باكستان... غاية في الأهمية
صفحة 1 من اصل 1
باكستان... غاية في الأهمية
في حين تحفل واشنطن حالياً بالمناقشات المكثفة حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية لإيران ومنشآتها النووية، فإن باكستان كما يرى الكثير من الخبراء، يمكن أن تكون هي الدولة التي تمثل تهديداً طويل الأمد وأكثر خطورة على الاستقرار الإقليمي والعالمي. ورغم أن المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة، قد صرحوا في العديد من المناسبات أن باكستان تعتبر من أهم "الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة خارج نطاق حلف الناتو"، لأنها الدولة التي توفر طريق إمداد حيوي لما يزيد على 100 ألف جندي من جنود الحلف الذين يقاتلون في أفغانستان حالياً، فمن المعروف في الوقت ذاته أنها دولة مضطربة، تحتدم فيها حرب أهلية، ويمكن أن تتحول في نهاية المطاف إلى دولة فاشلة.
وفشل باكستان كدولة لن يكون سوى بداية المتاعب فحسب. فهناك أمور أخرى أكثر خطورة تدعو للقلق؛ منها أن عدد الباكستانيين الذين قتلوا في الحرب على الإرهاب يفوق عدد من قتلوا في تلك الحرب في أي دولة أخرى باستثناء العراق، ومنها أنها دولة تمتلك ترسانة نووية يتزايد حجمها باستمرار، وتُجري عمليات تطوير لأسلحة نووية تكتيكية أصغر حجماً باستمرار، كما أنها البلد الذي خرج منه بائع المواد النووية الشهير عبد القدير خان الذي باع بضاعته لكوريا الشمالية، وإيران، وليبيا، وربما يكون قد سلم تلك الدول أيضا تصاميم للرؤوس الحربية، والذي ما زال -على الرغم من ذلك- يعتبر بطلاً شعبياً في باكستان التي يقيم فيها تحت الإقامة الجبرية الجزئية.
ويشار إلى أن الولايات المتحدة قد أجرت لقاءات عديدة مع باكستان، طالبتها خلالها بتقديم تطمينات تفيد أن ترسانتها النووية آمنة، ولا يمكن العبث بها أو سرقتها من قبل المتمردين أو الجهاديين الذين يتجولون بحرية في مختلف مناطقها... لكن لم يتسن ذلك للأسف، بسبب الارتياب العميق من جانب باكستان في نوايا الولايات المتحدة، وهو الارتياب الذي تفاقم عقب الغارة التي قتلت الولايات المتحدة فيها بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" في الأول من مايو الماضي، في عملية عسكرية مفاجئة لم تخطر القيادة الباكستانية سلفاً عن نيتها في شنها أو طبيعة الهدف الذي تنوي ضربه. ثم جاءت الهجمات التي شنتها قوات "الناتو" في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي على مواقع عسكرية باكستانية تقع على الحدود مع أفغانستان المجاورة، أدت إلى مصرع 24 جندياً باكستانياً، لتزيد من تعقيد الأمور، ومن ارتياب إسلام آباد في نوايا واشنطن.
وباكستان مقتنعة بأن الولايات المتحدة والهند تتواطآن عليها، وأن لديهما نوايا منذ زمن طويل للحصول على أسلحتها النووية للحيلولة دون وصولها إلى الإرهابيين، وهو ما يدعوها للنظر إلى الأنشطة الهندية في المنطقة، وفي أفغانستان على وجه الخصوص بقدر كبير من الارتياب.
ليس من الواضح حتى الآن مدى أو درجة سيطرة الحكومة المدنية التي يقودها زرداري على القوة النووية لباكستان. بيد أنه من المفهوم في هذا الشأن أن الجيش الباكستاني هو الذي يسيطر على تلك الأسلحة، وإن كان من غير المعروف على وجه الدقة من الذي يمسك بالمفاتيح في يده، وماهي الظروف أو الشروط التي تتم فيها إتاحة تلك الأسلحة للاستخدام.
والشيء غير المؤكد هو أنه لا توجد هناك رقابة مدنية على الأسلحة النووية بنفس الدرجة من الدقة والصرامة الموجودة في الولايات المتحدة والهند.
والمشكلة أن باكستان تظل، على الرغم من كل شيء، دولة في غاية الأهمية. وبالتالي فإن أي صدع في العلاقة معها يمكن أن يؤدي لإغلاق طريق الإمداد لأفغانستان، وهذا ما سيؤدي لتعقيد الصراع هناك، ويجعل قوات "الناتو" مضطرة للاعتماد على روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لإبقاء الطرق اللوجستية الموجودة فيها مفتوحة حتى يتسنى توصيل الإمدادات إلى قوات "الناتو" في أفغانستان، وهي مسألة تكتنفها العديد من الصعوبات.
لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تحاول بأي طريقة العثور على طرق وأساليب أفضل للتعامل مع باكستان لتجنب أي توتر في العلاقة، أو أي تفاقم في الشك من جانب تلك الدولة. لكن إلى أن يتمكن النظام الداخلي السياسي الباكستاني من تقديم زعيم يستطيع معالجة المشكلات الأمنية التي تواجهها هي وجيرانها، فمن غير المتوقع حدوث تطور ذا شأن في هذه المسألة.
وهناك إشاعات في الوقت الراهن مؤداها أن زرداري قد يستقيل بسبب الضغط الشديد الذي يمارسه الجيش عليه، وثمة أخبار تفيد بأن "حسين حقاني"، الرجل الفصيح والنشيط والذي كان حتى فترة قريبة يشغل منصب سفير باكستان في واشنطن، قد أعفى من منصبه بسبب الشكوك حول استخدامه قنوات خلفية لإضعاف الدور السياسي للجيش.
وفي الأمد القصير، يمكن القول إن وقوع انقلاب عسكري في باكستان هو الشيء الذي يمكن أن يجلب الاستقرار فيها، أما في الأمد الطويل فيجب ألا نتوقع أن الجيل الأكثر شباباً من ضباط الجيش الذين سيترقون عبر الرتب ويصلون لمناصب عليا، سيكون لديهم نفس الرؤية التي لدى الجيل الحالي من العسكريين مثل رئيس الأركان الجنرال إشفاق برويز كياني، أو الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف. ومن المعروف في هذا السياق أن الجيل الأحدث من الضباط الباكستانيين الذي حرموا من الالتحاق بالكليات العسكرية في الولايات المتحدة والدول الغربية، والذين يعتبرون أكثر وطنية وأكثر مناوءة للغرب من أسلافهم، سيكونون مسؤولين، عندما يصبحون جنرالات كبارا، عن مئات الأسلحة النووية في الترسانة الباكستانية.
وفي الوقت الذي ينتاب البعض قلقٌ من إمكانية حصول إيران على قنبلة، أو حتى عدة قنابل نووية، نرى أن قدراً أكبر من الاهتمام يجب أن يذهب للنظر في حقيقة أن باكستان، وهي دولة مسلحة نووياً حتى النخاع، قد باتت في مرحلة التحلل الآن، وهو ما يدعونا للحفاظ على علاقة عملية وثيقة مع هذا البلد، وإلى أن تكون هذه العلاقة على رأس أجندة أولويات أوباما ومن يأتي بعده.
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
مواضيع مماثلة
» الأهمية الإستراتيجية لمقتل بن لادن
» العلاقات مع واشنطن ما زالت في غاية التوتر
» أنباء عن استقالة سفيرة باكستان في واشنطن ووزير الخارجية الأمريكي يزور باكستان قريبًا
» باكستان اليوم 26 فبراير 2011 : حرب الشاحنات مستمرة في باكستان
» علماء من باكستان ومجمع الفقه الإسلامي الدولي يتعهدون بدعم برنامج استئصال شلل الأطفال في باكستان
» العلاقات مع واشنطن ما زالت في غاية التوتر
» أنباء عن استقالة سفيرة باكستان في واشنطن ووزير الخارجية الأمريكي يزور باكستان قريبًا
» باكستان اليوم 26 فبراير 2011 : حرب الشاحنات مستمرة في باكستان
» علماء من باكستان ومجمع الفقه الإسلامي الدولي يتعهدون بدعم برنامج استئصال شلل الأطفال في باكستان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى