدته جُعلت من اسم{ الله }{ الرحمن }.
وهذه هي الرحمة التي وسعت كل شيء
قال تعالى :
{ عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء }
[156 الأعراف]
هذه الرحمة لا يُحرم منها أي مخلوق كان.وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت النار بدركاتها السبع و أُرسل إبليس ليكون وسيلة للإضلال. وبها سوف ينتهي به المطاف إلى الجنّة ومن ثمّ يعود إلى الباري عزّ وجلّ ليلقاه.
فالنار مآلها إلى الفناء وكذلك الجنّة وسبحان الباقي الحيّ القيوم.
اقرأ :
{ كُلُّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27الرحمن]
ولقد ورد في الأثر أن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم قال :-
( عند نهاية العذاب في النار
وخروج كل من كُتب عليه العقاب منها إلى الجنة
وآخر من يدخل الجنة إبليس
يضع الرحمن قدمه على النار ويقول
قِط قِط
فتخمد النار
وينبت مكانها نبات الجرجير )
أو كما قال .
هذه هي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء. ولا يقولنّ أحد بأن ما ذهبنا إليه من أنّ النّار والجنّة إلى فناء يناقض ما ورد في قول {الله} سبحانه وتعالى :
{ خالدين فيها أبدا }
إنّ الحق في ذلك هو أنّ الأبد دهر. ولكنّه طال أم قصر فهو زمن محدود. و حال الزمان كحال المكان كليهما مخلوق وهما إلى فناء والباقي هو وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.
الشاهد في ذلك أن النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم حين تشرّف برؤية وجه {الله} ذو الجلال والإكرام كان ذلك خارج الزمان وخارج المكان.
قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( ليلة عُرج بي
انتسخ بصري في بصيرتي
فرأيت الله )
ولقد رأى {الله} تبارك وتعالى بعد أن جاوز كلّ الجنان السبع حتى وصل إلى منتهى جنّة المأوى عند سدرة المنتهى هناك نهاية الزمان ونهاية المكان فغشيته الأنوار فخرج عن الزمان والمكان فرأى {الله}:
{ ولقد رآه نزلة أخرى *
عند سدرة المنتهى *عندها جنّة المأوى *
إذ يغشى السّدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
[18 النجم].
قلنا : خرج عن الزمان والمكان فرأى {الله} . فماذا يعني ذلك؟
أولا ما هو الزمن وما هو المكان ؟
الزمان والمكان:
سبق أن ذكرنا أن الحياة الحقيقية هي هنا والآن. في هذه اللحظة الحاضرة:
ما قبلها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو من الماضي الذي انمحى ولن يعود.
وما بعدها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو غيب لمّا يحل بعد.
فلو أننا استطعنا أن نتصور هذه اللحظة الحاضرة، هذه الوحدة الزمكانية بمقدار ذرة تدق حتى وكأنها تتلاشى إلى العدم.
هذه الذرة الزمكانية:
مركزها قطب سالب: {المكان }. يزاوجه قطب موجب: { الزمن }
يطوف حوله بغير فكاك وذلك بفعل آلية التجاذب بين الموجب والسالب، يريد أن يدخل إليه ليندمجا ويتم الرتق فيصيرا وحدة صمدية. تماما كما في حركة الحيوان المنوي من الذكر يحاول اختراق البويضة من الأنثى. فإن تم لهما ذلك ما عاد هناك زمن وما عاد هناك مكان.
أصبح الوضع خارج الزمن وخارج المكان.
وعليه إن أمكن الخروج بهذه الصورة فقد أمكن تحقيق رؤية الزمان والمكان من خارجهم وبهذا يمكن رؤية الزمكان في كل مراحله السابقة وجميع مراحله اللاحقة.
وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة :
{ لقد كنت في غفلة عن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد}
[2 ق ]
وبالخروج عن الزمن وعن المكان تتحقق روية {الله} جل جلاله وتقدست أسماؤه. وهذا بمعنى رؤية العلم المطلق.
العلم المتحرر عن قيود المحدود.
هنا منطقة تجلي {الله} سبحانه وتعالى باسمه العظيم {الرحمن}. به تبارك الاسم أنزل القرآن وخلق السماوات والأرض .
قال سبحانه وتعالى :
{ طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى *
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى *
الرحمن على العرش استوى *
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى }
( 6 طه )
والنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من هنا تلقى القرآن العظيم، فعلم خبر ما كان ونبأ ما سيكون. علم قصة الحياة بتفصيل ما وقع فيها من أحداث؛ ابتداء بأول الخلق :
{ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
( 30 الأنبياء )
و جميع القصص التي قصّها القرآن، قصة خلق آدم عليه السلام، وقصة حياته وسلالته وما تقلبوا فيه من أحداث فقصة المآل إلى يوم الحساب وما بالجنان من نعيم مقيم وما بالنار من جحيم لا يطاق.
عن خبر ما كان قال سبحانه وتعالى :
{ الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان *
الشمس والقمر بحسبان *
والنّجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان *
وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان *
والأرض وضعها للأنام }
( 10 الرحمن )
وعن نبأ ما سيكون قال جلّ وعلا :
{ كلّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
( 27 الرحمن )
قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت الله )
أي علمت خبر ما كان ونبأ ما سيكون. والدليل على ذلك أن هذا المعنى ورد في القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى :
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى *
ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى }
[18 النجم]
جاءت ( رأيت {الله} ) لتشرح معنى { رأى من آيات ربه الكبرى }
وهذا ما تفعله الصلاة.
* أما الرحمة في قمة الهرم فقد انبثقت عن اسم {الله} { الرحيم } ورحمة الرحيم رحمة تشمل الخواص المستخلصين من العباد:
الأنبياء والرسل والأصفياء والأولياء والصالحين من الخلق.
وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت الجنة بدرجاتها السبع وأُرسل الرسل الهداة لهدي الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
قال النبيّ عليه الصلاة والسلام :
( لا يدخل أحدكم بعمله الجنة )
فبمقتضى هذه الرحمة: رحمة الرحيم، يتمّ إدخال العباد الجنّة. وبها تتمّ الترقية من أدنى الجنان نحو أعلاها؛ نحو تحقيق الرؤية لوجه {الله} الكريم لمن شاء له {الله} هذا النعيم المقيم.
والرحمة التي سوف نجدها إذ ما استمعنا للقرآن وأنصتنا إنما هي العلم.
وإنما نُرحم بأن تتكشّف لنا خبايا هذا العلم المكنون.
ولقد صدق الذي قال بأن الأوائل ما أدركوا من هذا الكتاب العظيم إلاّ الغلاف.
ولعله يقصد بأنهم قد وقفوا على الأعتاب ولمّا يتوغلوا إلى داخل الحرم المصون.
هذه الأعتاب إنما هي الشريعة ؛ الوسيلة الموسلة الموصلة إلى داخل الدين . هي القدر الابتدائي من إدراك العلم في بداية الطريق. ولا تزال أُمّة محمد عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم ، أمّة المؤمنين ، واقفة على الأعتاب ولمّا يدخلوا بعد . ولقد توقف معظمهم عند هذه الأعتاب ظناً منهم بأنها غاية المراد وكمال الدين فاستقر بهم المقام عندها فألفوها حتى غدت من شئون حياتهم اليومية التي يفعلونها بصورة تلقائية من غير حاجة للتفكير. ونحن لا نقول بأن الجميع ما زالوا هكذا ؛ نعم لقد تخطّى بعض أفراد الأُمّة ودخلوا وقد حققوا مقامات ودرجات رفيعة ؛ ولكنهم القلة القليلة ؛ والحكم إنما يرسل على العموم .
ولا يمكن لأحد أن تُفتح له الأبواب ليدخل إلى حرم العلم المصون إلاّ إذا عمل بالشريعة بإحسان.
وما نراه اليوم من حال معظم المسلمين هو أنهم وبكل أسف لم يتخذوا الشريعة وسيلة إلى مزيد من العلم ومزيد من العمل؛ وإنما توقفوا عندها حتى وكأنهم اتخذوها آله عبدوها من دون {الله}.
والمساجد على كثرتها نراها وكأنها أصنام يحرصون على عبادتها؛ فهم وبالرغم من شدة مواظبتهم على الصلاة فيها، لا يُرى من معظمهم أدب الإسلام ولا تعامل الإسلام ولا خُلق الإسلام ولا نصر {الله} لهم الذي وُعدوا به وعداً حقّاً : الآية :
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات
فانتقمنا من الّذين أجرموا
وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين }
[47 الروم]
لقد صدق الصادق الأمين رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( يوشك أن تداعى عليكم الأمم
كما يتداعى الأكلة على القصعة )
قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول {الله} ؟!
قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم )
المؤسف حقاً هو ، وبالرغم من أن بأيدينا وتحت سمعنا وبصرنا جميع الآليات لفتح الأبواب المؤدية إلى داخل الحرم الأمين ، إلاّ أننا لا نستخدمها وإنما وضعناها داخل متحف العلاقات الاجتماعية في صناديق زجاجية وعكفنا نطوف حولها ونحن نتنافس على الظهور بأجمل ما لدينا من ثياب ؛ متعطرين بأغلى ما يمكن أن نحصل عليه من عطور . نسينا، أو تناسينا قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( رُبّ مُصلّ لم يُقم الصلاة )
بل وأكثر من ذلك ؛ قال:-
( رُبّ مُصلّ لم تزده صلاته من {الله} إلاّ بُعداً )
فاعتبروا يا أُولي الألباب.
قال ربّ العزّة والجلال :
{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة
إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
فلننظر فيما حولنا : في الطرقات ، في البيوت وفي دواوين العمل :
هل انتهينا ؟!
في المدارس، في الأسواق، في المزارع وفي المصانع:
هل انتهينا؟!
في المساجد وحتى في بيت {الله} الحرام وعباد {الله} يطوفون ويسعون:
هل انتهينا ؟!
أو ليس فينا ذلك المنعّم المرفّه وبجواره بالجنب نجد الفقير المعدم ؟! فأيّ فحشاء وأيّ منكر أسوأ من ذلك ؟! أين نحن من قدوتنا الّذي دعانا لنتّبعه :
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني }
أين نحن من الّذي افتقد جاره اليهودي الّذي داوم على طرح الأذى ببابه حين كفّ عن ذلك ؟! اللهم صلّي وسلم وبارك على خير خلقك الّذي أرسلته رحمة للعالمين.
ألم يقل لنا عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( صّلوا كما رأيتموني أصلي)
أو لم نأخذ عنه الظاهر من شكل الصلاة وحركاتها وتركنا روحها ومضمونها وحكمة مشروعيتها فوقع علينا القول الشديد :
( ربّ مصلّي لم تزده صلاته من الله إلاّ بعداً )
قال{ الله} تبارك وتعالى :
{ واتّقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[ 82 البقرة] .
التقوى هي الامتثال للأوامر والانتهاء عن النواهي وفق ما جاء ت به الشريعة.
وقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم :
( من عمل بما علم أورثه{ الله} علم ما لم يعلم )
فالعمل هو الوسيلة المباشرة إلى العلم.
قال تبارك وتعالى :
{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }
[ 10فاطر] .
ويصعد إليه الكلم الطيب بمعنى تتكشف له الحقائق وبذلك تزيد المعرفة بالعلم.
وبالمعرفة يقترب ويتقرّب العامل من العالم العظيم ذو الجلال والإكرام؛ وكأنه يصعد إليه من درك الجهل والظلام إلى أبراج العلم والنور.
والعمل الصالح الذي يرفعه إنما هو الشريعة ، وعلى رأس واجبات العمل بالشريعة بل وأهمها هو الصلاة .
الصلاة والوقت:
الصلاة الواجبة والمفروضة شرعاً هي عمل جُعل مرتبطاً بالوقت؛ كما هو واضح في الآيات الكريمات التي وردت في صدر موضوع الصلاة هذا.
قال تعالى :
{ فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا الله
قياما وقعودا وعلى جنوبكم
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة
إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين
كتاباً مّوقوتاً }
[ 103 النساء]
ولقد تباين الفهم عن كلمة: موقوتاً : ولكن المتفق عليه عموماً هو أن الصّلاة ، الفرض مرتبطة بالوقت .
ولعلّ السؤال القائم والذي لم تُستوفى الإجابة عليه بعد هو: لماذا وُقّتت الصلاة ؟ . وما هي الحكمة في مشروعية ارتباطها بالوقت ؟
لماذا وُقِّتت الصلاة ؟
الصلاة علاقة تمثل آيات الآفاق حين تكون العلاقة الجنسية بين أزواج مُطهّرة، هي ما يقابلها من آيات النفوس . الآية :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[ 53 فصلت]
إن كلمة : سنريهم : معناها : نُشهدهم شهوداً حسّياً ومعنوياً : مظاهر الفعل والتفاعل ؛ بياناً عملياً حقيقياً . ولما كانت العلاقة الجنسية بين البشر هي مواقعة الزوج لزوجه ؛ وأن هذه المواقعة تنجم إفرازاً يُوجب الاغتسال والتطهر ؛ كذلك كل مواقعة حسّيّة تقع بين طرفين ماديين تُوجب غُسلاً بالماء . كما أن كل مواقعة بين قطبين معنويين تُوجب اغتسالاً بالعلم والمعرفة. ذلك لأن العلم والماء وجهان لعملة واحدة؛ يختلفان في المقدار وليس في النوع ؛ فالوجود كله نوع واحد مُتنزّل من الخالق الواحد الأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفؤا أحد .
العلاقة الجنسية الماديّة وما تتضمّنه من مواقعة حسيّة تُوجب الاغتسال بالماء : تُمثّل آيات النفوس.والملاحظ هنا أن الاغتسال مطلوب بعد إتمام العلاقة.
فما هي العلاقة الروحانية التي تُوجب الغسل بالعلم في جانب آيات الآفاق؟
الصّلاة هي العلاقة الروحانية في جانب آيات الآفاق التي تقابل العلاقة الجنسية بين البشر في جانب آيات النفوس.
ولقد قلنا أن الصّلاة رُبطت بالوقت. فكلمة { موقُوتا }– تعني لدى التدقيق في المعنى:
أن هذا الكتاب، هذا العمل و هذا الانفعال
{ الصّلاة }
قد وُقّتت له ساعة صفر محددة يجب أداؤه فيها
و إلاّ فُقدت القيمة الحسيّة والمعنوية المرجُوّة منه.
ولنضرب لذلك مثلاً:
نفترض أنك دُعيت إلى وليمة يُقدم لك فيها ما لذّ وطاب من الطعام و الشراب؛ وقد ضُرب لك لذلك موعداً. فإن أنت لم تكن حاضراً ساعة تقديم الطعام فاتت عليك الوليمة. ويمكننا ضرب العديد من الأمثال لتوضيح وتوكيد ما ذهبنا إليه من معنى الوقت الموقوت:
كل قيمة وُقت لها وقتاً محدداً تُفقد
إن لم تُدرك في وقتها الذي حُدد لها
مثلاً: أداء فريضة الحج؛ والحج عرفة: فإنّ أنت قدمت بعد يوم عرفة فاتك الحج.
امتحان ما، لنيل شهادة دراسية ما، يعقد يوم السبت في الساعة الثامنة صباحاً، وزمن الامتحان حُدد له ساعة أي ستون دقيقة: فهل ستنال الشهادة لو أنك قدمت لقاعة الامتحانات في الساعة التاسعة ؟ هكذا:
كلّ قيمة وُقّت لنيلها وقتاً محدداً تُفقد إن لم تُدرك في وقتها.
الصلاة ليست عملاً مأمورٌ بأدائه مقابل أجر أو مكافأة بموجب حقوق السيد على العبد، وإنما هي الأجر عينه والمكافأة العينية نفسها، بشرط أن تؤد على وجهها الصحيح وفي ميقاتها. وينسحب هذا المعنى على جميع صور العبادات موضع تكليف الشريعة السمحة. فإن شاء لك {الله} وقدّر أن تكون من المصلين ؛ فقد شاء وقدّر لك الخير :
{ لمن شاء منكم أن يستقيم *
وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين}
[29 التكوير]
أن تعبد {الله} كما أمر؛ هذا ليس لأجله سبحانه وتعالى وإنما لأجلك أنت. أنت هو المحبوب المُراد له الخير، المجزل له العطاء. {الله} العزيز المقتدر ليس بحاجة لعبادة أحد.
قال تبارك وتعالى :
{ إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى
ثمّ إلى ربّكم مرجعُكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنّه عليم بذات الصّدور}
[ 7 الزمر]
قال ربّ العزّة العزيز الحميد :{ لا يرضى لعباده الكفر}
ولم يقل : لا يرضى من عباده الكفر.
كما قال أعظم القائلين : { إن تشكروا يرضه لكم }
ولم يقل يرضه منكم. ومعلوم أن الغنيّ هو الذي لا يحتاج لغيره. {الله} سبحانه وجلّ شأنه غنيّ قائم بالذات في الذات لذّاته.
إذن فالصلاة عمل تؤديه وفي توقيته من أجلك أنت. إنها أعظم مأدبة يقدم الرب الكريم المتعال لك فيها: المعرفة، الطمأنينة، الرضا والتوازن بل وحياة النعيم المبرأة من كل خوف ومرض أو كدر.
{ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه }
[6 الانشقاق ]
فإن لم يُكتب لك أن تحضرها في وقتها فقد فاتك الخير. وهنا نرى أنه يجب توضيح بعض مفهوم سالف عن وُجوب قضاء فرض الصلاة الذي فات وقته. ونتساءل:
هل يمكن لأحد أن يقوم بقضاء فرض الحج ؟
فرض الصلاة الذي فات عليك أداؤه في وقته فقد فات ولن تستطيع أن تعوّضه بقضائه لاحقاً.
وقت صلاة الفجر بعد طلوع الشمس أصبح في ذمّة التاريخ الذي مضى ولن يعود أبدا . كمائدة من السماء نصبت للجائعين بالفضل من صاحب الفضل والكرم فنال منها من حضر ومن تغيب فقد فات عليه الخير العميم. وما تمّ توجيه السلف لقضاء الفرض إلا من باب التشجيع للحرص على وقت الفرض، والتوكيد على أهمية ألا يُؤجل الخير، فإن خير البرّ عاجله.
ولعل أن كل صلاة تُؤدّ بعد الوقت المحدد للفرض تدخل في باب النوافل . وحتى هذه سوف لن تعتبر إن كانت بعد فوات وقت صلاة العصر، أكثر من ذلك : هي مكروهة فيما بين وقت صلاة العصر ووقت صلاة المغرب .
فما علاقة الوقت بالمواقعة في الآفاق ؟ ولماذا وُقتت الصلاة ؟
الوقت برز وتحدد عندما فُتقت الأرض عن السماء:
{ أو لم ير الذين كفروا
أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كلّ شيء حي أفلا يؤمنون}
[ 30 الأنبياء]
ولقد وُقّت زمن الدنيا بموقع الأرض من الشمس. ولا أحسب أني أحتاج لتبيان مواقعة الشمس للأرض بمعنى انفعال الأرض وما عليها ومن عليها نتيجة فعل أشعة الشمس. فالشمس والأرض زوجين والعلاقة بينهما علاقة جنسية ، الاختلاف في المقدار ؛ فالأرض من نفس مادة الشمس ، وكذلك كل الأجرام السماوية ، و المواقعة بينهما مستمرة ما دامت السماوات والأرض .
الأرض تنفعل في كل أرجائها، بهذا الزخم المرسل إليها من الشمس والذي يحتوي علي هذا الكم الهائل من إشعاعات وموجات مما عرفه الإنسان وما لم يعرفه بعد. وقوة هذا الانفعال على أي موقع من الأرض تعتمد على بُعده أو قربه من الشمس، وذلك بمعنى أن كم الانفعال في المواقع المختلفة على الأرض يتفاوت بتفاوت مسافة الموقع المحدد بينه وبين الشمس.
وقد جُعل الليل وجُعل النهار بجعل الأرض تدور حول نفسها.
الموقع على الأرض في منتصف النهار، والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها عمودية عليه، يكون أقرب إلى الشمس من أي موقع آخر الوقت فيه فجراً أو عصراً أو في المغرب أو العشاء.
وعليه فإن الكائن الحي المتواجد في الموقع المحدد ينفعل بأشعة الشمس شأنه شأن الأرض. وقوة هذا الانفعال تتفاوت تفاوت الوقت والمكان. ففي كل زمن موقوت يكون انفعال يختلف مقداره عنه في وقت آخر. قال تعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح
وأطراف النّهار لعلك ترضى }
[130 طه]
أنظر إلى هذه { لعلك ترضى } بمعنى أن تعتدل موازين القيم فيك: صحة الجسد، حدة السمع، جلاء البصر ، صفاء البصيرة ، اطمئنان النفس وخفة الروح بك تعرج إلى قمم الكمال .
وعلى هذه الآية الكريمة تمّ تحديد أوقات الصلاة.
{ سبح } معناها [ صلي ].
قال تبارك وتعالى :-
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنه كان حليماً غفورا}
[44 الإسراء] .
و الرضاء: حال لقيمة حياتية تأتي كثمرة لحال الاطمئنان الذي يعتبر أول عتبات الاستسلام الواعي للإرادة الإلهية الحكيمة. ولا تطمئن النفس إلا بعد أن يتأكّد لديها وتستيقن قول {الله} تبارك وتعالى :
{ قل لّن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا
هو مولانا
وعلى الله فليتوكّل المؤمنون }
[51 التوبة]
وأن {الله} سبحانه وتعالى هو الرحمة التي وسعت كل شيء، وهو الخير المطلق؛ وأن الحالة الحاضرة التي كائن الوضع عليها هي أحسن ما يمكن أن يكون عليها. ولقد صدق الذي قال :
[ لو وثق العبد بحسن اختيار {الله} له
لما تمني غير الحالة التي هو فيها ]
جسم الإنسان بما فيه من طاقات حياتية، وكأنه مُفاعل للطاقة ، تتمّ في داخله تفاعلات ثلاث :
# تفاعل حيوي عضوي جسدي.
# وتفاعل كيميائي نفسي.
# وتفاعل كهرومغناطيسي عصبي. أو قل تفاعل عقلي فكري.
والحق أن أصل الطاقة الحياتية المحركة لهذا المفاعل الجبار هي الطاقة الفكرية وهي الروح. ولعله مفهوم أن الطاقة الفكرية مركزها القلب وليس العقل كما قد يتبادر لأول وهلة. وما العقل إلا لوحة مفاتيح توجيه الحركة داخل الجسد هذا المفاعل النووي العملاق.
ومن المؤكد أن جميع الانفعالات التي تجري على جسم الإنسان ما هي إلا انعكاسات لذبذبة الطاقة الفكرية { الروح }. إن جميع الأمراض التي يصاب بها الجسد وجميع ما قد يبتلى به الإنسان من مصائب ونكبات ومحن ما هي إلا آليات دفاعية تُستنفر للدفاع عن مركز الطاقة الأم من أجل الحفاظ على كيانها الصافي على الصراط المستقيم. ولقد ضُرب لبيان ذلك العديد من الأمثال.
قال {الله} العالم الحكيم المتعال:
{ ولنبلونّكم بشيء من
الخوف
والجوع
ونقص مّن الأموال
والأنفس
والثّمرات
وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مّصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات مّن رّبّهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون }
[157 البقرة]
أو لم يقل المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم : ( إذا أحبّ {الله} عبداً ابتلاه )
أم لم يقل صلى {الله} عليه وسلم : ( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم )
وأعجب واندهش: من هو الّذي يُضل فيجعل العبد يخطي؟!
هو{ الله} جلّ جلاله
ومن هو الّذي يلهم عبده أن يستغفر ؟!
هو {الله} جلّ شأنه
ومن هو الغفّار الرحيم الّذي وسعت رحمته كلّ شيء ؟!
هو{ الله }
{ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون *
وسلام على المرسلين *
والحمد لله ربّ العالمين}
[182 الصّافّات]
{ و{الله}، و{الله}، و{الله}
ما كلّ ذلك غير المحبّة المطلقة التي تنضح مغفرة
ألا أيّها النّاس فأحبّوا أحبّوا أحبّوا بعضكم. فالمحبة هي العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها. ألم يقل خير الأنام رسول المحبة والسلام محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( لا يؤمن أحدكم
حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ألا فأعلموا أيّها الناس :
إن هذا لقول من لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحيّ يُوحى.
فتدبّروا هذا القول الكريم وأعلموا واحذروا فإنّ هذا القول الواضح يعني: أن الإيمان و كريم الخُلق وجهان لعملة واحدة. فالإيمان أبدا لا يجتمع مع صفات السوء من كذب و بخل وتكبّر وكراهية وأنانية وفحشاء ومنكر وبغيّ. كما يجب أن تعلموا أن الإيمان يوجب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وهذا يعني المساواة المطلقة في جميع وجوه الحياة.
و إلا فلا إيمان.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ إنّ الّذين لا يؤمنون بآيات الله
لا يهديهم الله
ولهم عذاب أليم *
إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات الله
وأولئك هم الكاذبون }
[105 النحل]
فقال محمد بن عبد {الله} النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( المؤمن لا يكذب )
وذلك حينما سُئل : هل يسرق المؤمن ؟ قال قد يسرق )
هل يزني المؤمن ؟ قال قد يزني )
هل يكذب المؤمن ؟
فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: ( المؤمن لا يكذب )
فإن كان رأس الحكمة مخافة {الله} فإن رأس الفتنة هو الكذب. هو أسّ البلاء ورأس الشرور.
جسم الإنسان مكان الأسرار
هذا الجسم الذي وضع فيه الخالق المبدع جميع الأسرار المُتنزّلة من روحه القدس.
قال السُبّوح القدوس رب الملائكة والروح :
{ وإذ قال ربّك للملائكة
إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين}
[29 الحجر]
هذا الجسم البديع يتفاعل مع آفاق الكون المختلفة بقدر تفاعله في نفسه. الآية:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد *
ألا إنّهم في مرية مّن لّقاء ربّهم
ألا إنّه بكلّ شيء مّحيط }
[54 فصّلت]
{ شهيد } تعني حاضر وموجود، مُحيط ومصيطر بنفسه على نفسه ولنفسه. سبحانه مالك الملك الّذي لا إله إلاّ هو العزيز الجبّار المهيمن الحميد.
و لعل أبرز تفاعل للجسم مع الآفاق هو تفاعله مع الشمس أولاً ثمّ مع بقية الأجرام السماوية المتعددة: أراضيها، نجومها وكواكبها؛ ما علمنا منها وما لم نعلم. ونتيجة لهذا التفاعل يُفرز الجسم إفرازاً متعدد الوجوه. هذا الإفراز بعضه ظاهر وملموس والآخر نحسه ولا نراه بالعين المجردة ويغيب عن اللمس.
الذي هو ظاهر وملموس:
# الدموع ، اللعاب ، العرق ، البول والغائط .
وما هو غير ملموس ولا نراه بالعين المجردة :
# عدد ستة أنماط من الإفراز مختلفة يفرزها الجسم في مواقيت مواقع الأرض الستة من الشمس : الفجر ، الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء وما بعد منتصف الليل.
هذه الإفرازات ذات وجهين؛ وجه غليظ حسيّ والوجه الآخر رفيع معنويّ.
ولعلنا هنا ندرك الحكمة وراء مشروعية الصلاة التي جُعل الوضوء طرفا منها ولازما لتمامها.
• أنماط الإفراز الظاهرة والملموسة يتم تنظيفها والخلاص منها لأغراض صحة البدن.
• أما تلك الغير ظاهرة وملموسة فيتم التخلص من طرفها الغليظ بماء الوضوء أو بالصعيد الطاهر إن تعزر وجود الماء؛ وهذه يُتخلص منها لغرض الحفاظ على شفافية مرآة الجسم الخارجية التي تتكون من طبقة الجلد الرفيعة الخارجية وما حولها من هالات نُؤمن بأن عددها سبع هالات بما نعلمه من قانون إنشاء الكون الذي أقام الخلق على سبع.
هل تعلمون كيف يتخلص الإنسان اليوم من المخلفات النووية !؟
إنه يغمرها تحت الأرض. هذه وسيلة فاعلة من الدرجة الثانية. ولعل الوسيلة الناجحة للخلاص من المخلفات النووية هي أن تغسل بالماء الطاهر الطهور. هذا ما تشير إليه الشريعة السمحة في باب فرض الصلاة. ولا صلاة بغير وضوء. بطبيعة الحال فالتيمم يغني عن الماء إن تعذر الأخير وهو يعتبر وسيلة الطهارة من الدرجة الثانية، ذلك أنه:
( إذا حضر الماء بطل التيمم )
ولهذا قلنا أن دفن المخلفات النووية بالتراب هو وسيلة من الدرجة الثانية.
ولقد أوضحت الشريعة السمحة كيفية تخلص مفاعل الجسد من جميع المخلفات النووية الناجمة عن التفاعل الذري بداخله وهو ما يمكن تسميته بالطاقة الحياتية. ولقد أوضحت الشريعة الكيفية وذلك بتشريع الوضوء، كما أوضحت كذلك مواقيت الصفر لعملية الخلاص. هذه المخلفات ما هي إلا تلك الخلايا التي تموت في عملية التجديد المستمر للجسد، فيلفظها إلى الخارج بما فيها من سموم وإشعاعات ذرية سالبة. وعند تعرضها لأشعة الشمس يتم التفاعل. ويكون الناتج من ذلك أمراض الجلد المختلفة بما فيها ما أصبح اليوم ظاهرة عامة وهي ما يسمى بسرطان الجلد. ولعل ما نراه وما نسمع به اليوم من اجتهاد العلماء والأطباء والمتخصصون في طب التجميل، لاختراع الدهانات والأمصال والعقاقير للوقاية والعلاج من أمراض الجلد، ما هو إلا انحراف عن الاتجاه الصحيح.
إن العقار الواقي والشافي من جميع الأمراض هو هذا الماء:
{ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
[30 الأنبياء]
{ كل شيء حي } الحياة هنا هي حياة الفطرة الأولى المبرأة من جميع الانحرافات.
قال محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا
يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة
هل يبقى من درنه شيء ؟ )
هنا يخطر على البال موضوع الحجاب.
الحجابُ فرضٌ على الرجال والنساء على قدر سواء:
وما نعنيه بالحجاب ليس ما يدل عليه عكس السفور. كما هو ليس ما يدل عليه عدم الاختلاط. وإنما نعني بالحجاب ما ورد في هذه الآيات الكريمة:
{ قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
وليضربن بخمرهن على جيوبهن
ولا يبدين زينتهن إلا
لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن
أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال
أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء
ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن
وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون }
[ 31 النور]
الحجاب الذي نعنيه، والذي أوضحته هذه الآيات البينات، هو الحجاب المفروض على الرجال كما هو مفروض على النساء بحد سواء. وذلكم هو غض البصر وحفظ الفرج. هذا الحجاب المفروض على الناس من ذكر وأنثى، مفروض على مجتمع مفتوح. مجتمع مختلط. النساء لسن بمعزولات فيه عن الرجال. والاختلاط موزون بقوانين حكيمة.
{ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }:
إن الذي يظهر من زينة المرأة، والذي تنص الآية الكريمة علي وجوب عدم إخفائه هو الوجه والكفين.
و إلا فمم مطلوب من الرجل أن يغض بصره ؟ إن كانت المرأة محتجبة تماماً !.
وعلى أي حال؛ فإن غض البصر المطلوب من الرجال كما هو مطلوب من النساء ليس عن رؤية أحدهم لوجه الآخر فحسب، وإنما مطلوب غض البصر عن كل مما من شأنه أن يتسبب في إغلاق الدائرة الحياتية بالتماس قطب موجب بقطب سالب على غير حق، فيكون ذلك متسبباً في الإخلال بالتوازن الجسدي والنفسي والفكري للطرف الذي لم يغض بصره.
وهذا الحجاب يعتبر على رأس قائمة وسائل تحقيق التقوى :
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }
[13 الحجرات]
{ لتعارفوا }:
فكيف ب{الله} عليكم أن يتم هذا التعارف والناس محجوب بعضهم عن بعض !؟
والتقوى في حدها الأدني تعني التشرع ، أي العمل بالشريعة في مستوييها عبادة ومعاملة . والتقوى في قمتها تعني الاستقامة. وهي الحياة الموزونة بلا إفراط ولا تفريط.
أما ما ورد في قوله تبارك وتعالى:
{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن }
فهذا ليس هو الحجاب. ما هذا إلا الطريقة العلمية الصحيحة للمحافظة على جسد المرأة. وعلى التحقيق، ليس من عين الرجل وإنما من أشعة الشمس ولرب قائل: فما الفرق بين جسد المرأة وجسد الرجل؟
و الإجابة لا تحتاج لكثير عناء. فالذكر والأنثى قطبين لوحدة تمثيل الحياة. الذكر هو القطب الموجب. والأنثى هي القطب السالب. وهما الذين تتفجر الحياة نتيجة اللقاء بينهما بالتزاوج. خصائص قطب الذكر الموجب هي أنه القطب الأعلى بطاقة فاعلة ( مندفعة ). أما قطب الأنثى السالب فهو القطب الأدنى بطاقة منفعلة ( جاذبة ). الذكر يمثل السماء بما فيها من شحنات الطاقة الموجبة وأقربها الشمس. أما الأنثى فتمثل الأرض بما فيها من شحنة الطاقة السالبة. وبما أن من خصائص الطاقة السالبة هي أنها جاذبة، فجسد المرأة قابل للتفاعل مع أشعة الشمس سبعة أضعاف قابلية جسد الرجل للتفاعل مع أشعة الشمس.
يا معشر النساء فلتعلمن بأن تغطية أجسادكن فيه وِجاء لكن ووقاية لأجسادكن من شر أمراض تسببها أشعة الشمس. وليس ذلك تخلفاً أو جهلاً أو رجعية، وإنما هي العلمانية الحقيقية وهي رحمانية الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء.
فيا أيها الناس هيا إلى الخلاص، إلى الصلاح وإلى الفلاح. وأعلموا أنه لا خلاص، ولا صلاح ولا فلاح إلا بمحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هناك معلومة تقول بأنك لو شربت الماء وبكميات كبيرة يومياً على الريق لمدة شهر تشفى من مرض كذا، ولمدة شهرين تشفى من كذا وذهبت تضع جدولا زمنياً لذلك حتى وصلت إلى مدة ستة أشهر بعدها يمكن الشفاء من السرطان. ولعل هذا لم يجانبه الصواب، فالماء هو أصل الحياة. ألم تر أن من غاب عن وعيه بسبب ضربة أفقدته الوعي يسكب عليه الماء فيفيق !. ولكن لماذا ننتظر حتى نمرض ؟! . كم يكلف الواحد منا من عناء ليتوضأ قبل طلوع الشمس، والشمس في كبد السماء، والشمس مائلة في وقت العصر، والشمس قبل الغروب وكذلك والشمس عند وقت العشاء. فإن فعلنا ذلك وبالطريقة التي فعلها محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أوشك أن تتحقق لنا الوقاية من كل داء عضوي. وإن قمنا بأداء الصلاة كما جاء بها أوشك أن تفتح أمامنا أبواب الحياة الكاملة، حياة الفكر، حياة الذكر وحياة الشعور وهذه قمة حياة الحب والجمال.
ولعل تلك الهالات السبع السابق ذكرها هي الروح. ولقد سبق أن ذكرنا أن الروح هي الطاقة المنبثقة والناجمة من تزاوج قطبين متناقضين: قطب موجب والآخر سالب. هذا واضح في التكوين الذرّيّ للمادة. ومعلوم أن الجسد مكون من مجموع ذرّات متماسكة بفعل مجال الطاقة التي تكوّن هالة كهرومغناطيسية حول الذرة. هذا واضح فيما يتعلق بوحدة الذرة. أما فيما يتعلق بالجسد فإن جماع الإشعاعات المنبثقة من الذرات التي يتكون منها الجسد هي التي تكوّن غلاف الهالات التي تحيط بالجسد. وكما سبق ذكره فإن هذه الهالات هي الروح، هي عقل الطاقة الحياتية المحرّكة للكائن الحي.
هنا تجب الإشارة إلى أن الطاقة الحياتية سابقة للروح :
{ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون *
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
[ 29 الحجر ]
{ فقعوا له ساجدين } ماذا يعني ذلك ؟
الملائكة مخلوقات نورانية. جعلت من اسم {الله} سبحانه وتعالى { الملِكُ } والمَلَكُ طاقة حياتية موزونة على استقامة مطلقة. وأن يقع المَلَك ساجداً للبشر معناه الوقوع بهذه الطاقة الموزونة بين التسوية ونفخ الروح:
{ بين المادة والعلم }
{ بين الجسد والفكر } وهذا ما يسمى بالنفس.
{ بين القلب والعقل } وهذا ما يسمى بالفؤاد.
وما العقل إلا لوحة مفاتيح التوجيه لمسارات حوافز الحركة. والشاهد على صحّة ما ذهبنا إليه هو أنه بمجرد انقطاع طاقة الروح ومفارقتها للجسد تفقد الذرّات المكونة للجسد عامل الجذب فيما بينها فينهار البنيان. وهذا هو الذي يحدث عند الموت: حالا يبدأ الجسد في التحلل وهذا هو السر في حكمة القول بأن إكرام الميت سرعة دفنه. ولرب قائل فما هو شأن تلك الأجساد التي يمر عليها دهر وعندما تستخرج من باطن الأرض نجدها على حالها لم تأكل دابة الأرض اللحم منها. ولربما نجدها بشحمها ولحمها طرية وكأن الروح لم تبرحها ؟ و الجواب أن تلك أجساد ترو حنت. وعندما جاءت ساعة انقضاء أجلها في عالم الملك سكنت حركتها فخيل لمن حولها بأنها ماتت فقبروها. وكان القبر عتبة دخولها إلى عالم البرزخ. هي في المعيار مما يلي الدنيا قد ماتت وفي المعيار مما يلي البرزخ قد ولدت من جديد. فالروح لا تفنى وكذلك الجسد المروحن. وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على المومياء التي مرت عليها الحقب السحيقة وعندما استخرجت بدت وكأنها لم تتحلل. غير أن الحق في ذلك ، مع استبعاد تلك التي كانت مروحنة عندما ماتت ، فإن جميع ما عدا تلك المروحنة ، إنما هو جلد تخشب على عظم جف وذلك بفعل المواد التي حنطت بها .
السجود أعلى مراقي القرب
لماذا يكون العبد أقرب ما يكون إلى {الله} وهو ساجد ؟ ذلك لأن الجسد وهو في وضعية السجود تكون أطرافه وكأنها تتجمع وتتكور فيكون وضع الجسد تماما كوضعية الجنين في الرحم وبذلك يكون وكأنه مجموع وملفوف ومحفوظ داخل تلك الهالة التي تكون محيطة به كما يحيط جدار الرحم بالجنين في داخله.
هذه الهالة بدرجاتها السبع هي رحم الروح . ولا يكون الميلاد من رحم الروح بالخروج عنه وإنما يكون بالدخول إليه بمعنى أن يتروحن الجسد. و هذا هو معنى ما سبق ذكره عن الرتق.
العقل هو باب الميلاد بالدخول إلى رحم الروح.
ويمثله الفرج عند الأنثى والذي هو باب الميلاد بالخروج من رحم الجسد.
• باب الخروج من رحم الجسد { الفرج } يجب أن يتحرّك لينفتح على مصراعيه حتى يتمكّن المولود من الخروج.
• غير أن باب الدخول إلى رحم الروح { العقل } يجب أن يتوقف تماماً عن الحركة حتّى يتم الميلاد بالرتق.
قال {الله} جل شأنه وتباركت أسماؤه :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[53 فصّلت]
وهذا يعني أن آيات {الله} تبارك وتعالى تلك التي أظهرها في الآفاق إنما هي إشارات لما في النفس من آيات.
ألم يقل سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:
{ ما وسعني أرضي
ولا سمائي
وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن}
هذه الهالة التي تحيط بالكائن الحي هي أساس الشخصية الفردية للكائن الحي. هي الطاقة الموجهة له. منها يستمد فرديته وشخصيّته التي يتميّز بها عن بقية الكائنات الأخرى. والسير إلى {الله} بالفردية وليس جماعياً.
قال {الله} سبحانه مالك الملك بديع السماوات والأرض:
{ إن كلّ من في السّماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا *
لّقد أحصاهم وعدّهم عدّا *
وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم]
{ و نرثه ما يقول ويأتينا فردا }
[80 مريم]
وقال جلّ وعلا:
{ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّة }
[94 الأنعام]
هذه الهالة هي مصدر العلم والفكر والذكر والإحساس والمشاعر. ألا ترى كيف تحتضن الأم وليدها ؟
هي لا تحتضنه لترضعه وتدفئه أو لتربطه برائحتها أو كل ما قد يقال في هذا الشأن فحسب؛ وإنما وفي أصل دوافع علاقة الأمومة:- هي تحتضنه لتغذي هالته وطاقته من هالتها وطاقتها مواصلة لما كان يجري له وهو في رحمها حتى يقوى والفترة المحددة لهذه التغذية الروحية المادية عامين كاملين:
{ والوالدات يُرضعن أولادهنّ حولين كاملين }
[233 البقرة]
و لعلّ أن كلّ أم تمتنع عن احتضان وليدها وإرضاعه من ثديها لحولين كاملين تكون بذلك قد جنت عليه. و في سبيل ماذا؟ فلتقل الأمهات ما يقلن تبريراً لهذه الجريمة في حق الإنسان. وكل تبرير يقال لا يرقى لمسئولية التسبب في أن ينشأ الطفل الإنسان ضعيف البنية ضعيف الشخصية غير مبال ولا مكترث لا هوية له ولا انتماء. وعليه فإن الاحتضان والرضاعة من ثدي الأم لحولين كاملين يعتبر حقاّ دستورياً من حقوق الإنسان الأساسية. ويجب أن تُساءل كل من تفرّط فيه مساءلة قانونية.
قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم :
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً
يغتسل منه في اليوم والليلة
خمس مرات
هل يبقى من درنه شيء؟)
قلنا أن الطرف الرفيع المعنويّ من الأدران يتم التخلص منه بالعلم الذي يُستدرج بقراءة القران في أثناء الصلاة بحركاتها السبع : وُقوف ، ركوع ، رفع من الركوع ، سجود ، رفع من السجود ، سجود ثاني والسابعة كثيراً ما يهملها بعض المصلين ألا وهي الجلسة الخفيفة عند الرفع من السجود الثاني . و هذه لغرض صحة الروح ومعناه محاولة كشف الحجاب عن العلم المركّز فيما وراء العقل الظاهر؛ محاولة التذكّر والتفكّر والعقلانية. وذلك يعني السير إلي عالم الغيب والشهادة. الآية:
{ إنّني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري }
[14 طه]0
هذا التفاعل يصيب كل الأحياء والأشياء. قال جلّ وعلا :
{ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب
صنع الله الّذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون }
[ 88 النمل]
{ والنّجم والشّجر يسجدان }
[6 الرحمن]
وقال العزيز المبدع الجبار:
{ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء
اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج }
[5 الحج]
وقال سبحانه وتعالى :
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنّه كان حليماً غفورا }
[ 44 الإسراء]
وقال ربّ العزّة والجلال :
{ ألم تر أنّ الله يسبّح له من في السّماوات والأرض
والطّير صّافّات كلٌ قد علم صّلاته وتسبيحه
والله عليم بما يفعلون }
[ 41 النور ]
{ من في السّماوات } :
قال سبحانه وتعالى : { من } ولم يقل جل شأنه { ما } وهذا دليل على أن الذي في السماوات الذي يصلي ويسبح إنما هو ( حي عاقل ) .
[ وبهذه المناسبة نقول للإخوة منتجي أفلام الخيال العلمي بأن المخلوقات الفضائية التي تسكن السماء والتي يمكن أن يلتقي بها رواد الفضاء، هي ليست بهذه البشاعة التي تصورها أفلامهم، إنما هي مخلوقات نورانية في غاية الجمال مسالمة لأقصى الحدود مسخرة لتشيع السلام والمحبة في ربوع البشر. وعليه فيجب على الإخوة منتجي تلك الأفلام أن يعدلوا مسار أفكارهم حتى تكون الرسالة الموجهة لبني الإنسان، رسالة في اتجاه الخير تصور السماء بحق الذي فيها من محبة وجمال وسلام ].
ولقد اقتضت حكمة العليم الخبير؛ ومن أجل عباده الذين وسعتهم جميعاً رحمة الرحمن أن يرشدهم لما خُفي عنهم؛ ففرض عليهم الصلاة موقّوتة بفترات زمنية محددة ومُحكمة ومُقدّرة ومضبوطة على ساعة الزمن الكونية. هذه الفترات الزمنية المحددة هي بالضبط وقت وقوع التفاعل وحُدوث الإفراز. و لعل أن الحكمة في اختلاف عدد ركعات فرض الصلاة في الأوقات الخمس المفروضة أتت من:
الوقت الموقوت المخصص لكل صلاة. فوقت الفجر فترته الزمنية القصيرة
{ وقت حُدُوث التفاعل بشقيه الحسي والمعنوي } لا تكفي إلاّ لركعتين فقط. وينسحب هذا المعنى على بقية أوقات الصلاة .
و من : مقدار هذا التفاعل في كل وقت موقوت بموقع الأرض من الشمس.ففي النهار، نهار المعاش، تكون حركة الجسم متقلبة في تفاعل مباشر مع الشمس أكثر مما هي في ليل السبات حين تكون الصلة بالشمس غير مباشرة، وكذلك الوضع يكون في الصيف أكثر مما هو في الشتاء.
قال تبارك وتعالى:
{ ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا *وخلقناكم أزواجا * وجعلنا نومكم سباتا *وجعلنا الليل لباسا * وجعلنا النّهار معاشا }
[11 النّبأ]0
هذا ما كان من أمر توقيت الصلاة، وهو يعتبر مدخلاً إلى حضرة هذا العمل العظيم الذي شرّعه العليم الخبير للعباد يتوسلون به لإصلاح حياتهم ويتوصلون على الطريق الذي نهايته ومآله إلى الرب الرحمن الرحيم.قال جلّ من قائل:
{ يا أيّها الإنسان
إنّك كادح إلى ربّك كدحاً
فملاقيه }
[ 6 الانشقاق]
بنيان حضرة الصلاة:
حضرة الصلاة بنيان يقوم على ركيزتين. ركيزة في الحس وركيزة في المعنى. و الحق أن كل شيء تحتويه دائرة التجلي الإلهي من أسماء وصفات وأفعال إنما يقوم على الثنائية.
قال {الله}الخالق الباري المصوّر تبارك وتعالى:
{ ومن كلّ شيء خلقنا زوجين لعلّكم تذكّرون }
[49الذاريات ]
وقال وقوله العلم والحكمة:
{ سبحان الّذي خلق الأزواج كلّها
مما تُنبت الأرض ومن أنفسهم
وممّا لا يعلمون }
[ 36 يس]
وهذه فيها مراقي ثلاث:
*فمما تُنبت الأرض مظاهر الفعل والقدرة الإلهية.
*ومما في أنفسهم فهي الإرادة والصفة الإلهية.
*ومما لا يعلمون فهو علم الأسماء
الذي لا يُحيطون بشيء منه إلاّ بما شاء.
وعن هذه الدرجة قال العلىُّ الخبير:
{ ليس كمثله شيء
وهو السّميع البصير }
[ 11 الشورى ].
الثنائية في عالم الملك مظاهرها القدرة والفعل.
وفي عالم الملكوت تظهر في الصّفة والإرادة.
أما في عالم اللاهوت فالحديث عنها يجب أن يكون بحذر شديد. ذلك أن الخوض في هذا الشأن يستوجب أن تخلع نعليك وأن تُلقي عصاك لأنك بسبيل الدخول إلى قدس أقداس الوادي المقدس.
و{الله} نسأل أن يلهمنا الصواب وأن يغفر فهو الغفور الودود.
الضمير في { كمثله } يرجع إلى أول التجلّي من بهموت خفاء الذات العليّة. إلى قمّة هرم عالم اللاهوت { مقام الاسم العظيم { الله }. وهناك قمّة الكمالات الإلهية. الحديث القدسي:-
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
الكنز إشارة إلى الذات العليّة جلّت عن التسمية أو الوصف. ومقام أول التجلّي العظيم هو عند قوله تبارك وتعالى { مخفيّاً } هنا قمّة الكمال والجمال والجلال. و عندما أُريد أن تتمثل هذه القمّة، أن تظهر إلى عالم اللاهوت، أن يكون لها { مثل } تجلّت إلى مقام الاسم العظيم
{ الله } فالاسم العظيم { الله } هو المثل الذي ليس له من هو كفؤ له:
{ قل هو الله أحد الله الصّمد لم يلد ولم يُولد
ولم يكن له كُفؤاً أحد }
صدق الله العظيم
{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }
[11الشورى]
هنا لطيفة من اللطائف وسر من أسرار الألوهية ينجلي:
أنك لا تسمع وقع أقدام التجلي متماثلة. فكل قدم مباركة ليس لها مثيل. وأنك لا ترى لأي صورة من صور التجلي شبيه. وهذا هو الكمال بعينه. فالكامل لا يكرر نفسه، إنما هو:
{ كل يوم هو في شأن }
و أول التجلّي من عالم اللاهوت أول تجلّي الاسم العظيم { الله } عزّ وجلّ هو إلى مقام الحقيقة المحمدية المشرّفة.
وهو مقام المحبّة الخالصة الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فأحببت }
وهو مقام قمّته عند ساق العرش في عالم اللاهوت. وقاعدته هي المقام الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى :
{ أن أُعرف } وهو مقام انبعاث أنوار النبوّة المشرّفة .
الحديث الشريف:
( أول ما خلق {الله} نور نبيّك يا جابر )
ثمّ يأتي المقام الّذي أشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فخلقت الخلق }
هنا ظهر عالم الملكوت: وهنا خُلقت الملائكة المكرّمين. وهم مخلوقون من أنوار النبوّة المشرّفة. عبادتهم التسبيح بحمد المَلِك السُبُوح القُدوس ربّ الملائكة والروح. وعملهم هو الصّلاة على مقام النبوّة المشرّفة. قال تبارك وتعالى:
{ إنّ الله
وملائكته
يُصلّون على النّبيّ
يا أيّها الّذين آمنوا
صلّوا عليه وسلّموا تسليما }
[56 الأحزاب]
ثمّ يأتي مقام عالم المُلك وهو الّذي أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى :
{ فتعرّفتُ إليهم }
الحديث الشريف :
( كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين )
حتّى إذ ما تمّت التسوية تجلّت النبوّة المشرّفة فبُعث محمد بن عبد {الله} النبي عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم رحمة للعالمين ليعرّفهم ب{الله} الحيّ القيوم. ومقام الرسالة المشرّفة هو ما أُشير إليه بقوله تبارك وتعالى:
{ فبي عرفوني }
الحديث عن الذات الإلهية العظمى هو الحديث عن الكنز المخفي في عالم الخفاء المطلق، عالم البهموت الذي ليس للعقل البشري أن يخوض فيه. ذلك لأن وسائله للإدراك إنما هي الثنائيّة. ولا ولن تتحقق الوحدانية بالعقل. وإنما لتقف على أول عتباتها لا بُدّ من توقف العقل توقّفاً كاملاً. وحينئذ يكون السير بالقلب.
قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي :
{ ما وسعتني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن }
قال تقدّست أسماؤه :
{ فأحببت أن أُعرف }
أحب : والحب لا يكون إلا بين طرفين على أقل تقدير . و{لله} المثلُ الأعلى؛ أحبّ فتجلّى فظهر. ولا يكون تجلّي أو ظُهور إلاّ بمن هو ظاهر ومن
يوسف هاشم محمد نجم- عضو جديد
- عدد الرسائل : 9
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 15/09/2011
تابع صلاة الإسلام (السبع المثاني )
السبع المثاني
قال {الله} تبارك وتعالى في محكم تنزيله:
{ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني
والقرآن العظيم }
[87 الحجر]
فما هي هذه السبع المثاني؟
سبق أن ورد بأن تجليات الخالق عزّ وجلّ تعتمد سبعة أبحر يعتمل عليها قانون الخلق. فما من شيء إلا وهو مسبح بالحمد {لله}:
{ تسبّح له السّماوات السّبع
والأرض
ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسّبح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنّه كان حليماً غفورا }
[44 الإسراء]
وكلمة ( سبح ) في درجة من درجات معانيها السبع، تعني ( صلى ) التي هي بدورها في درجة من درجات معانيها السبع تعني ( وصل ) التي هي بدورها في درجة من درجات معانيها السبع تعني
( أقام ) و الصلة ب{الله} تعني السير المستمر في طريق الرجعى إلى من إليه كل وجميع الخلق راجعون ، ملاقون ، ومنتهون .
و السير إلى {الله} العزيز المقتدر هو تقلب في منازل القرب من {الله} والمعنى: ارتقاء درجات مرقى الاستقامة ومقامات ميزان الحق والعدل.
و المسار يكون على طريق لولبي مكون من سبع حلقات مفتوحة: بمعنى أن كل حلقة توشك بدايتها أن تصل إلى نهايتها لا تنغلق وإنما تعلو سمتاً لتصير إلى حلقة أخرى. وأن كل حلقة هي بدورها سبع حلقات لولبية وكل حلقة منها هي أيضاً سبع حلقات. وهكذا إلى ما لا نهاية يمكن أن تدرك. هذا هو سمت الطريق إلى {الله} كما يخطر على البال.
وما يخطر على البال لا يمكن أن يتعدى المظاهر وذلك لأن الأداة المستعملة هي العقل.
والعقل أداة تعتمد الثنائية.
أما الكنه والجوهر فلا سبيل للعقل إليه.
( كل ما خطر ببالك ف{الله} خلاف ذلك )
هذا الطريق المرتحل فيه ابتغاء وجه الكريم المتعال تدق دوائره اللولبية، وتدق حتى وكأنها تتلاشى.و هي بالفعل في عين العقل تتلاشى حين تصير إلى دقة تتخطى قدرة العقل على الإدراك طالما أنه متحرك.
ولعل ما يمكن أن يساق مثلا لذلك من الحياة العادية المألوفة لدى الجميع هو أن هناك أشياء لا تستطيع العين المجردة من رؤيتها، فإن أرادت رؤيتها لا بد لها من الاستعانة بالعدسات المكبرة كما يجري في مختبرات الفحص الطبي.
وقس على ذلك قصور إمكانيات بقية الحواس على إدراك المحسوس.
الأذن مثلا : هناك أصوات ذات ذبذبة عالية لا تستطيع سماعها كما أن هناك أصوات ذات ذبذبة منخفضة لا تستطيع الأذن أيضاً من سماعها. فإذا ما توقف العقل عن الاعتراك، استسلم واعترف بعجزه عن الإدراك رفع عنه حجاب الثنائية وفتح له باب التفرد فاحتد البصر واستطاع رؤية ما لم يكن يقدر أن يراه وهو مغلول بجنازير الحدود.
فما هي السبع المثاني :
لعل ( السبع المثاني ) وعلى قمة درجات سلم معانيها اللولبية السبع تعني :
{1} *سورة الفاتحة:
{ بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين (2)
الرحمن الرحيم (3)
مالك يوم الدين (4)
إياك نعبد وإياك نستعين (5)
اهدنا الصّراط المستقيم (6)
صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم ولا الضّالين (7) }
ولعلها تعني :
{2} * النفوس السبع:
الأمارة (1)
الـلـوامـة (2)
الــمــلــهــمــة (3)
الـــمـــطـــمـــئـــنـــة (4)
الــراضــــيــة (5)
الـمـرضـيـة (6)
الكاملة (7)
و كل نفس من هذه النفوس السبع تنطوي على درجات من النفوس سبع. وهكذا إلى ما لا نهاية استقرار يمكن الوقوف بمقام تحقيق لها.
ولعلها تعني :
{3} *سماوات الجسد السبعة :
و تلك هي الأطراف الموجبة من أقطاب الجسد السبعة.
وأقطاب الجسد السبعة هي:-
الوجه من الرأس (1)
باطن كف اليد اليسار (2)
باطن كف اليد اليمنى (3)
ركبة الرجل اليسار (4)
ركبة الرجل الأيمن (5)
باطن القدم اليسار (6)
باطن القدم الأيمن (7)
ولعلها تعني :
{4} *أراضي الجسد السبع :
وهي الأطراف السالبة من أقطاب الجسد السبعة.
وكل قطب من هذه الأقطاب السبعة ينطوي على خصائص جميع الأقطاب السبعة ، بل ينطوي القطب الواحد على خصائص الجسد كله . وذلك كالبذرة التي تنطوي على خصائص الشجرة .
ولعلها تعني :
{5} *الحواس السبع :
السمع (1)
البصر (2)
الشم (3)
الذوق (4)
اللمس (5)
الفؤاد (6)
القلب (7)
تلك كانت خمس سباعيات من السبع المثاني. وتبقى اثنتان.
{6} فلعل السباعية السادسة هي درجات تقلب الفؤاد السبع ( الحاسة السادسة ) في إبحاره عبر بحور علم اليقين .
{7} أما السباعية السابعة فهي بحور الحياة السبعة التي انطوى عليها القلب(الحاسة السابعة)
بعد ذلك يكون استواء القلب على عرش حقيقة اليقين، محققاً وممتلئاً بالقيمة المطلقة، دالاً دلالة قيومية الحي القيوم بما تفيض به كلمة التوحيد:{ لا إله إلا الله }التي جمعت القرآن العظيم.
هذا ما لعلنا قدعرفناهـ من معني يتعلق بالسبع المثاني :
{ ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلا بما شاء
وسع كرسيّه السّماوات والأرض
ولا يئوده حفظهما وهو العلىّ العظيم }
[255 البقرة]
ونعود للسؤال :
لماذا سورة الفاتحة في بداية كل ركعة ؟
ولماذا قراءة القران في الصلاة عند الوقوف الأول من كل ركعة ؟
بين يدي الإجابة على هذا السؤال نتساءل أولاً عن [ التجلي ]
ما هو التجلي ؟
التجلي هو الظهور من الخفاء.
تقول جلا الأمر أي كشفه وأوضحه. وانجلت المسألة أي وضحت. ومنطقة التجلي هي منطقة وضوح. فلا يكون تجلي إلا بوجود شاهد ومشهود.
ويحكى لنا المتجلي صاحب العزة والجلال حكاية مقامات التجلي في الحديث القدسي:
{ كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف
فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني }
من هذا الحديث القدسي العظيم عرفنا مواقع مقامات التجلي و الظهور من خفاء الذات عظيمة العظمات إلى ساحة الأضواء.
1- { كنت }
لعل هذا ما يحكي لنا عن موقع أول التجلي أو ما يمكن وصفه بعقولنا القاصرة بأنه التجلي الأول. وذلك هو عندما جعلت الذات عظيمة العظمات لنفسها اسماً. ومن ثم برز الاسم الأعظم
{ الله }
جلّ جلاله
وهذا موقع ومقام اسم الجلال الأعظم.
ويقع ، إن جاز هذا التعبير ، موطن هذا التجلي الأول بالتسمية بهذا الاسم الأعظم{ الله } فيما قبل تمام هذا الحديث العظيم فيما بين الكاف والنون. وذلك قبل أن يتحدث الاسم العظيم {الله} ليقول : { كنت }
2_{ كنزاً مخفياً }
أما التجلي الثاني فهو عند بدء التحدث عنه وعما كان جل جلاله فقال يصف نفسه وكينونته التي كان عليها من قبل أن يبرز لمقام التسمية. فالصفة العظيمة {لله} الواحد الأحد ذو الجلال والإكرام هي : { كنزاً مخفياً }
وهذا هو موقع ومقام الصفة الجليلة التي لا يعرفها إلا هو. و هي منطقة الغيب الذي لا ولن تعرف فيما دون مقام الاسم الأعظم {الله}.
قال تبارك وتعالى :
{ وما كان الله ليطلعكم على الغيب }
[179 آل عمران ]
{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله
وما يشعرون أيان يبعثون }
[65 النمل]
نقول بمنطقنا العام في تصريف هذه العبارة { كنت } عندما نسمعها من أي واحد منا نقول
( كان ) فعل ماضي ناقص. و ( التاء ) ضمير المتكلم في محل رفع فاعل. هذا عندما نحن نتحدث. أما عندما يكون المتحدث هو {الله} جل جلاله فإن عبارة:
{ كنت }
إنما تحكي عن كيان مكون مستمر التكوين بلا بداية نستطيع إدراكها وبلا نهاية نقدر أن نتصورها.
والكلمة المباركة من حديث ذو الجلال والإكرام { كان } من عبارة { كنت } يجب أن تصرف بأنها فعل مطلق مبتداه التجلي الأول للذات الإلهية عظيمة العظمات، وفعل حاضر شاهد ومشهود، وفعل مستقبل مطلق منتهاه عند من إليه المنتهى جل جلاله في آن واحد.وهذه هي صفة حياة الرب واسم {الله} تبارك وتعالى في هذا المقام هو {الإله}
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا }
3- { فأحببت } هذا هو التجلي الثالث. وهو انفعال الاسم الأعظم:
{ الله } بالحب : بذاته في ذاته و لذاته جل جلاله .
{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا }
[26 الجن ]
{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}
[59 الأنعام ]
واسم {الله} تبارك وتعالى في هذا المقام هو { الحي}
ومن هذا الاسم انبثقت وانطلقت الحياة على بساطٍ أرضه المحبة وسماؤهـ الضياء.
4- { أن أُعرف }
هنا تبلورت المحبة فصارت البسط سائدة على مقام المعرفة. وهذا هو التجلي الرابع. وهنا تم التعريف والشهود العالم. وهذا هو عالم القيومية واسم {الله} هنا هو: { القيوم}.
5-{ فخلقت الخلق }
وظهرت الشهادة وتبلورت في هذا القرآن العظيم الذي شمل كل وجميع ما كان وما هو كائن وما سيكون. وهذا هو التجلي الخامس. وهو عالم العلم . واسم {الله} هنا هو {العالم}
6- { فتعرفت إليهم }
هذا هو عالمالإرادة الحكيمة التي صورت ووفق التصوير تم التخطيط لواقع بناء المعارج في طريق العودة إلى من لا حول ولا قوة إلا به وإليه راجعون . وهو التجلي السادس. وذلك ببروز القدرة وتنفيذ الإرادة إلى واقع المحسوس. واسم {الله} هنا هو : { المريد}
{ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك }
[49 هود ]
7-{ فبي عرفوني }
هذا هو التجلي السابع. وفيه اكتمال القدرة وتحقيق أسمى انفعالات المحبة. وذلك بتحقيق الغاية المطلوبة والمشار إليها في العبارة الكريمة :{ فأحببت أن أعرف }
وهنا يشهد رب العزة والجلال بنفسه ولنفسه بأنه هو {الله} الإله الحي القيوم العالم المريد القادر فيقول في نهاية الحديث القدسي :
{ فبي عرفوني }
وهذه العبارة الكريمة { فبي عرفوني } هي نهاية الحديث الذي لا نهاية له. ذلك لأن كل دورة تدور على مراحلها السبع لا تنغلق في نهاية مطافها وإنما هي تضيق وتضيق حتى كأنها تتلاشى وعندها تنفتح من جديد إلى دورة جديدة على مراحل سبع أخريات. و هكذا يكون السير سرمدياً لا نهاية له: صادر منه جل شأنه عائد إليه تبارك وتعالى في صلة متجددة لا تنقطع ولا تتكرر صفاتها. فهو جل جلاله هو كل يوم في شأن ولا يلهيه شأن عن شأن. هو الإله الحي القيوم مالك الملك ذو الجلال والإكرام.
ولما كانت الصلاة مفاعلا للصلة بالرب المتربع على عرش البعد الرابع وصفة الاسم هنا { مالك يوم الدين}، الحديث: ( الصلاة صلة بين العبد وربه )
وهذه تبيان لقوله تعالى :
{من كان يريد العزّة فلله العزّة جميعا
إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصالح يرفعه }
[ 10 فاطر ]
ومعلوم أن الكلم الطيب هو القرآن الكريم وأن العمل الصالح مبتداه ومنتهاه الصلاة، فإن قراءة القران في الصلاة هي معامل انطباق الحس بالمعنى. هي معامل الخروج من الثنائية إلى الوحدانية التي فيها وبها يمكن بلوغ مقام الفردية المحمودة المحققة لروية وجه الكريم العزيز المتعال. قال محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
وكما أن الطريق الحسي { الصلاة } هو مسار لولبي يعتمد مراحل حركة سباعية تدق وتدق حتى تتلاشى عن عين العقل، فإن الطريق المعنوي { القرآن } هو كذلك يعتمد مراحل سباعية في العلم تدق وتدق حتى تعجز مواعين اللغة عن الإفصاح عنه فتنتهي الكلمات الفصيحة ويكون المجال إلى الإشارة. وهذه هي الحروف التي استهلت بها بعض سور القرآن الكريم.
ولأن صيرورة السير لا تكون إلا والسائر قائماً على رجلين، لذلك كان الوقوف قائماً هو أول حركات الصلاة. ولهذا كان النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يصلي الليل قائماً حتى تتورم قدماه الشريفتين. ولقد كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يحتفل بقدوم وقت الصلاة حتى إذ جاءت الصلاة قال لبلال رضي {الله} عنه :
( أرحنا بها يا بلال )
أما سورة الفاتحة فهي ، وكما سميت ، هي فاتحة القرآن العظيم. هي المفاتيح السبعة لمغاليق بحور المعاني السبعة للقران العظيم. لذالك هي أعظم سورة في القرآن الكريم.
وذلك لأنها تحتوي على جملة القرآن. فالقرآن مشمول فيها. وإن جاز لنا أن نضرب لذلك مثلاً؛و{لله} المثل الأعلى، يمكن القول بأن اشتمال سورة الفاتحة على جملة القرآن كاشتمال الدستور على جملة القوانين. وعليه يمكن القول بأن هذه السورة العظيمة هي دستور القرآن كما أنها هي مفتاح مغاليق القرآن. ولو أننا تصورنا أن شكل بنيان القرآن على صورة هرم، فإن سورة الفاتحة هي القمة الرفيعة لهذا الهرم.
كذلك الحال مع سورة الفاتحة نفسها. فهي أيضاً هرم تتربع على قمته الآية الكريمة:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
وعليه فإن أعظم آية في القرآن العظيم هي:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
وهذه الآية العظيمة هي أيضاً هرم على قمته الاسم الأعظم:{ الله }
هذا الاسم الأعظم هو أول تجلي الذات العليّة. وهو الذي تكلم فقال :
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
لذلك فإن الصلاة لا تكون بغير سورة الفاتحة تُفتتح بها كل ركعة من ركعات الصلاة.
اقرأ معي هذه السورة وفي الذهن أنها المفتاح :
{ بسم الله الرحمن الرحيم *
الحمد لله ربّ العالمين *
الرحمن الرحيم *
مالك يوم الدين *
إياك نعبد وإياك نستعين *
اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالين *}
ولقد أثر عن النبي الكريم أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كان يقدم الدعاء على سورة الفاتحة. ومن أمثلة ذلك قوله :
( اللهم باعد بيني وبين خطاياي
كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد )
ولعل في ذلك استجماع للنفس وتذكيرها بخطاياها وذلك لأن أول مراحل انفعال النفس هو الأمر بالسوء والكبر ولذلك كان أول أسمائها السبعة هو :
[ النفس الأمارة ]
فإذا قرأت القرآن فاستمع له وأنصت فإن {الله} تبارك وتعالى يكلمك مباشرة بلا واسطة بينك وبينه إلا واسطة عقلك الذي يُحجب عن وحدانية المتكلم بثنائية المستمع. فإن قيض {الله} لك أن تنصت وذلك بتوقف عقلك عن الزوغان ، رُفعت الواسطة فكشف الغطاء عن القلب فرأيت وجه {الله} . قال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( ليلة عُرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
( انتسخ بصري في بصيرتي ): هذه قال عنها {الله} تبارك وتعالى :
{ ما زاغ البصر وما طغى }
[17 النجم]
العقل هو المستمع و القلب هو الذي ينصت.
ولن يتأتى للقلب أن ينصت إلا إذا انفك عقال العقل عن عقدة الثنائية
واستقر بندوله على الوسط المستقيم.
هذه السورة العظيمة هي ليست مفتاح الصلاة فحسب، وإنما هي مفتاح الحياة الحقيقية. حياة الفكر وحياة الشعور وحياة المعترك المادي الكائن في اللحظة الحاضرة. قال رسول المحبة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( الفاتحة لما قرأت له )
المثاني السبع :
علمنا مما تقدم أن عددها سبع. فكيف هي مثاني ؟
فلنبدأ بسورة الفاتحة.
هي سبع آيات عظيمات تكوّن في مجملها أعظم سور القرآن الكريم.
كل آية منها لها قطبين. قطب موجب وقطب سالب.
ولا يكتمل حصاد منتجها إلا عندما يلتحم موجبها بسالبها.
وذلك كما هو معلوم في منتج الكهرباء. فعند التقاء القطب الموجب بالقطب السالب يتم التزاوج ويكون مولود ذلك منتج طاقة الضوء وطاقة النار وطاقة الحركة.و حتى تتبلور هذه الطاقة وتأخذ شكلا معلوما نعمد إلى وضع مصباح عند نقطة التلاقي فتتحول الطاقة إلى نور. أو نضع محركا فتتحول الطاقة إلى حركة. أو نضع سلكا قابل للاشتعال فتتحول الطاقة إلى نار حارقة.
وإن جاز لنا أن نسمي هذين القطبين، يمكننا تسمية القطب الموجب بالقلب والقطب السالب بالعقل.إذن فكل آية كريمة لها قلب كما أن لها عقل.وهذا هو معنى كلمة مثاني.
وقد قيل أن قلب القرآن في جملته هو سورة [يس] و [يس] لها قلب وهو الآية:
{ سلام قولاً من ربّ رحيم }
القلب وهو القطب الموجب يحمل طاقة عطاء من معنى العلم المطلق الذي ينتهي عند {الله} حين لا حين وحيث لا حيث. أما العقل وهو القطب السالب فيحمل طاقة تلقي من معنى العلم المقيد الذي يمكن إدراكه.
{ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }
[255 البقرة]
{ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض
فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }
[33 الرحمن]
ولا يتم كمال التقاء قطبي الآية الكريمة إلا في الصلاة والمصلي واقف على قطبيه الملتحمين بالأرض ولعل المصباح الذي يضيء عند التقاء قطبي الآية هو الجسد:
{وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }
[204 الأعراف]
أما النور الذي يشع من الجسد فهو هذه الرحمة وهو مكارم الأخلاق، وهو الاستقامة.
الآية الكريمة :
{ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون }
[79 آل عمران]
والحديث الشريف :
( تخلقوا بأخلاق {الله} إن ربي على صراط مستقيم )
ولعل نقطة تلاقي قطبي الآيتين الكريمتين المذكورتين أعلاه (255 البقرة) و (33 الرحمن) هي عند
{ إلا } نسبياً كما في عبارة التوحيد :
{ لا إله إلا الله }
وإن أنت أمعنت النظر إلى سورة الفاتحة تجدها في مجملها تقوم على قطبين. القطب الموجب يتصعد من أوسطها إلى أعلاها. والقطب السالب يتدلى من أوسطها إلى أدناها. القطب الموجب هو قوله تبارك وتعالى :
{ بسم الله الرحمن الرحيم *
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم }
ولعل إيجابية هذا القطب الموجب تأتي من هذه الشحنة العالية من الرحمة. فهو يبدأ باسم {الله}: { الرحمن } وصفته: { الرحيم } وينتهي إليه:{ الرحمن الرحيم }
أما القطب السالب فهو قوله تبارك وتعالى:
{ إياك نعبد وإياك نستعين *
اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
ولعل خصائص هذا القطب السالب تأتي من هذا الانكسار وهذا الاستعطاف وهذا الاعتراف الكامل بأنه لا حول ولا قوة إلا ب{الله}. فهو المعبود وهو المعين على العبادة و هو المنعم. هو الهادي وهو الذي يضلل .
ونقطة التقاء هذين القطبين الكريمين هي قوله تبارك وتعالى:
{ مالك يوم الدين }
هنا تلتقي الأرض بأسباب السماء فتشرق بنور ربها. يتقدس اسم الرب وتكون مشيئته كما في السماء كذلك علي الأرض.
وينادي المنادي : لمن الملك اليوم ؟ .
وتجيء الإجابة محققة علي أرض الجسد:
{لله}
الواحد القهار
أقطاب الجسد السبعة:
الوجه من الرأس (1)
باطن كف اليد اليسار (2)
باطن كف اليد اليمنى (3)
ركبة الرجل اليسار (4)
ركبة الرجل الأيمن (5)
باطن القدم اليسار (6)
باطن القدم الأيمن (7)
هذه سبع فكيف هي مثاني ؟
كل قطب من هذه الأقطاب له طرفين. طرف موجب وطرف سالب.
*1- الوجه من الرأس :-
الطرف الموجب هو الغرة ( الجبهة ) . أما الطرف السالب فهو الأنف .
ولا تكتمل فاعلية الالتحام بالأرض عند الحركة الرابعة والسادسة من الركعة الواحدة ( السجود ) ما لم تكن الجبهة والأنف معاً على الأرض.
*2- و *3- كف اليد:
تنقسم كف اليد إلى قسمين . القسم الأعلى هو الطرف الموجب وهو الذي به الأصابع الأربعة المستقيمة الممتدة . وإصبع السبابة يعتبر رأس هذا الطرف الموجب .
أما القطب السالب فهو قاعدة الكف ويعتبر إصبع الإبهام هو رأس هذا القطب.
وتعجّب فإن الخط الفاصل بين الموجب والسالب على بطن الكف يسميه علماء قراءة الكف
( خط الحياة)
وكما سبق ذكره فإن القطب الواحد من أي من المثاني السبع يحمل خصائص جميع الأقطاب الأخرى. وكما أن سورة الفاتحة تحتوي بنيان القرآن جمعاً، فإن أي قطب من أقطاب أراضي الجسد السبع يحتوي على خصائص وأسرار الجسد في مجمل بنيانه .
والكف يعتبر من أميز الأقطاب السبعة توضيحاً وإجلاءً لأسرار الجسد. ومن أوتي علماً ومقدرة على قراءة الكف يمكنه الكشف عن مكنون أسرار الجسد.
والكف له مميزات كثيرة على الأقطاب الأخرى. وعلى سبيل المثال وليس حصراً نذكر أنه يرفع عند الدخول إلى حضرة الصلاة. كما أنه يرفع عند أداء القسم. وهو الذي يُمد عند السلام. وكذلك يُمد للعطاء وللأخذ. و من أعجب أسرار هذا الكف هو أنه عندما يلتحم رأس قطبه الموجب
{ السبابة } برأس قطبه السالب { الإبهام } يكوّن شكل الكف الاسم الأعظم: { الله}.
تقرأها في كف اليد اليمنى ، وهي قطب موجب ، من على ظهرها ، ويكون وضعها وكأنها تنبعث منك إلى خارجك . وتقرأها في كف اليد الأيسر، وهي قطب سالب، من على بطنها ويكون وضعها وكأنها تعود إليك.
*4- و *5- الركبة:
الطرف السالب لها هو جانب غطائها الذي يلامس الأرض عند السجود أولا . أماالطرف الموجب فهو الذي يلامس الأرض عند السجود لاحقا.
*6- و *7- القدم:
الطرف الموجب هو أعلى القدم ناحية الأصابع الخمس .
أما الطرف السالب فهو الكعب ويسمى العقب .
ولعل خير ختام للحديث عن حضرة الوقوف هو أن نتعرض لصلاة الجماعة :-
صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة كما نلاحظها اليوم لا تؤدى بالصورة المطلوبة ومن ثم تفقد ميزتها بأنها تبز صلاة الفذ بسبعة وعشرين درجة.
فبالرغم من توجيه الإمام الحكيم للمصلين بأن يحاذوا المناكب ويسدوا الخلل بينهم، إلا أننا نلاحظ أن الأفراد يصطفون وكل واحد منهم وكأنه يتحاشى الالتصاق بأخيه ومن ثم يكون كل واحد منهم وكأنه يصلي لوحده . أرأيت لو أنك تقوم ببناء جدار بأن ترص اللبنات كل واحدة بعيدة عن الأخرى ثم لا تسد الفراغات بينهم بمادة البناء التي تجمع وتشد اللبنات بعضها إلى بعض ، فهل يقوم البناء؟
كذلك هذا ما يجب أن يكون في صلاة الجماعة. الفرد بجانب أخيه كتفاً بكتف والقدم اليمنى بطرف قطبها الموجب ملتصقة بالقطب السالب من قدم أخيه اليسار. وبهذا ينطبق القول الشريف بأن الجماعة كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. ويتم ذلك بكون أن مجموع الأفراد في الصف الواحد تكتنفهم دائرة [ حياتية ] كهرومقنطيسية واحدة. فيكون تيار الطاقة الحياتية جامعاً لهم وكأنهم وحدة واحدة. فمن كانت طاقته الفردية ضعيفة انسابت إليه فوائض ممن كانت طاقته قوية . وبذلك يكون بنيانهم قائماً على نسق موزون.
ومثل آخر نضربه لمسألة صلاة الجماعة : أصابع البطاريات الجافة
كل واحدة على حدة طاقتها واحد فولت. فإذا وضعت عدد عشرة أصابع الواحدة بجنب الأخرى يظل الفولت واحد لكل واحدة.
فإذا قمت بتوصيل الأقطاب الموجبة العشرة بسلك واحد ثم عمدت إلى الأقطاب السالبة العشرة فوصلتها ببعضها بسلك واحد صار لديك بطارية واحدة بطاقة عشرة فولتات .فإذا جمعت السلكين إلى مصباح تحصلت على إضاءة بقوة عشرة فولت.
{حركة الصلاة الثانية }
2- حضرة الركوع :-
وهي الحركة { الحضرة } الثانية من حضرات الركعة الواحدة من الصلاة.
و الملاحظ أن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد، ومنه أخذت اسمها. وهو بمثابة رأس الرمح المتجه نحو الهدف من الصلاة وهو الاستسلام الكامل لرب السماوات والأرض. وليكون الركوع صحيحاً يجب أن يلتحم غطاء الركبة بباطن راحة اليد. و في ذلك يكون ثالث مراحل التجميع والشحن للطاقة المنتشرة على أنحاء الجسد تمهيدا للتخلص من الفائض منها عند بلوغ الحركة السابعة من الركعة.
ولقد ورد أعلاه أن أقطاب الجسد السبعة تعتبر منافذ طاقة موجبة مقابل طاقة الأرض السالبة. وبوضع باطن راحة الكفين على غطاء الركبتين يكون التحام أطراف موجبة بأطراف سالبة لتركيز الطاقة.
أضف إلى ذلك، وفي الذهن تلك الهالة حول الجسم والتي وصفناها بأنها طاقة الروح، أن حركة الركوع تؤدي إلى تحريك موجات هذه الهالة الكهرومقنطيسية التي تلف الجسد كالقميص بين مد من ناحية الدبر (الظهر) من الكعبين إلى الجبهة ، وجزر من ناحية القبل من الأنف إلى أخمص القدمين، وفي ذلك تمهيدا للجمعية الكبرى عند السجود.
هذا ما يجري من الناحية المادية عند الركوع . أما الناحية المعنوية لذلك فلا يخفى مدلول أن ينحني الواحد منا للآخر، فذلك فيه ما فيه من احترام وانكسار وتقديس وتوقير . ويتم ذلك للراكع وهو يردد ثلاثاً القول :
سبحان ربي العظيم
أو :
سبحان {الله} وبحمده سبحان {الله} العظيم
وفي ذلك تنشيط لذاكرة العقل وتذكير له بأن العظمة والجبروت هي {لله} وحده لا شريك له فيتواضع وينكسر وفي ذلك تمهيدا وتدريجا له ليحقق الغاية من الصلاة بالاستسلام الكامل والتوقف عن ادعاء العلم والقدرة فيقال له :
{ أعرض عن هذا }
ويقال للنفس :
{ استغفري لذنبك }
{الحركة الثالثة للصلاة}
3-حضرة الوقوف الثاني ( الرفع من الركوع )
وذلك فيه رجوع إلى حالة ما قبل الركوع وهي حالة الاستقامة والاعتدال. و الملاحظ أن الركعة الواحدة يكون الوقوف فيها مرتين أو يمكن القول بأن حركة الوقوف فيها على مرحلتين
{ حضرتين } . الحضرة الأولى تم بيانها عند الحديث عن الوقوف الأول الذي يُقرأ فيه القرآن مفتتحاً بسورة الفاتحة .
أما عند الوقوف الثاني فيقول المصلي :
[ سمع الله لمن حمده ]
فيقول :
[ اللهم ربنا ولك الحمد ]
فإن أضاف : -
[ حمداً كثيرا طيباً مبارك فيه ]
تفتحت مواعين التلقي عنده وأصبح مستعداً للدخول على حضرة السجود.
وعند الوقوف الثاني يعود المصلي إلى ما كانت عليه هيئته في حالة الوقوف الأول فيعيد كفا يديه إلى صدره فوق موضع القلب وتلك محاولة أخرى لتثبيت القلب ومنعه عن الزوغان. فإن استشعر المصلي وكأنه يضم نفسه إليه، أوشك أن يدخل في حالة من الوجد والهيام والشوق لملاقاة الحبيب الأعظم . بعدها يخر ساجداً.
الشاهد أن الركعة الواحدة ذات السبعة حركات منها حركتين (حضرتين ) وقوف.
ومنها حركتين (حضرتين )سجود.ومنهاحركتين (حضرتين) جلوس . وركوع واحد.
ولعل أن ما يجري في حركة الدنو فالتدلي إلى النزول داخل حرم الحضرات الثلاث :-
{1} حضرت الوقوف
{2} حضرت السجود {3} حضرت الجلوس
هو ما تحكي عنه الآيات الحكيمات من سورة النجم:
{والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى*وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحيٌّ يوحى*علّمه شديد القوى*ذو مرّة فاستوى* وهو بالأفق الأعلى*ثم دنا فتدلّى* فكان غاب قوسين أو أدنى*فأوحى إلى عبده ما أوحى*ما كذب الفؤاد ما رأى*أفتمارونه على ما يرى*ولقد رآهـ نزلة أخرى*عند سدرة المنتهى*عندها جنّة المأوى*إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى*لقد رأى من آيات ربه الكبرى*}
[18 النجم]
4- حضرة السجود الأول:
هذه أول مراحل القرب :
( أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد )
وحركة السجود يجب أن تتم على الوجه الصحيح الذي يرجى منه تحقيق النتائج المأمولة.
فيجب أن يكون أول الواصلين إلى الأرض هما الطرفين الموجبين للكفين.
يلي ذلك و على التو الطرفين السالبين للكفين.
حتى إذ ما استقر الكفان على الأرض وهما مبسوطتان في اتجاه مركز الأرض ( القبلة ) لحقت بهما الركبتان.
وأول الأطراف من الركبتين وصولاً إلى الأرض هماالطرفين السالبين.
وعند وصول الطرفان الموجبان من الركبتين إلى الأرض يكون المصلي قد وضع رأسه علي الأرض فالتحم طرفا الوجه ( الجبين والأنف ) بالأرض في نفس الساعة.
هنا يتم لعدد ستة أقطاب من أقطاب الجسد السبعة اكتمال دائرته الكهرومقنطيسية الصغرى وذلك بتوصيل الطرف الموجب منه بالطرف السالب والوسيط هو الأرض.أما القطب السابع فهو ملتحم بطرفه الموجب ( أصابع القدمين ) بقطب الأرض السالب . وبذلك تنغلق دائرة الحياة بالتحام الجسد في مجمعه كقطب موجب بقطب الأرض السالب.
وبذلك تكتمل الدائرة الكهرومقنطيسية ويتم جمع شتات الطاقة الحياتية ( الروح )وتلتف حول الجسد في حالة قبض تحتضنه كما يحتضن الرحم الجنين عند المخاض يريد له الخروج إلى حياة جديدة.
ولمراجعة وضعية السجود الصحيح نجد:-
أ - قطب الوجه على الأرض بطرفيه ( الجبين والأنف ).
ب- قطبي كف اليدين و أطرافها مجتمعة علي الأرض.
ج-قطبي الركبتان وأطرافها مجتمعة على الأرض:
{ هنا يجب التنبيه إلى وجوب أن يكون وضع الركبة على الأرض بحيث يكون كامل غطاء الركبة على الأرض ولكي يتم ذلك لا بد للفخذ أن يكون عمودياً بزاوية مقدارها 90 درجة و إلا فلن تكتمل الدائرة الصغرى للركبة }
د- قطبي القدمين وهما موصولتان بالأرض بالأطراف الموجبة فقط :
{هنا يجب ملاحظة وضعية القدمين. فلو أنهما لا تلتحمان بالأرض بباطن منطقة الأصابع والأصابع متجهة إلى القبلة ، فلن يتم اكتمال الدائرة }.
وإلى ذلك أشار الحديث الشريف :
( رب مصل لم يقم الصلاة )
الملاحظ أن جميع أقطاب الجسد السبعة ملتحمة مع الأرض، كل قطب بطرفيه الموجب والسالب وبذلك يعتبر كل قطب وكأنه دائرة مستقلة مغلقة. هذا ما عدا القدمين فهما ملتحمتان بالأرض بالطرفين الموجبين فقط، فكأن الجسد ملتحم بقطب الأرض السالب بطرفين موجبين تجمع عند هما فائض الطاقة في محاولة الانسياب نحو مركز الأرض السالب. هنا يبدأ التفريغ ولا يكتمل.
وإنما يكون اكتماله عند الجلوس الأخير وسيأتي تفصيل ذلك.
يقول المصلي ثلاثاً وهو ساجد:
[ سبحان ربي الأعلى ]
وفي ذلك تذكير للعقل ومحاولة إقناعه حساً بوضعية الرأس على الأرض، ومعنى بأن العلو والجبروت إنما هما من صفات الرب .
5- حضرة الجلوس الأول ( الرفع من السجودالأول ) :-
والجلوس الصحيح هو أن يجلس المصلي على رجله الأيسر مفرودة تحته وجميع أقطابها الموجبة والسالبة معزولة عن الأرض .
وما يكون موصولاً بالأرض هما الطرف الموجب لقطب القدم اليمنى بباطن منطقة الأصابع ، والطرف السالب للركبة اليمنى .
وهذا وضع تجمعت فيه جميع أطراف الجسد السالبة في مركز واحد هو طرف الركبة اليمنى السالب كما تجمعت فيه جميع أطراف الجسد الموجبة في مركز واحد هو طرف باطن الرجل اليمنى من جهة الأصابع الموجب. فكأنما أصبح الجسد كله إلى قطبين وبتلامس الأرض كأنما انغلق الجسد بكله في دائرة واحدة.
هذه حضرة استجابة ولذلك جاءت التوصية النبوية المشرفة بأن يكون فيها الدعاء. فيقول المصلي ثلاثاً :
[ رب اغفر لي ]
وأحسن من ذلك أن يقول:
[ رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ]
وكما في وضع السجود هنا أيضا استمرارية المحاولة للتفريغ.
6- حضرة السجود الثاني:-
السجود الثاني ليس كالسجود الأول ذلك لأنه يحاكي اليوم السادس من أيام الخلق:
{ إنّ ربكم الله
الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
ثم استوى علي العرش
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاَ
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
ألا له الخلق والأمر
تبارك الله رب العالمين }
[54 الأعراف]
ولأن { ثم ّ} تفيد التراخي:
{ ثم استوى على العرش }
وأن الاستواء على العرش كان في اليوم السابع ، ومن ثم فإن السجود الأخير يكون طويلاً بقدر ما أمكن المصلي أن يكون ساجداً .
ولعل هذا يكون مفهوماً وذلك لأن الحركة السابعة من الركعة هي الاستواء على الأرض في الجلوس الأخير.
7- حضرة الجلوس الأخير:-
وفيه يكون تمام الاستواء واكتمال تفريغ الفائض من الطاقة الكهرومقنطيسية. ويكون الجسد قائماً على قسطاس موزون.ولعله يمكن القول بأن لو أُديت الصلاة أداءً صحيحاً حساً ومعنى، فإن الجسد يقوم بعدها حراً معافى كيوم ولدته أمه مولود على الفطرة الأولى .ولعلي أكاد أجزم بأنه لو تمت الصلاة كما يجب فإنها الترياق الشافي لجميع الأسقام مهما كانت مستعصية.
تكون هيئة الجلسة الأخيرة على النحو الآتي :-
يجلس المصلي ومقعده على الأرض.الرجل الأيسر مفرودة تحت ساق قدمه اليمنى وهي أقرب إلى الركبة منها إلى القدم ، والقدم من ظاهره على الأرض وأطرافه معزولة عنها والأصابع متجهة إلى القبلة . وبهذا الوضع تكون أطراف الركبة اليمنى هي أيضاً معزولة عن الأرض. أصابع القدم اليمنى تكون متجهة إلى القبلة بحيث يكون باطن منطقة الأصابع {الطرف الموجب } ملتحماً بالأرض. و عليه فإن الجسد وهو على هذه الهيئة يكون متصلاً على طرف واحد موجب بقطب الأرض الواحد السالب ومن ثم يكون اكتمال تفريغ الفائض من الطاقة فيستوي الجسد موزوناً علي صراط مستقيم.
ولعله يجدر التنبيه إلى وضع الكفين أثناء الجلوس الأخير. فالكفان يجب أن تكونا بحيث يلامس طرفاها الموجبان طرفي الركبتين السالبين. وعند وصول المصلي عند قوله أشهد ألا إله إلا الله يجب رفع سبابة الكف اليمنى ثم تحريكها رفعاً إلى أعلى وإنزالاً إلي أسفل بصورة مستمرة وكأنها تطرق على طرف الركبة اليمنى الموجب حتى السلام. والحكمة في ذلك هي أن الطرق على الطرف الموجب للركبة بالسبابة الموجبة يعتبر عاملاً مساعداً في عملية التفريغ الجارية عن طريق طرف القدم اليمنى الموجب الوحيد الملتحم بالأرض.
هنا حضرة قدس الأقداس حيث تخلع النعلان وتنتهي الثنائية ويتم الدخول إلى حضرة الوحدانية فيلاقي الحبيب حبيبه. يخاطبه يقول :-
( التحيات الطيبات {لله} والصلوات الذاكيات {لله} )
هذه تقابل وتتجاوب مع مجمل القطب السالب من سورة الفاتحة:
{ إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
وهذه التحية والسلام علي {الله} تحقق الاستشعار والشهادة{لله} بالوحدانية المنبعثة من كلمة التوحيد:
{ لا إله إلا الله }
كما تحقق استشعار خضوع ضعف العبودية أمام عزّة وعظمة الرب.
فبعد السلام على الحضرة الإلهية يكون السلام وطلب الإذن للدخول على الحضرة النبوية المشرفة بالشفاعة:
السلام عليك أيها النبي ورحمة {الله} وبركاته
فيكون تكملة الشهادة :
{ لا إله إلا الله محمد رسول الله }
وفي هذا تأكيد للإيمان. ذلك لأن رأس الإيمان هو :
{ أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله }
حتى إذ ما استشعر الرأفة والرحمة تفوح من أعتاب الحضرة النبوية دعا لنفسه ولإخوانه فيقول:
{ السلام علينا وعلى عباد {الله} الصالحين }
ذلك لأن الدعاء في هذه الحضرة النبوية المشرفة، ولمكانتها المكينة عند {الله}، لا يخيب.
ولعل سرعة الاستجابة الفورية تعتمد على قدر الحضور والتأدب.
بعدها يشهد بالتأكيد على اطمئنانه بالوحدانية {لله} وتشرفه بالإتباع لرسول {الله}
فيقول:
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
ومن ثم يستجيب لدعوة المحبة والداعي إليها { الله } سبحانه وتعالى :
{ إن الله وملائكتهُ يُصلّون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلٌوا عليه وسلموا تسليما }
[56 الأحزاب]
فيقول:
( اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
في العالمين إنك حميد مجيد)
فيستشعر الدخول إلى الحضرة الإلهية فانياً عن نفسه حاضراً باقياً ب{الله} متوجهاً بكليته في مواجهة الأنوار.
فإن تم للمصلي القبول وأسبق عليه الفضل تشرف برؤية {الله}.
وتلك رؤية تتم خارج الزمان والمكان في خلوة منقطعة مقدسة مع {الله}:
( ليلة عرج بي أنتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
ولأن هذا الموطن موطن حال وليس بموطنٍ لمقام، يعود منه المصلي إلى موطن الجلوة مع خلق {الله} مبادراً لهم بالسلام فيقول ملتفتاً إلى اليمين ثم إلى اليسار :
السلام عليكم ورحمة {الله}
وهذا عهد وميثاق، عُقد بشهادة {الله}، بأنه سيكون بالناس رءوفا رحيما.
ولعل ما يجري في حضرة الصلاة تحكي عنه هذه الآيات العظيمة:
{ وهل أتاك حديث موسى }
هذه حكاية العقل. فموسى هنا إشارة إليه.
{إذ رأى ناراً}
الرؤية هنا على مستوى الإدراك للمعنى الظاهر هي رؤية بالعين المجردة.
أما على مستوى معرفة المعنى الباطن فهي إشارة إلى الشعور بعين البصيرة التي قُدحت بنار المجاهدة فاحتدت فرأت انبلاج فيض النور فيما حولها.
{فقال لأهله امكثوا}
ندرك أن أهله هم زوجه. وامكثوا تعني ابقوا في مكانكم لا تبرحوه.
وعلى مستوى معرفة المعنى الباطن فأهله هي نفسه المنقسمة بين ظاهر وباطن. بين نفس عليا ونفس دنيا. بعبارة أخرى هي ثنائيته القائمة على تناقض الإيجاب مع السلب الذين يشكلان وسيلة الإدراك لدى العقل.
وامكثوا تعني كفوا عن الحركة والتذبذب بين طرفي النقيض واستقروا على الوسط المستقيم.
{إني آنست ناراً}
و الاستئناس لا يتم إلا بعد انفعال المحبة المبرأة من كل غرض غير وجه {الله}. و هو، أي الاستئناس، يعني انبعاث الشعور الغامر بالفرح لظهور تباشير التحرر من قيد الثنائية.
ولتقريب المعنى فإن هذا الشعور يشبه ما يغشى الزوجين أثناء ممارسة العلاقة الجنسية قبيل القذف.
عندها يكونان في قمة انفعال الشهوة يتحرقان شوقاً لبلوغ ذروة المتعة عند القذف.
والنار هنا تعني تباريح الشوق المنبثقة عن انفعال المحبة لحبيب تراه ولا تلقاه.
{لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى }
قال : قبس أو هدى .
القبس هو طرف من الهدى. يشبه خيط النور الأول من الفجر حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.و الهدى كأنه تمام انكشاف أنوار الصباح المضيء.
وقوله :{ لعلي} توضح مستوى اليقين الذي يعتمل فيه.
فهو في حالة من الشوق على مراكب الأمل. وهذه درجة عين اليقين.
وعندما يجد الهدى يكون قد بلغ به اليقين ذروته فحقق درجة: حق اليقين.
{فلما أتاها نودي يا موسى}
أتاها : تعني بلغ تحقيق استواء الحاسة السادسة وهي الفؤاد.
والفؤاد هو غطاء القلب. وهو ما أشير إليه بغطاء ماء مدين. ورفع الغطاء هو النداء. والمنادى هو القلب.
وهو ما عبر عنه بقوله :
{إني أنا ربك}
قال { ربك } ولم يقل { الله } ذلك لأن المقام هنا مقام الربانية وهي النفس العليا للعبد. هي فرديته التي يتميز بها عن بقية العبيد وموطنها القلب.
يقال: القلب بيت الرب ولا يقال: القلب بيت {الله}. فالرب هو الأنا العليا للعبد. وحتى هذه بلا لطف من {الله}، فإنها موطن للشرك الخفي. فكم من العباد تاه عنها وادعوا كما في حالة الحلاج الذي قال: ما في الجبة غير {الله}.أو لعله قال : أنا {الله} .
ويجيء الأمر للتخلص من شبهة ادعاء الألوهية عند بلوغ استواء الأنا العليا
فيقال له أمراً:
{فاخلع نعليك}
نعليك تعني هذا المقام الذي أنت تدوس عليه. النعال تسمى أيضاً بالمداس. واخلع نعليك تعني تخلى عن أناك حتى يسمح لك بالدخول إلى حضرة ملك الملوك. مالك الملك ذو الجلال والإكرام. وهي ما وصفت بأنها : الوادي المقدس
قال :
{إنك بالوادي المقدس طوى }
[12 طه]
و يجدر التنبيه إلى أنه يجب على المصلى أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني من الركعة الأولى قبل القيام لأداء ركعة ثانية وذلك لتكون الركعة الأولى ركعة مكتملة بحضراتها السبع.
كما يجب التنبيه إلى وجوب أن تكون العينان مفتوحتان طيلة دوام الصلاة والبصر ساقطاً على الأرض عمودياً بزاوية 90 درجة في جميع فترات الحركات السبع للركعة الواحدة.
هذه هي الثنائية التي قامت عليها مراقي الخلق على سبيل الرجعى إلى من إليه راجعون. والصلاة هي على قمة وسائل هذه الرجعى: واسلة وموصّلة.
الوقت مدخلها والطهارة عتبتها.
والطهارة تكون في المعنى بالنيّة الصادقة المؤكدة، وفي الحس تكون بالوضوء.
وكما هو الحال عن الصلاة يكون كذلك عن الوضوء.
الوضوء:
الوضوء هو أيضاً يقوم على ركيزتين. ركيزة في الحس وقد فصّلنا ذلك عند الحديث عن انفعال الجسم وإفرازا ته المختلفة بتعدد أوقات الصلاة. وعليه فإنّ الطهارة الحسيّة هي غسل الجسم بالماء لإزالة الأدران _ الإفرازات الحسيّة.
أما ركيزة المعنى التي يرتكز عليها الوضوء فهي الطهارة بالعلم. وقد ورد سالفاً أن العلم والماء وجهان لعملة واحدة. و أن الاختلاف بينهما في المقدار. فكيف تكون الطهارة المعنوية بالعلم ؟
إن أول مراتب التطهر بالعلم هي أن تُرجع العلم إلى أهله. أن ترد الأمانة لصاحبها. قال تبارك وتعالى :
{ إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماُ جهولا }
[ 72 الأحزاب ]
الأمانة هنا هي الإرادة.
ولا تكون الإرادة إلاّ عن علم، ولعل أنجع وسيلة لرد هذه الأمانة هي الاستغفار. وبالاستغفار تكون الطهارة المعنوية. ففي الوضوء تُغسل الأدران الحسّية بالماء وهذه هي الركيزة الأولى. كذلك تُغسل الأدران المعنوية بالاستغفار. وهذه هي الركيزة الثانية . فكيف يكون ذلك.
إن في فهم كيفيّة عمل العقل البشري في سبيل الإدراك مفتاح لجميع القضايا والمسائل المعلّقة التي لم يتّفق الناس على فهم عام موحد لها. ولعل أهم هذه المسائل هو :-
1- مسألة التسيير والتخيير
2- مسألة الثواب والعقاب
3- مسألة الخلود في النّار
معلوم أن العقل لا يُدرك إلاّ بعد مقارنة يُجريها على نقيضين.
فحلاوة الحُلو لا تدرك إن لم يُطعم المر.
وإن لم تر وضح النور فلن تعرف معنى قتام الظلام.
كذلك الحار والبارد، الأسود والأبيض.. إلى آخر المتضادات المتناقضة.
فبمقارنة النقيضين يقع الإدراك. ومنافذ العقل للإدراك هي الجوارح أو هي الحواس الخمس المعروفة. والجوارح هي أدوات الفعل. والعقل هو بوابة القلب. والقلب له مدخل. ومدخله هو الفؤاد. والفؤاد هو الحاسة السادسة.
قال تبارك وتعالى :
{ ولا تقفُ ما ليس لك به علم
إنّ السّمع والبصر والفؤاد
كلُّ أولئك
كان عنه مسئولا }
[36 الإسراء]
السّمع والبصر إشارة إلى العقل بمداخله الخمس حواس. والفؤاد هو الحاسة السادسة.
الآية :
{ إنّ في ذلك لذكرى
لمن كان له قلب
أو ألقى السّمع وهو شهيد }
[37 ق]
لمن كان له قلب: أي قلب مكشوف عنه غطاءه فهو بذلك حديد البصر.
ألقى السمع وهو شهيد: أي أنه قد بلغ أقصى ما يمكن بلوغه بالحواس الخمس؛ والسمع هنا إشارة إلى العقل؛ فعندئذ أصبح: شهيد بمعنى أن قد حقق كشف الغطاء، بلغ الحاسة السادسة فصار شاهداً عليها.
والنموذج الممتاز لصاحب الحاسّة السّادسة وصاحب البصر الحديد هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
بها ركب البراق.
وبها رأى جبريل عليه السلام وتعامل معه.
وبها بلغ سدرة المنتهى.
ولقد كان في حياته بين الناس يرى ما خلفه دون أن يلتفت عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
هذه الحاسة السادسة هي الفؤاد الذي هو غطاء القلب.والقلب بيت الرّب
{ ما وسعتني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن }
هذه الحاسة السادسة تعمل وفق فيض الأنوار المنبعثة من عقل قد تروّض بأدب الشريعة.
فإن فاض النور من العقل عمّ الفؤاد فانكشف الغطاء.
قال تبارك وتعالى :
{ لّقد كنت في غفلة مّن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد }
[22 ق ]
العقل يدرك فيكتسب معرفة وعلماً. أما الفؤاد فيدرك فينضح بما في داخل القلب من الصفات الربّانية الكريمة. وهو موطن انبعاث المكارم.
فمكارم الأخلاق ليست مسائل عقليّة مكتسبة وإنما هي هبات تبعث من قلب قد اطمأنّ إلى ربّه فامتلأ بالمحبة حتّى فاضت فغمرت من حوله بالمكارم.
وتتكشّف هذه الطبائع والخصال الحميدة بفعل النتائج التي تحققت عن طريق ما أدخلته الحواس الخمس إلى العقل. فبالجوارح تعمل عملاً صالحاً فتُدخل إلى العقل نوراً. وترتكب فعلاً خبيثاً فتُدخل إلى العقل ظلاماً.
قال تبارك وتعالى :
{ كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون*
كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لّمحجوبون }
[15 المطفّفين]
أسرار الوضوء
الوضوء والصلاة هما معاً قد وضعا كشفرة التشغيل لمفاعل الجسد البشري. فإن تم إدخال الشفرة بطريقة صحيحة وفي الوقت الذي وُقّت لها يتم على الفور شحن وموازنة أو قل: ضبط وموازنة حركة هذا المفاعل الحيوي الجبار.
و لا يفوت علينا أن نذكر بأن الماء موصّل جيد للكهرباء.
وفي الوضوء مطلوب ( الفور و الدلك ) فلماذا؟
والجواب أن ذلك ما تستدعيه طريقة التشغيل لمفاعل الجسد ويتم هذا بالضغط السريع المتتابع لأزرار مفاتيح محطات الطاقة ابتداء من الكفين وإلى أخمص القدمين.
والسيئات هي الأدران المعنوية التي تتطهر عنها بالاستغفار أثناء الوضوء. فكيف يكون ذلك؟
عند حلول وقت الصلاة يجب أن تتهيأ للوضوء وأن تُقدّم النيّة. نيّة التطهر والنظافة ذلك لأنّك تُزمع مقابلة ملك الملوك في حضرة تُوجب الأدب وحسن التهيؤ ظاهراً وباطناً. وتقديم النيّة الخالصة لا بُدّ منه، ذلك لأن النيّة هي روح العمل.
قال الرسول الكريم عليه الصّلاة والسلام:
( إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى )
حتى أن المريء يُثاب على صالح النيّة وإن لم يُوفق لأداء ما انتوى أن يقوم به من عمل. وإن أنت دخلت على الوضوء بلا نيّة فأنت إنما تُؤدي عملاً روتينيّاً لا روح فيه ولا تجني من ورائه غير النظافة الحسيّة العادية.
ومع النيّة قدّم الدعاء؛ فإنّ الدّعاء هو مُخ العبادة. أُدعو {الله} بأيّ كيف، بلسان الحال ولسان المقال كيفما ألهمك {الله}.
وإن تحريت دعاء سيد الخلق النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فإنك على هدي وطريق سليم.
وابدأ باسم {الله} رب العالمين:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
خُذ الماء واقتصد فإنّ الماء نعمة تُوجب الشكر.
وشكرك لهذه النعمة إنما بالاقتصاد وعدم الإسراف في استعمالها.
حتى لو أنك بجانب البحر خُذ م
قال {الله} تبارك وتعالى في محكم تنزيله:
{ ولقد آتيناك سبعاً من المثاني
والقرآن العظيم }
[87 الحجر]
فما هي هذه السبع المثاني؟
سبق أن ورد بأن تجليات الخالق عزّ وجلّ تعتمد سبعة أبحر يعتمل عليها قانون الخلق. فما من شيء إلا وهو مسبح بالحمد {لله}:
{ تسبّح له السّماوات السّبع
والأرض
ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسّبح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنّه كان حليماً غفورا }
[44 الإسراء]
وكلمة ( سبح ) في درجة من درجات معانيها السبع، تعني ( صلى ) التي هي بدورها في درجة من درجات معانيها السبع تعني ( وصل ) التي هي بدورها في درجة من درجات معانيها السبع تعني
( أقام ) و الصلة ب{الله} تعني السير المستمر في طريق الرجعى إلى من إليه كل وجميع الخلق راجعون ، ملاقون ، ومنتهون .
و السير إلى {الله} العزيز المقتدر هو تقلب في منازل القرب من {الله} والمعنى: ارتقاء درجات مرقى الاستقامة ومقامات ميزان الحق والعدل.
و المسار يكون على طريق لولبي مكون من سبع حلقات مفتوحة: بمعنى أن كل حلقة توشك بدايتها أن تصل إلى نهايتها لا تنغلق وإنما تعلو سمتاً لتصير إلى حلقة أخرى. وأن كل حلقة هي بدورها سبع حلقات لولبية وكل حلقة منها هي أيضاً سبع حلقات. وهكذا إلى ما لا نهاية يمكن أن تدرك. هذا هو سمت الطريق إلى {الله} كما يخطر على البال.
وما يخطر على البال لا يمكن أن يتعدى المظاهر وذلك لأن الأداة المستعملة هي العقل.
والعقل أداة تعتمد الثنائية.
أما الكنه والجوهر فلا سبيل للعقل إليه.
( كل ما خطر ببالك ف{الله} خلاف ذلك )
هذا الطريق المرتحل فيه ابتغاء وجه الكريم المتعال تدق دوائره اللولبية، وتدق حتى وكأنها تتلاشى.و هي بالفعل في عين العقل تتلاشى حين تصير إلى دقة تتخطى قدرة العقل على الإدراك طالما أنه متحرك.
ولعل ما يمكن أن يساق مثلا لذلك من الحياة العادية المألوفة لدى الجميع هو أن هناك أشياء لا تستطيع العين المجردة من رؤيتها، فإن أرادت رؤيتها لا بد لها من الاستعانة بالعدسات المكبرة كما يجري في مختبرات الفحص الطبي.
وقس على ذلك قصور إمكانيات بقية الحواس على إدراك المحسوس.
الأذن مثلا : هناك أصوات ذات ذبذبة عالية لا تستطيع سماعها كما أن هناك أصوات ذات ذبذبة منخفضة لا تستطيع الأذن أيضاً من سماعها. فإذا ما توقف العقل عن الاعتراك، استسلم واعترف بعجزه عن الإدراك رفع عنه حجاب الثنائية وفتح له باب التفرد فاحتد البصر واستطاع رؤية ما لم يكن يقدر أن يراه وهو مغلول بجنازير الحدود.
فما هي السبع المثاني :
لعل ( السبع المثاني ) وعلى قمة درجات سلم معانيها اللولبية السبع تعني :
{1} *سورة الفاتحة:
{ بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين (2)
الرحمن الرحيم (3)
مالك يوم الدين (4)
إياك نعبد وإياك نستعين (5)
اهدنا الصّراط المستقيم (6)
صراط الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم ولا الضّالين (7) }
ولعلها تعني :
{2} * النفوس السبع:
الأمارة (1)
الـلـوامـة (2)
الــمــلــهــمــة (3)
الـــمـــطـــمـــئـــنـــة (4)
الــراضــــيــة (5)
الـمـرضـيـة (6)
الكاملة (7)
و كل نفس من هذه النفوس السبع تنطوي على درجات من النفوس سبع. وهكذا إلى ما لا نهاية استقرار يمكن الوقوف بمقام تحقيق لها.
ولعلها تعني :
{3} *سماوات الجسد السبعة :
و تلك هي الأطراف الموجبة من أقطاب الجسد السبعة.
وأقطاب الجسد السبعة هي:-
الوجه من الرأس (1)
باطن كف اليد اليسار (2)
باطن كف اليد اليمنى (3)
ركبة الرجل اليسار (4)
ركبة الرجل الأيمن (5)
باطن القدم اليسار (6)
باطن القدم الأيمن (7)
ولعلها تعني :
{4} *أراضي الجسد السبع :
وهي الأطراف السالبة من أقطاب الجسد السبعة.
وكل قطب من هذه الأقطاب السبعة ينطوي على خصائص جميع الأقطاب السبعة ، بل ينطوي القطب الواحد على خصائص الجسد كله . وذلك كالبذرة التي تنطوي على خصائص الشجرة .
ولعلها تعني :
{5} *الحواس السبع :
السمع (1)
البصر (2)
الشم (3)
الذوق (4)
اللمس (5)
الفؤاد (6)
القلب (7)
تلك كانت خمس سباعيات من السبع المثاني. وتبقى اثنتان.
{6} فلعل السباعية السادسة هي درجات تقلب الفؤاد السبع ( الحاسة السادسة ) في إبحاره عبر بحور علم اليقين .
{7} أما السباعية السابعة فهي بحور الحياة السبعة التي انطوى عليها القلب(الحاسة السابعة)
بعد ذلك يكون استواء القلب على عرش حقيقة اليقين، محققاً وممتلئاً بالقيمة المطلقة، دالاً دلالة قيومية الحي القيوم بما تفيض به كلمة التوحيد:{ لا إله إلا الله }التي جمعت القرآن العظيم.
هذا ما لعلنا قدعرفناهـ من معني يتعلق بالسبع المثاني :
{ ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلا بما شاء
وسع كرسيّه السّماوات والأرض
ولا يئوده حفظهما وهو العلىّ العظيم }
[255 البقرة]
ونعود للسؤال :
لماذا سورة الفاتحة في بداية كل ركعة ؟
ولماذا قراءة القران في الصلاة عند الوقوف الأول من كل ركعة ؟
بين يدي الإجابة على هذا السؤال نتساءل أولاً عن [ التجلي ]
ما هو التجلي ؟
التجلي هو الظهور من الخفاء.
تقول جلا الأمر أي كشفه وأوضحه. وانجلت المسألة أي وضحت. ومنطقة التجلي هي منطقة وضوح. فلا يكون تجلي إلا بوجود شاهد ومشهود.
ويحكى لنا المتجلي صاحب العزة والجلال حكاية مقامات التجلي في الحديث القدسي:
{ كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف
فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني }
من هذا الحديث القدسي العظيم عرفنا مواقع مقامات التجلي و الظهور من خفاء الذات عظيمة العظمات إلى ساحة الأضواء.
1- { كنت }
لعل هذا ما يحكي لنا عن موقع أول التجلي أو ما يمكن وصفه بعقولنا القاصرة بأنه التجلي الأول. وذلك هو عندما جعلت الذات عظيمة العظمات لنفسها اسماً. ومن ثم برز الاسم الأعظم
{ الله }
جلّ جلاله
وهذا موقع ومقام اسم الجلال الأعظم.
ويقع ، إن جاز هذا التعبير ، موطن هذا التجلي الأول بالتسمية بهذا الاسم الأعظم{ الله } فيما قبل تمام هذا الحديث العظيم فيما بين الكاف والنون. وذلك قبل أن يتحدث الاسم العظيم {الله} ليقول : { كنت }
2_{ كنزاً مخفياً }
أما التجلي الثاني فهو عند بدء التحدث عنه وعما كان جل جلاله فقال يصف نفسه وكينونته التي كان عليها من قبل أن يبرز لمقام التسمية. فالصفة العظيمة {لله} الواحد الأحد ذو الجلال والإكرام هي : { كنزاً مخفياً }
وهذا هو موقع ومقام الصفة الجليلة التي لا يعرفها إلا هو. و هي منطقة الغيب الذي لا ولن تعرف فيما دون مقام الاسم الأعظم {الله}.
قال تبارك وتعالى :
{ وما كان الله ليطلعكم على الغيب }
[179 آل عمران ]
{ قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله
وما يشعرون أيان يبعثون }
[65 النمل]
نقول بمنطقنا العام في تصريف هذه العبارة { كنت } عندما نسمعها من أي واحد منا نقول
( كان ) فعل ماضي ناقص. و ( التاء ) ضمير المتكلم في محل رفع فاعل. هذا عندما نحن نتحدث. أما عندما يكون المتحدث هو {الله} جل جلاله فإن عبارة:
{ كنت }
إنما تحكي عن كيان مكون مستمر التكوين بلا بداية نستطيع إدراكها وبلا نهاية نقدر أن نتصورها.
والكلمة المباركة من حديث ذو الجلال والإكرام { كان } من عبارة { كنت } يجب أن تصرف بأنها فعل مطلق مبتداه التجلي الأول للذات الإلهية عظيمة العظمات، وفعل حاضر شاهد ومشهود، وفعل مستقبل مطلق منتهاه عند من إليه المنتهى جل جلاله في آن واحد.وهذه هي صفة حياة الرب واسم {الله} تبارك وتعالى في هذا المقام هو {الإله}
{إنني أنا الله لا إله إلا أنا }
3- { فأحببت } هذا هو التجلي الثالث. وهو انفعال الاسم الأعظم:
{ الله } بالحب : بذاته في ذاته و لذاته جل جلاله .
{ عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا }
[26 الجن ]
{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}
[59 الأنعام ]
واسم {الله} تبارك وتعالى في هذا المقام هو { الحي}
ومن هذا الاسم انبثقت وانطلقت الحياة على بساطٍ أرضه المحبة وسماؤهـ الضياء.
4- { أن أُعرف }
هنا تبلورت المحبة فصارت البسط سائدة على مقام المعرفة. وهذا هو التجلي الرابع. وهنا تم التعريف والشهود العالم. وهذا هو عالم القيومية واسم {الله} هنا هو: { القيوم}.
5-{ فخلقت الخلق }
وظهرت الشهادة وتبلورت في هذا القرآن العظيم الذي شمل كل وجميع ما كان وما هو كائن وما سيكون. وهذا هو التجلي الخامس. وهو عالم العلم . واسم {الله} هنا هو {العالم}
6- { فتعرفت إليهم }
هذا هو عالمالإرادة الحكيمة التي صورت ووفق التصوير تم التخطيط لواقع بناء المعارج في طريق العودة إلى من لا حول ولا قوة إلا به وإليه راجعون . وهو التجلي السادس. وذلك ببروز القدرة وتنفيذ الإرادة إلى واقع المحسوس. واسم {الله} هنا هو : { المريد}
{ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك }
[49 هود ]
7-{ فبي عرفوني }
هذا هو التجلي السابع. وفيه اكتمال القدرة وتحقيق أسمى انفعالات المحبة. وذلك بتحقيق الغاية المطلوبة والمشار إليها في العبارة الكريمة :{ فأحببت أن أعرف }
وهنا يشهد رب العزة والجلال بنفسه ولنفسه بأنه هو {الله} الإله الحي القيوم العالم المريد القادر فيقول في نهاية الحديث القدسي :
{ فبي عرفوني }
وهذه العبارة الكريمة { فبي عرفوني } هي نهاية الحديث الذي لا نهاية له. ذلك لأن كل دورة تدور على مراحلها السبع لا تنغلق في نهاية مطافها وإنما هي تضيق وتضيق حتى كأنها تتلاشى وعندها تنفتح من جديد إلى دورة جديدة على مراحل سبع أخريات. و هكذا يكون السير سرمدياً لا نهاية له: صادر منه جل شأنه عائد إليه تبارك وتعالى في صلة متجددة لا تنقطع ولا تتكرر صفاتها. فهو جل جلاله هو كل يوم في شأن ولا يلهيه شأن عن شأن. هو الإله الحي القيوم مالك الملك ذو الجلال والإكرام.
ولما كانت الصلاة مفاعلا للصلة بالرب المتربع على عرش البعد الرابع وصفة الاسم هنا { مالك يوم الدين}، الحديث: ( الصلاة صلة بين العبد وربه )
وهذه تبيان لقوله تعالى :
{من كان يريد العزّة فلله العزّة جميعا
إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصالح يرفعه }
[ 10 فاطر ]
ومعلوم أن الكلم الطيب هو القرآن الكريم وأن العمل الصالح مبتداه ومنتهاه الصلاة، فإن قراءة القران في الصلاة هي معامل انطباق الحس بالمعنى. هي معامل الخروج من الثنائية إلى الوحدانية التي فيها وبها يمكن بلوغ مقام الفردية المحمودة المحققة لروية وجه الكريم العزيز المتعال. قال محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
وكما أن الطريق الحسي { الصلاة } هو مسار لولبي يعتمد مراحل حركة سباعية تدق وتدق حتى تتلاشى عن عين العقل، فإن الطريق المعنوي { القرآن } هو كذلك يعتمد مراحل سباعية في العلم تدق وتدق حتى تعجز مواعين اللغة عن الإفصاح عنه فتنتهي الكلمات الفصيحة ويكون المجال إلى الإشارة. وهذه هي الحروف التي استهلت بها بعض سور القرآن الكريم.
ولأن صيرورة السير لا تكون إلا والسائر قائماً على رجلين، لذلك كان الوقوف قائماً هو أول حركات الصلاة. ولهذا كان النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يصلي الليل قائماً حتى تتورم قدماه الشريفتين. ولقد كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يحتفل بقدوم وقت الصلاة حتى إذ جاءت الصلاة قال لبلال رضي {الله} عنه :
( أرحنا بها يا بلال )
أما سورة الفاتحة فهي ، وكما سميت ، هي فاتحة القرآن العظيم. هي المفاتيح السبعة لمغاليق بحور المعاني السبعة للقران العظيم. لذالك هي أعظم سورة في القرآن الكريم.
وذلك لأنها تحتوي على جملة القرآن. فالقرآن مشمول فيها. وإن جاز لنا أن نضرب لذلك مثلاً؛و{لله} المثل الأعلى، يمكن القول بأن اشتمال سورة الفاتحة على جملة القرآن كاشتمال الدستور على جملة القوانين. وعليه يمكن القول بأن هذه السورة العظيمة هي دستور القرآن كما أنها هي مفتاح مغاليق القرآن. ولو أننا تصورنا أن شكل بنيان القرآن على صورة هرم، فإن سورة الفاتحة هي القمة الرفيعة لهذا الهرم.
كذلك الحال مع سورة الفاتحة نفسها. فهي أيضاً هرم تتربع على قمته الآية الكريمة:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
وعليه فإن أعظم آية في القرآن العظيم هي:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
وهذه الآية العظيمة هي أيضاً هرم على قمته الاسم الأعظم:{ الله }
هذا الاسم الأعظم هو أول تجلي الذات العليّة. وهو الذي تكلم فقال :
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
لذلك فإن الصلاة لا تكون بغير سورة الفاتحة تُفتتح بها كل ركعة من ركعات الصلاة.
اقرأ معي هذه السورة وفي الذهن أنها المفتاح :
{ بسم الله الرحمن الرحيم *
الحمد لله ربّ العالمين *
الرحمن الرحيم *
مالك يوم الدين *
إياك نعبد وإياك نستعين *
اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالين *}
ولقد أثر عن النبي الكريم أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كان يقدم الدعاء على سورة الفاتحة. ومن أمثلة ذلك قوله :
( اللهم باعد بيني وبين خطاياي
كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد )
ولعل في ذلك استجماع للنفس وتذكيرها بخطاياها وذلك لأن أول مراحل انفعال النفس هو الأمر بالسوء والكبر ولذلك كان أول أسمائها السبعة هو :
[ النفس الأمارة ]
فإذا قرأت القرآن فاستمع له وأنصت فإن {الله} تبارك وتعالى يكلمك مباشرة بلا واسطة بينك وبينه إلا واسطة عقلك الذي يُحجب عن وحدانية المتكلم بثنائية المستمع. فإن قيض {الله} لك أن تنصت وذلك بتوقف عقلك عن الزوغان ، رُفعت الواسطة فكشف الغطاء عن القلب فرأيت وجه {الله} . قال النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( ليلة عُرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
( انتسخ بصري في بصيرتي ): هذه قال عنها {الله} تبارك وتعالى :
{ ما زاغ البصر وما طغى }
[17 النجم]
العقل هو المستمع و القلب هو الذي ينصت.
ولن يتأتى للقلب أن ينصت إلا إذا انفك عقال العقل عن عقدة الثنائية
واستقر بندوله على الوسط المستقيم.
هذه السورة العظيمة هي ليست مفتاح الصلاة فحسب، وإنما هي مفتاح الحياة الحقيقية. حياة الفكر وحياة الشعور وحياة المعترك المادي الكائن في اللحظة الحاضرة. قال رسول المحبة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( الفاتحة لما قرأت له )
المثاني السبع :
علمنا مما تقدم أن عددها سبع. فكيف هي مثاني ؟
فلنبدأ بسورة الفاتحة.
هي سبع آيات عظيمات تكوّن في مجملها أعظم سور القرآن الكريم.
كل آية منها لها قطبين. قطب موجب وقطب سالب.
ولا يكتمل حصاد منتجها إلا عندما يلتحم موجبها بسالبها.
وذلك كما هو معلوم في منتج الكهرباء. فعند التقاء القطب الموجب بالقطب السالب يتم التزاوج ويكون مولود ذلك منتج طاقة الضوء وطاقة النار وطاقة الحركة.و حتى تتبلور هذه الطاقة وتأخذ شكلا معلوما نعمد إلى وضع مصباح عند نقطة التلاقي فتتحول الطاقة إلى نور. أو نضع محركا فتتحول الطاقة إلى حركة. أو نضع سلكا قابل للاشتعال فتتحول الطاقة إلى نار حارقة.
وإن جاز لنا أن نسمي هذين القطبين، يمكننا تسمية القطب الموجب بالقلب والقطب السالب بالعقل.إذن فكل آية كريمة لها قلب كما أن لها عقل.وهذا هو معنى كلمة مثاني.
وقد قيل أن قلب القرآن في جملته هو سورة [يس] و [يس] لها قلب وهو الآية:
{ سلام قولاً من ربّ رحيم }
القلب وهو القطب الموجب يحمل طاقة عطاء من معنى العلم المطلق الذي ينتهي عند {الله} حين لا حين وحيث لا حيث. أما العقل وهو القطب السالب فيحمل طاقة تلقي من معنى العلم المقيد الذي يمكن إدراكه.
{ ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء }
[255 البقرة]
{ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض
فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان }
[33 الرحمن]
ولا يتم كمال التقاء قطبي الآية الكريمة إلا في الصلاة والمصلي واقف على قطبيه الملتحمين بالأرض ولعل المصباح الذي يضيء عند التقاء قطبي الآية هو الجسد:
{وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون }
[204 الأعراف]
أما النور الذي يشع من الجسد فهو هذه الرحمة وهو مكارم الأخلاق، وهو الاستقامة.
الآية الكريمة :
{ كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون }
[79 آل عمران]
والحديث الشريف :
( تخلقوا بأخلاق {الله} إن ربي على صراط مستقيم )
ولعل نقطة تلاقي قطبي الآيتين الكريمتين المذكورتين أعلاه (255 البقرة) و (33 الرحمن) هي عند
{ إلا } نسبياً كما في عبارة التوحيد :
{ لا إله إلا الله }
وإن أنت أمعنت النظر إلى سورة الفاتحة تجدها في مجملها تقوم على قطبين. القطب الموجب يتصعد من أوسطها إلى أعلاها. والقطب السالب يتدلى من أوسطها إلى أدناها. القطب الموجب هو قوله تبارك وتعالى :
{ بسم الله الرحمن الرحيم *
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم }
ولعل إيجابية هذا القطب الموجب تأتي من هذه الشحنة العالية من الرحمة. فهو يبدأ باسم {الله}: { الرحمن } وصفته: { الرحيم } وينتهي إليه:{ الرحمن الرحيم }
أما القطب السالب فهو قوله تبارك وتعالى:
{ إياك نعبد وإياك نستعين *
اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
ولعل خصائص هذا القطب السالب تأتي من هذا الانكسار وهذا الاستعطاف وهذا الاعتراف الكامل بأنه لا حول ولا قوة إلا ب{الله}. فهو المعبود وهو المعين على العبادة و هو المنعم. هو الهادي وهو الذي يضلل .
ونقطة التقاء هذين القطبين الكريمين هي قوله تبارك وتعالى:
{ مالك يوم الدين }
هنا تلتقي الأرض بأسباب السماء فتشرق بنور ربها. يتقدس اسم الرب وتكون مشيئته كما في السماء كذلك علي الأرض.
وينادي المنادي : لمن الملك اليوم ؟ .
وتجيء الإجابة محققة علي أرض الجسد:
{لله}
الواحد القهار
أقطاب الجسد السبعة:
الوجه من الرأس (1)
باطن كف اليد اليسار (2)
باطن كف اليد اليمنى (3)
ركبة الرجل اليسار (4)
ركبة الرجل الأيمن (5)
باطن القدم اليسار (6)
باطن القدم الأيمن (7)
هذه سبع فكيف هي مثاني ؟
كل قطب من هذه الأقطاب له طرفين. طرف موجب وطرف سالب.
*1- الوجه من الرأس :-
الطرف الموجب هو الغرة ( الجبهة ) . أما الطرف السالب فهو الأنف .
ولا تكتمل فاعلية الالتحام بالأرض عند الحركة الرابعة والسادسة من الركعة الواحدة ( السجود ) ما لم تكن الجبهة والأنف معاً على الأرض.
*2- و *3- كف اليد:
تنقسم كف اليد إلى قسمين . القسم الأعلى هو الطرف الموجب وهو الذي به الأصابع الأربعة المستقيمة الممتدة . وإصبع السبابة يعتبر رأس هذا الطرف الموجب .
أما القطب السالب فهو قاعدة الكف ويعتبر إصبع الإبهام هو رأس هذا القطب.
وتعجّب فإن الخط الفاصل بين الموجب والسالب على بطن الكف يسميه علماء قراءة الكف
( خط الحياة)
وكما سبق ذكره فإن القطب الواحد من أي من المثاني السبع يحمل خصائص جميع الأقطاب الأخرى. وكما أن سورة الفاتحة تحتوي بنيان القرآن جمعاً، فإن أي قطب من أقطاب أراضي الجسد السبع يحتوي على خصائص وأسرار الجسد في مجمل بنيانه .
والكف يعتبر من أميز الأقطاب السبعة توضيحاً وإجلاءً لأسرار الجسد. ومن أوتي علماً ومقدرة على قراءة الكف يمكنه الكشف عن مكنون أسرار الجسد.
والكف له مميزات كثيرة على الأقطاب الأخرى. وعلى سبيل المثال وليس حصراً نذكر أنه يرفع عند الدخول إلى حضرة الصلاة. كما أنه يرفع عند أداء القسم. وهو الذي يُمد عند السلام. وكذلك يُمد للعطاء وللأخذ. و من أعجب أسرار هذا الكف هو أنه عندما يلتحم رأس قطبه الموجب
{ السبابة } برأس قطبه السالب { الإبهام } يكوّن شكل الكف الاسم الأعظم: { الله}.
تقرأها في كف اليد اليمنى ، وهي قطب موجب ، من على ظهرها ، ويكون وضعها وكأنها تنبعث منك إلى خارجك . وتقرأها في كف اليد الأيسر، وهي قطب سالب، من على بطنها ويكون وضعها وكأنها تعود إليك.
*4- و *5- الركبة:
الطرف السالب لها هو جانب غطائها الذي يلامس الأرض عند السجود أولا . أماالطرف الموجب فهو الذي يلامس الأرض عند السجود لاحقا.
*6- و *7- القدم:
الطرف الموجب هو أعلى القدم ناحية الأصابع الخمس .
أما الطرف السالب فهو الكعب ويسمى العقب .
ولعل خير ختام للحديث عن حضرة الوقوف هو أن نتعرض لصلاة الجماعة :-
صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة كما نلاحظها اليوم لا تؤدى بالصورة المطلوبة ومن ثم تفقد ميزتها بأنها تبز صلاة الفذ بسبعة وعشرين درجة.
فبالرغم من توجيه الإمام الحكيم للمصلين بأن يحاذوا المناكب ويسدوا الخلل بينهم، إلا أننا نلاحظ أن الأفراد يصطفون وكل واحد منهم وكأنه يتحاشى الالتصاق بأخيه ومن ثم يكون كل واحد منهم وكأنه يصلي لوحده . أرأيت لو أنك تقوم ببناء جدار بأن ترص اللبنات كل واحدة بعيدة عن الأخرى ثم لا تسد الفراغات بينهم بمادة البناء التي تجمع وتشد اللبنات بعضها إلى بعض ، فهل يقوم البناء؟
كذلك هذا ما يجب أن يكون في صلاة الجماعة. الفرد بجانب أخيه كتفاً بكتف والقدم اليمنى بطرف قطبها الموجب ملتصقة بالقطب السالب من قدم أخيه اليسار. وبهذا ينطبق القول الشريف بأن الجماعة كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً. ويتم ذلك بكون أن مجموع الأفراد في الصف الواحد تكتنفهم دائرة [ حياتية ] كهرومقنطيسية واحدة. فيكون تيار الطاقة الحياتية جامعاً لهم وكأنهم وحدة واحدة. فمن كانت طاقته الفردية ضعيفة انسابت إليه فوائض ممن كانت طاقته قوية . وبذلك يكون بنيانهم قائماً على نسق موزون.
ومثل آخر نضربه لمسألة صلاة الجماعة : أصابع البطاريات الجافة
كل واحدة على حدة طاقتها واحد فولت. فإذا وضعت عدد عشرة أصابع الواحدة بجنب الأخرى يظل الفولت واحد لكل واحدة.
فإذا قمت بتوصيل الأقطاب الموجبة العشرة بسلك واحد ثم عمدت إلى الأقطاب السالبة العشرة فوصلتها ببعضها بسلك واحد صار لديك بطارية واحدة بطاقة عشرة فولتات .فإذا جمعت السلكين إلى مصباح تحصلت على إضاءة بقوة عشرة فولت.
{حركة الصلاة الثانية }
2- حضرة الركوع :-
وهي الحركة { الحضرة } الثانية من حضرات الركعة الواحدة من الصلاة.
و الملاحظ أن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد، ومنه أخذت اسمها. وهو بمثابة رأس الرمح المتجه نحو الهدف من الصلاة وهو الاستسلام الكامل لرب السماوات والأرض. وليكون الركوع صحيحاً يجب أن يلتحم غطاء الركبة بباطن راحة اليد. و في ذلك يكون ثالث مراحل التجميع والشحن للطاقة المنتشرة على أنحاء الجسد تمهيدا للتخلص من الفائض منها عند بلوغ الحركة السابعة من الركعة.
ولقد ورد أعلاه أن أقطاب الجسد السبعة تعتبر منافذ طاقة موجبة مقابل طاقة الأرض السالبة. وبوضع باطن راحة الكفين على غطاء الركبتين يكون التحام أطراف موجبة بأطراف سالبة لتركيز الطاقة.
أضف إلى ذلك، وفي الذهن تلك الهالة حول الجسم والتي وصفناها بأنها طاقة الروح، أن حركة الركوع تؤدي إلى تحريك موجات هذه الهالة الكهرومقنطيسية التي تلف الجسد كالقميص بين مد من ناحية الدبر (الظهر) من الكعبين إلى الجبهة ، وجزر من ناحية القبل من الأنف إلى أخمص القدمين، وفي ذلك تمهيدا للجمعية الكبرى عند السجود.
هذا ما يجري من الناحية المادية عند الركوع . أما الناحية المعنوية لذلك فلا يخفى مدلول أن ينحني الواحد منا للآخر، فذلك فيه ما فيه من احترام وانكسار وتقديس وتوقير . ويتم ذلك للراكع وهو يردد ثلاثاً القول :
سبحان ربي العظيم
أو :
سبحان {الله} وبحمده سبحان {الله} العظيم
وفي ذلك تنشيط لذاكرة العقل وتذكير له بأن العظمة والجبروت هي {لله} وحده لا شريك له فيتواضع وينكسر وفي ذلك تمهيدا وتدريجا له ليحقق الغاية من الصلاة بالاستسلام الكامل والتوقف عن ادعاء العلم والقدرة فيقال له :
{ أعرض عن هذا }
ويقال للنفس :
{ استغفري لذنبك }
{الحركة الثالثة للصلاة}
3-حضرة الوقوف الثاني ( الرفع من الركوع )
وذلك فيه رجوع إلى حالة ما قبل الركوع وهي حالة الاستقامة والاعتدال. و الملاحظ أن الركعة الواحدة يكون الوقوف فيها مرتين أو يمكن القول بأن حركة الوقوف فيها على مرحلتين
{ حضرتين } . الحضرة الأولى تم بيانها عند الحديث عن الوقوف الأول الذي يُقرأ فيه القرآن مفتتحاً بسورة الفاتحة .
أما عند الوقوف الثاني فيقول المصلي :
[ سمع الله لمن حمده ]
فيقول :
[ اللهم ربنا ولك الحمد ]
فإن أضاف : -
[ حمداً كثيرا طيباً مبارك فيه ]
تفتحت مواعين التلقي عنده وأصبح مستعداً للدخول على حضرة السجود.
وعند الوقوف الثاني يعود المصلي إلى ما كانت عليه هيئته في حالة الوقوف الأول فيعيد كفا يديه إلى صدره فوق موضع القلب وتلك محاولة أخرى لتثبيت القلب ومنعه عن الزوغان. فإن استشعر المصلي وكأنه يضم نفسه إليه، أوشك أن يدخل في حالة من الوجد والهيام والشوق لملاقاة الحبيب الأعظم . بعدها يخر ساجداً.
الشاهد أن الركعة الواحدة ذات السبعة حركات منها حركتين (حضرتين ) وقوف.
ومنها حركتين (حضرتين )سجود.ومنهاحركتين (حضرتين) جلوس . وركوع واحد.
ولعل أن ما يجري في حركة الدنو فالتدلي إلى النزول داخل حرم الحضرات الثلاث :-
{1} حضرت الوقوف
{2} حضرت السجود {3} حضرت الجلوس
هو ما تحكي عنه الآيات الحكيمات من سورة النجم:
{والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى*وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحيٌّ يوحى*علّمه شديد القوى*ذو مرّة فاستوى* وهو بالأفق الأعلى*ثم دنا فتدلّى* فكان غاب قوسين أو أدنى*فأوحى إلى عبده ما أوحى*ما كذب الفؤاد ما رأى*أفتمارونه على ما يرى*ولقد رآهـ نزلة أخرى*عند سدرة المنتهى*عندها جنّة المأوى*إذ يغشى السدرة ما يغشى* ما زاغ البصر وما طغى*لقد رأى من آيات ربه الكبرى*}
[18 النجم]
4- حضرة السجود الأول:
هذه أول مراحل القرب :
( أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد )
وحركة السجود يجب أن تتم على الوجه الصحيح الذي يرجى منه تحقيق النتائج المأمولة.
فيجب أن يكون أول الواصلين إلى الأرض هما الطرفين الموجبين للكفين.
يلي ذلك و على التو الطرفين السالبين للكفين.
حتى إذ ما استقر الكفان على الأرض وهما مبسوطتان في اتجاه مركز الأرض ( القبلة ) لحقت بهما الركبتان.
وأول الأطراف من الركبتين وصولاً إلى الأرض هماالطرفين السالبين.
وعند وصول الطرفان الموجبان من الركبتين إلى الأرض يكون المصلي قد وضع رأسه علي الأرض فالتحم طرفا الوجه ( الجبين والأنف ) بالأرض في نفس الساعة.
هنا يتم لعدد ستة أقطاب من أقطاب الجسد السبعة اكتمال دائرته الكهرومقنطيسية الصغرى وذلك بتوصيل الطرف الموجب منه بالطرف السالب والوسيط هو الأرض.أما القطب السابع فهو ملتحم بطرفه الموجب ( أصابع القدمين ) بقطب الأرض السالب . وبذلك تنغلق دائرة الحياة بالتحام الجسد في مجمعه كقطب موجب بقطب الأرض السالب.
وبذلك تكتمل الدائرة الكهرومقنطيسية ويتم جمع شتات الطاقة الحياتية ( الروح )وتلتف حول الجسد في حالة قبض تحتضنه كما يحتضن الرحم الجنين عند المخاض يريد له الخروج إلى حياة جديدة.
ولمراجعة وضعية السجود الصحيح نجد:-
أ - قطب الوجه على الأرض بطرفيه ( الجبين والأنف ).
ب- قطبي كف اليدين و أطرافها مجتمعة علي الأرض.
ج-قطبي الركبتان وأطرافها مجتمعة على الأرض:
{ هنا يجب التنبيه إلى وجوب أن يكون وضع الركبة على الأرض بحيث يكون كامل غطاء الركبة على الأرض ولكي يتم ذلك لا بد للفخذ أن يكون عمودياً بزاوية مقدارها 90 درجة و إلا فلن تكتمل الدائرة الصغرى للركبة }
د- قطبي القدمين وهما موصولتان بالأرض بالأطراف الموجبة فقط :
{هنا يجب ملاحظة وضعية القدمين. فلو أنهما لا تلتحمان بالأرض بباطن منطقة الأصابع والأصابع متجهة إلى القبلة ، فلن يتم اكتمال الدائرة }.
وإلى ذلك أشار الحديث الشريف :
( رب مصل لم يقم الصلاة )
الملاحظ أن جميع أقطاب الجسد السبعة ملتحمة مع الأرض، كل قطب بطرفيه الموجب والسالب وبذلك يعتبر كل قطب وكأنه دائرة مستقلة مغلقة. هذا ما عدا القدمين فهما ملتحمتان بالأرض بالطرفين الموجبين فقط، فكأن الجسد ملتحم بقطب الأرض السالب بطرفين موجبين تجمع عند هما فائض الطاقة في محاولة الانسياب نحو مركز الأرض السالب. هنا يبدأ التفريغ ولا يكتمل.
وإنما يكون اكتماله عند الجلوس الأخير وسيأتي تفصيل ذلك.
يقول المصلي ثلاثاً وهو ساجد:
[ سبحان ربي الأعلى ]
وفي ذلك تذكير للعقل ومحاولة إقناعه حساً بوضعية الرأس على الأرض، ومعنى بأن العلو والجبروت إنما هما من صفات الرب .
5- حضرة الجلوس الأول ( الرفع من السجودالأول ) :-
والجلوس الصحيح هو أن يجلس المصلي على رجله الأيسر مفرودة تحته وجميع أقطابها الموجبة والسالبة معزولة عن الأرض .
وما يكون موصولاً بالأرض هما الطرف الموجب لقطب القدم اليمنى بباطن منطقة الأصابع ، والطرف السالب للركبة اليمنى .
وهذا وضع تجمعت فيه جميع أطراف الجسد السالبة في مركز واحد هو طرف الركبة اليمنى السالب كما تجمعت فيه جميع أطراف الجسد الموجبة في مركز واحد هو طرف باطن الرجل اليمنى من جهة الأصابع الموجب. فكأنما أصبح الجسد كله إلى قطبين وبتلامس الأرض كأنما انغلق الجسد بكله في دائرة واحدة.
هذه حضرة استجابة ولذلك جاءت التوصية النبوية المشرفة بأن يكون فيها الدعاء. فيقول المصلي ثلاثاً :
[ رب اغفر لي ]
وأحسن من ذلك أن يقول:
[ رب اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ]
وكما في وضع السجود هنا أيضا استمرارية المحاولة للتفريغ.
6- حضرة السجود الثاني:-
السجود الثاني ليس كالسجود الأول ذلك لأنه يحاكي اليوم السادس من أيام الخلق:
{ إنّ ربكم الله
الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
ثم استوى علي العرش
يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاَ
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره
ألا له الخلق والأمر
تبارك الله رب العالمين }
[54 الأعراف]
ولأن { ثم ّ} تفيد التراخي:
{ ثم استوى على العرش }
وأن الاستواء على العرش كان في اليوم السابع ، ومن ثم فإن السجود الأخير يكون طويلاً بقدر ما أمكن المصلي أن يكون ساجداً .
ولعل هذا يكون مفهوماً وذلك لأن الحركة السابعة من الركعة هي الاستواء على الأرض في الجلوس الأخير.
7- حضرة الجلوس الأخير:-
وفيه يكون تمام الاستواء واكتمال تفريغ الفائض من الطاقة الكهرومقنطيسية. ويكون الجسد قائماً على قسطاس موزون.ولعله يمكن القول بأن لو أُديت الصلاة أداءً صحيحاً حساً ومعنى، فإن الجسد يقوم بعدها حراً معافى كيوم ولدته أمه مولود على الفطرة الأولى .ولعلي أكاد أجزم بأنه لو تمت الصلاة كما يجب فإنها الترياق الشافي لجميع الأسقام مهما كانت مستعصية.
تكون هيئة الجلسة الأخيرة على النحو الآتي :-
يجلس المصلي ومقعده على الأرض.الرجل الأيسر مفرودة تحت ساق قدمه اليمنى وهي أقرب إلى الركبة منها إلى القدم ، والقدم من ظاهره على الأرض وأطرافه معزولة عنها والأصابع متجهة إلى القبلة . وبهذا الوضع تكون أطراف الركبة اليمنى هي أيضاً معزولة عن الأرض. أصابع القدم اليمنى تكون متجهة إلى القبلة بحيث يكون باطن منطقة الأصابع {الطرف الموجب } ملتحماً بالأرض. و عليه فإن الجسد وهو على هذه الهيئة يكون متصلاً على طرف واحد موجب بقطب الأرض الواحد السالب ومن ثم يكون اكتمال تفريغ الفائض من الطاقة فيستوي الجسد موزوناً علي صراط مستقيم.
ولعله يجدر التنبيه إلى وضع الكفين أثناء الجلوس الأخير. فالكفان يجب أن تكونا بحيث يلامس طرفاها الموجبان طرفي الركبتين السالبين. وعند وصول المصلي عند قوله أشهد ألا إله إلا الله يجب رفع سبابة الكف اليمنى ثم تحريكها رفعاً إلى أعلى وإنزالاً إلي أسفل بصورة مستمرة وكأنها تطرق على طرف الركبة اليمنى الموجب حتى السلام. والحكمة في ذلك هي أن الطرق على الطرف الموجب للركبة بالسبابة الموجبة يعتبر عاملاً مساعداً في عملية التفريغ الجارية عن طريق طرف القدم اليمنى الموجب الوحيد الملتحم بالأرض.
هنا حضرة قدس الأقداس حيث تخلع النعلان وتنتهي الثنائية ويتم الدخول إلى حضرة الوحدانية فيلاقي الحبيب حبيبه. يخاطبه يقول :-
( التحيات الطيبات {لله} والصلوات الذاكيات {لله} )
هذه تقابل وتتجاوب مع مجمل القطب السالب من سورة الفاتحة:
{ إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم *
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
وهذه التحية والسلام علي {الله} تحقق الاستشعار والشهادة{لله} بالوحدانية المنبعثة من كلمة التوحيد:
{ لا إله إلا الله }
كما تحقق استشعار خضوع ضعف العبودية أمام عزّة وعظمة الرب.
فبعد السلام على الحضرة الإلهية يكون السلام وطلب الإذن للدخول على الحضرة النبوية المشرفة بالشفاعة:
السلام عليك أيها النبي ورحمة {الله} وبركاته
فيكون تكملة الشهادة :
{ لا إله إلا الله محمد رسول الله }
وفي هذا تأكيد للإيمان. ذلك لأن رأس الإيمان هو :
{ أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله }
حتى إذ ما استشعر الرأفة والرحمة تفوح من أعتاب الحضرة النبوية دعا لنفسه ولإخوانه فيقول:
{ السلام علينا وعلى عباد {الله} الصالحين }
ذلك لأن الدعاء في هذه الحضرة النبوية المشرفة، ولمكانتها المكينة عند {الله}، لا يخيب.
ولعل سرعة الاستجابة الفورية تعتمد على قدر الحضور والتأدب.
بعدها يشهد بالتأكيد على اطمئنانه بالوحدانية {لله} وتشرفه بالإتباع لرسول {الله}
فيقول:
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
ومن ثم يستجيب لدعوة المحبة والداعي إليها { الله } سبحانه وتعالى :
{ إن الله وملائكتهُ يُصلّون على النبي
يا أيها الذين آمنوا صلٌوا عليه وسلموا تسليما }
[56 الأحزاب]
فيقول:
( اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم
في العالمين إنك حميد مجيد)
فيستشعر الدخول إلى الحضرة الإلهية فانياً عن نفسه حاضراً باقياً ب{الله} متوجهاً بكليته في مواجهة الأنوار.
فإن تم للمصلي القبول وأسبق عليه الفضل تشرف برؤية {الله}.
وتلك رؤية تتم خارج الزمان والمكان في خلوة منقطعة مقدسة مع {الله}:
( ليلة عرج بي أنتسخ بصري في بصيرتي فرأيت {الله} )
ولأن هذا الموطن موطن حال وليس بموطنٍ لمقام، يعود منه المصلي إلى موطن الجلوة مع خلق {الله} مبادراً لهم بالسلام فيقول ملتفتاً إلى اليمين ثم إلى اليسار :
السلام عليكم ورحمة {الله}
وهذا عهد وميثاق، عُقد بشهادة {الله}، بأنه سيكون بالناس رءوفا رحيما.
ولعل ما يجري في حضرة الصلاة تحكي عنه هذه الآيات العظيمة:
{ وهل أتاك حديث موسى }
هذه حكاية العقل. فموسى هنا إشارة إليه.
{إذ رأى ناراً}
الرؤية هنا على مستوى الإدراك للمعنى الظاهر هي رؤية بالعين المجردة.
أما على مستوى معرفة المعنى الباطن فهي إشارة إلى الشعور بعين البصيرة التي قُدحت بنار المجاهدة فاحتدت فرأت انبلاج فيض النور فيما حولها.
{فقال لأهله امكثوا}
ندرك أن أهله هم زوجه. وامكثوا تعني ابقوا في مكانكم لا تبرحوه.
وعلى مستوى معرفة المعنى الباطن فأهله هي نفسه المنقسمة بين ظاهر وباطن. بين نفس عليا ونفس دنيا. بعبارة أخرى هي ثنائيته القائمة على تناقض الإيجاب مع السلب الذين يشكلان وسيلة الإدراك لدى العقل.
وامكثوا تعني كفوا عن الحركة والتذبذب بين طرفي النقيض واستقروا على الوسط المستقيم.
{إني آنست ناراً}
و الاستئناس لا يتم إلا بعد انفعال المحبة المبرأة من كل غرض غير وجه {الله}. و هو، أي الاستئناس، يعني انبعاث الشعور الغامر بالفرح لظهور تباشير التحرر من قيد الثنائية.
ولتقريب المعنى فإن هذا الشعور يشبه ما يغشى الزوجين أثناء ممارسة العلاقة الجنسية قبيل القذف.
عندها يكونان في قمة انفعال الشهوة يتحرقان شوقاً لبلوغ ذروة المتعة عند القذف.
والنار هنا تعني تباريح الشوق المنبثقة عن انفعال المحبة لحبيب تراه ولا تلقاه.
{لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى }
قال : قبس أو هدى .
القبس هو طرف من الهدى. يشبه خيط النور الأول من الفجر حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.و الهدى كأنه تمام انكشاف أنوار الصباح المضيء.
وقوله :{ لعلي} توضح مستوى اليقين الذي يعتمل فيه.
فهو في حالة من الشوق على مراكب الأمل. وهذه درجة عين اليقين.
وعندما يجد الهدى يكون قد بلغ به اليقين ذروته فحقق درجة: حق اليقين.
{فلما أتاها نودي يا موسى}
أتاها : تعني بلغ تحقيق استواء الحاسة السادسة وهي الفؤاد.
والفؤاد هو غطاء القلب. وهو ما أشير إليه بغطاء ماء مدين. ورفع الغطاء هو النداء. والمنادى هو القلب.
وهو ما عبر عنه بقوله :
{إني أنا ربك}
قال { ربك } ولم يقل { الله } ذلك لأن المقام هنا مقام الربانية وهي النفس العليا للعبد. هي فرديته التي يتميز بها عن بقية العبيد وموطنها القلب.
يقال: القلب بيت الرب ولا يقال: القلب بيت {الله}. فالرب هو الأنا العليا للعبد. وحتى هذه بلا لطف من {الله}، فإنها موطن للشرك الخفي. فكم من العباد تاه عنها وادعوا كما في حالة الحلاج الذي قال: ما في الجبة غير {الله}.أو لعله قال : أنا {الله} .
ويجيء الأمر للتخلص من شبهة ادعاء الألوهية عند بلوغ استواء الأنا العليا
فيقال له أمراً:
{فاخلع نعليك}
نعليك تعني هذا المقام الذي أنت تدوس عليه. النعال تسمى أيضاً بالمداس. واخلع نعليك تعني تخلى عن أناك حتى يسمح لك بالدخول إلى حضرة ملك الملوك. مالك الملك ذو الجلال والإكرام. وهي ما وصفت بأنها : الوادي المقدس
قال :
{إنك بالوادي المقدس طوى }
[12 طه]
و يجدر التنبيه إلى أنه يجب على المصلى أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني من الركعة الأولى قبل القيام لأداء ركعة ثانية وذلك لتكون الركعة الأولى ركعة مكتملة بحضراتها السبع.
كما يجب التنبيه إلى وجوب أن تكون العينان مفتوحتان طيلة دوام الصلاة والبصر ساقطاً على الأرض عمودياً بزاوية 90 درجة في جميع فترات الحركات السبع للركعة الواحدة.
هذه هي الثنائية التي قامت عليها مراقي الخلق على سبيل الرجعى إلى من إليه راجعون. والصلاة هي على قمة وسائل هذه الرجعى: واسلة وموصّلة.
الوقت مدخلها والطهارة عتبتها.
والطهارة تكون في المعنى بالنيّة الصادقة المؤكدة، وفي الحس تكون بالوضوء.
وكما هو الحال عن الصلاة يكون كذلك عن الوضوء.
الوضوء:
الوضوء هو أيضاً يقوم على ركيزتين. ركيزة في الحس وقد فصّلنا ذلك عند الحديث عن انفعال الجسم وإفرازا ته المختلفة بتعدد أوقات الصلاة. وعليه فإنّ الطهارة الحسيّة هي غسل الجسم بالماء لإزالة الأدران _ الإفرازات الحسيّة.
أما ركيزة المعنى التي يرتكز عليها الوضوء فهي الطهارة بالعلم. وقد ورد سالفاً أن العلم والماء وجهان لعملة واحدة. و أن الاختلاف بينهما في المقدار. فكيف تكون الطهارة المعنوية بالعلم ؟
إن أول مراتب التطهر بالعلم هي أن تُرجع العلم إلى أهله. أن ترد الأمانة لصاحبها. قال تبارك وتعالى :
{ إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماُ جهولا }
[ 72 الأحزاب ]
الأمانة هنا هي الإرادة.
ولا تكون الإرادة إلاّ عن علم، ولعل أنجع وسيلة لرد هذه الأمانة هي الاستغفار. وبالاستغفار تكون الطهارة المعنوية. ففي الوضوء تُغسل الأدران الحسّية بالماء وهذه هي الركيزة الأولى. كذلك تُغسل الأدران المعنوية بالاستغفار. وهذه هي الركيزة الثانية . فكيف يكون ذلك.
إن في فهم كيفيّة عمل العقل البشري في سبيل الإدراك مفتاح لجميع القضايا والمسائل المعلّقة التي لم يتّفق الناس على فهم عام موحد لها. ولعل أهم هذه المسائل هو :-
1- مسألة التسيير والتخيير
2- مسألة الثواب والعقاب
3- مسألة الخلود في النّار
معلوم أن العقل لا يُدرك إلاّ بعد مقارنة يُجريها على نقيضين.
فحلاوة الحُلو لا تدرك إن لم يُطعم المر.
وإن لم تر وضح النور فلن تعرف معنى قتام الظلام.
كذلك الحار والبارد، الأسود والأبيض.. إلى آخر المتضادات المتناقضة.
فبمقارنة النقيضين يقع الإدراك. ومنافذ العقل للإدراك هي الجوارح أو هي الحواس الخمس المعروفة. والجوارح هي أدوات الفعل. والعقل هو بوابة القلب. والقلب له مدخل. ومدخله هو الفؤاد. والفؤاد هو الحاسة السادسة.
قال تبارك وتعالى :
{ ولا تقفُ ما ليس لك به علم
إنّ السّمع والبصر والفؤاد
كلُّ أولئك
كان عنه مسئولا }
[36 الإسراء]
السّمع والبصر إشارة إلى العقل بمداخله الخمس حواس. والفؤاد هو الحاسة السادسة.
الآية :
{ إنّ في ذلك لذكرى
لمن كان له قلب
أو ألقى السّمع وهو شهيد }
[37 ق]
لمن كان له قلب: أي قلب مكشوف عنه غطاءه فهو بذلك حديد البصر.
ألقى السمع وهو شهيد: أي أنه قد بلغ أقصى ما يمكن بلوغه بالحواس الخمس؛ والسمع هنا إشارة إلى العقل؛ فعندئذ أصبح: شهيد بمعنى أن قد حقق كشف الغطاء، بلغ الحاسة السادسة فصار شاهداً عليها.
والنموذج الممتاز لصاحب الحاسّة السّادسة وصاحب البصر الحديد هو محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
بها ركب البراق.
وبها رأى جبريل عليه السلام وتعامل معه.
وبها بلغ سدرة المنتهى.
ولقد كان في حياته بين الناس يرى ما خلفه دون أن يلتفت عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم.
هذه الحاسة السادسة هي الفؤاد الذي هو غطاء القلب.والقلب بيت الرّب
{ ما وسعتني أرضي ولا سمائي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن }
هذه الحاسة السادسة تعمل وفق فيض الأنوار المنبعثة من عقل قد تروّض بأدب الشريعة.
فإن فاض النور من العقل عمّ الفؤاد فانكشف الغطاء.
قال تبارك وتعالى :
{ لّقد كنت في غفلة مّن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد }
[22 ق ]
العقل يدرك فيكتسب معرفة وعلماً. أما الفؤاد فيدرك فينضح بما في داخل القلب من الصفات الربّانية الكريمة. وهو موطن انبعاث المكارم.
فمكارم الأخلاق ليست مسائل عقليّة مكتسبة وإنما هي هبات تبعث من قلب قد اطمأنّ إلى ربّه فامتلأ بالمحبة حتّى فاضت فغمرت من حوله بالمكارم.
وتتكشّف هذه الطبائع والخصال الحميدة بفعل النتائج التي تحققت عن طريق ما أدخلته الحواس الخمس إلى العقل. فبالجوارح تعمل عملاً صالحاً فتُدخل إلى العقل نوراً. وترتكب فعلاً خبيثاً فتُدخل إلى العقل ظلاماً.
قال تبارك وتعالى :
{ كلاّ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون*
كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لّمحجوبون }
[15 المطفّفين]
أسرار الوضوء
الوضوء والصلاة هما معاً قد وضعا كشفرة التشغيل لمفاعل الجسد البشري. فإن تم إدخال الشفرة بطريقة صحيحة وفي الوقت الذي وُقّت لها يتم على الفور شحن وموازنة أو قل: ضبط وموازنة حركة هذا المفاعل الحيوي الجبار.
و لا يفوت علينا أن نذكر بأن الماء موصّل جيد للكهرباء.
وفي الوضوء مطلوب ( الفور و الدلك ) فلماذا؟
والجواب أن ذلك ما تستدعيه طريقة التشغيل لمفاعل الجسد ويتم هذا بالضغط السريع المتتابع لأزرار مفاتيح محطات الطاقة ابتداء من الكفين وإلى أخمص القدمين.
والسيئات هي الأدران المعنوية التي تتطهر عنها بالاستغفار أثناء الوضوء. فكيف يكون ذلك؟
عند حلول وقت الصلاة يجب أن تتهيأ للوضوء وأن تُقدّم النيّة. نيّة التطهر والنظافة ذلك لأنّك تُزمع مقابلة ملك الملوك في حضرة تُوجب الأدب وحسن التهيؤ ظاهراً وباطناً. وتقديم النيّة الخالصة لا بُدّ منه، ذلك لأن النيّة هي روح العمل.
قال الرسول الكريم عليه الصّلاة والسلام:
( إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى )
حتى أن المريء يُثاب على صالح النيّة وإن لم يُوفق لأداء ما انتوى أن يقوم به من عمل. وإن أنت دخلت على الوضوء بلا نيّة فأنت إنما تُؤدي عملاً روتينيّاً لا روح فيه ولا تجني من ورائه غير النظافة الحسيّة العادية.
ومع النيّة قدّم الدعاء؛ فإنّ الدّعاء هو مُخ العبادة. أُدعو {الله} بأيّ كيف، بلسان الحال ولسان المقال كيفما ألهمك {الله}.
وإن تحريت دعاء سيد الخلق النبي محمد عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فإنك على هدي وطريق سليم.
وابدأ باسم {الله} رب العالمين:
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
خُذ الماء واقتصد فإنّ الماء نعمة تُوجب الشكر.
وشكرك لهذه النعمة إنما بالاقتصاد وعدم الإسراف في استعمالها.
حتى لو أنك بجانب البحر خُذ م
يوسف هاشم محمد نجم- عضو جديد
- عدد الرسائل : 9
العمر : 77
تاريخ التسجيل : 15/09/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى