الاستراتيجية الأميركية حيال باكستان لا تحقق أهدافها
صفحة 1 من اصل 1
الاستراتيجية الأميركية حيال باكستان لا تحقق أهدافها
انتقد الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، في آخر ظهور رسمي له أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي في 22 سبتمبر الماضي، باكستان بشكل صريح، حيث قال موجها كلامه للجنة: "إن المنظمات المتطرفة العاملة بتفويض من حكومة باكستان تقوم بالإغارة على القوات الافغانية والمدنيين الأفغان، كما على الجنود الأميركيين"، وإن شبكة حقاني هي في العديد من الجوانب الذراع الاستراتيجية لجهاز المخابرات الباكستانية "آي أس آي".
وهذه الملاحظات التي أدلى بها مولن، لم تصل به إلى الخلاصة الواضحة وهي وجوب معاملة باكستان كقوة معادية.
وفي غضون أيام، بدأ المسؤولون العسكريون الأميركيون في سحب ملاحظات مولن، زاعمين أنه كان يقصد القول إن إسلام أباد تقدم لشبكة حقاني دعما واسعا فقط، وليس توجيها محدداً. وفي أثناء ذلك، أكد مسؤولون في الحكومة الأميركية ان شهادة مولن لا تعبر عن استراتيجية أميركية جديدة تجاه باكستان.
لكن هناك حاجة ماسة إلى مثل هذا التحول، فعلى امتداد عقود مضت، سعت أميركا إلى شراء التعاون الباكستاني من خلال المساعدات التي بلغت قيمتها 20 مليار دولار منذ أحداث سبتمبر حتى الآن، وقد صاحب ذلك كثير من الإشادة بمواقف باكستان. وتكتيك واشنطن هذا القائم على النقد المترافق مع استمرار المساعدة، لم يكن مؤثرا ولا فعالا.
وتذهب التهديدات أدراج الرياح لأن قادة إسلام أباد لا يهابون الولايات المتحدة، وهذا يعود إلى واقع أن واشنطن كثيرا ما أظهرت خوفها من باكستان، لاعتقادها أن سياسة هذه الأخيرة يمكن أن تزداد سوءا، على الرغم من كونها غير مفيدة.
والاستنتاج الذي توصلت إليه واشنطن مفاده أنها إذا فكت ارتباطها مع باكستان، وأدى ذلك إلى إيقاف هذه الأخيرة تعاونها في أفغانستان، فإن الجهود الأميركية في مكافحة التمرد في تلك البلاد محكوم عليها بالفشل.
ويذهب هذا التفكير إلى القول إن المشكلة الأكبر تكمن في إمكانية تداعي الدولة الباكستانية مما يعجل من سيطرة المتطرفين عليها، فتتدهور العلاقات الباكستانية مع نظام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي المدعوم أميركيا ويتصاعد التوتر، وربما تندفع المنطقة إلى حرب نووية بين باكستان والهند.
وزن الأفعال
والعلاقات الأميركية الباكستانية لم ينتج منها إلا نجاحات متواضعة، وحتى هذه النجاحات تفقد بريقها وتضمحل أمام الطرق التي أثبتت بها باكستان عدم تعاونها، والمثال على ذلك الغارة التي أدت إلى مصرع أسامة بن لادن.
وواقع أن باكستان نأت بنفسها عن الغارة يتحدث عن مشكلة أخرى رئيسية في العلاقة، وهي أن الرأي العام في باكستان يبقى متشبثا بموقفه المناهض لأميركا، على الرغم من مليارات الدولارات التي قدمتها أميركا إلى باكستان.
وفي عام 2010 اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بحوث "بيو" شمل 21 بلدا حول العالم، أن الباكستانيين الذين شاركوا في الاستطلاع سجلوا المعدلات الأدنى لناحية تأييدهم أو تحيزهم للولايات المتحدة بنسبة 17%.
وفي السنة التالية، وجد مسح آخر لمركز "بيو" أن 63% من السكان رفضوا الغارة التي أدت إلى مصرع ابن لادن، وأن 55٪ وجدوا وفاته أمرا سيئا.
باختصار، فان الاستراتيجية الحالية لواشنطن حيال إسلام أباد، لا تؤدي أهدافها.
وأية مكاسب اشترتها أميركا من خلال مساعداتها وارتباطها جاء مقابل ثمن مرتفع جدا، بترجيح كفة الخسائر كثيرا لناحية انتشار المواد النووية، ودعم المجموعات التي تشن هجماتها على الأميركيين والأفغان والهنود وغيرهم.
خيار منطقي
وقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن غياب التعاون من جانب باكستان مع الولايات المتحدة إنما هو ناتج عن ضعفها كدولة، وتساق حجج بأن عدداً كبيراً من القادة الباكستانيين المدنيين والعسكريين ربما يرغبون فعلا في أن يكونوا أكثر توافقا مع أميركا، لكنهم يمنعون من ذلك من قبل تيارات إسلامية متشددة نافذة.
لكن يبقى هناك تفسير اكثر وضوحا لهذا السلوك الباكستاني، فسياستها تعد ردودا منطقية بالكامل، في إطار المفهوم الذي يحمله قادتها، لاسيما من هم في الجيش، فيما يتعلق بالمصلحة الوطنية للبلاد، والأهداف الجوهرية لباكستان تكمن في حماية نفسها ضد خصمها الهند، وإسلام أباد تستخدم انتشار الأسلحة النووية والردع والإرهاب وعلاقتها الشائكة مع أميركا، بشكل متعمد، لتحقيق هذا الهدف.
ان استراتيجية باكستان النووية تكمن في إبراز تهديد يمكن تصديقه باستخدام السلاح النووي أولا ضد الهند.
وللبلاد ترسانة نووية تنمو باضطراد، ومخزون من الصواريخ قصيرة المدى حاملة للرؤوس النووية، وخطط لنشر سريع للأسلحة في حالة غزو هندي. وإلى الآن، حققت الاستراتيجية أهدافها، فالهند على الرغم من دعم باكستان لهجمات عديدة على أراضيها، لم ترد بالمثل.
إنجاز مشهود
كذلك، كانت سياسة باكستان المزدوجة حيال أميركا فعالة أيضا. والقادة الباكستانيون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن بمقدورهم مقاومة ضغط أميركا من أجل تعاون إسلام أباد معها. لكنهم كانوا كارهين خسارة تأثيرهم على المتمردين في أفغانستان، لانهم يقدمون لباكستان عمقا استراتيجيا ضد الهند، من وجهة نظرهم.
لذا قررت إسلام أباد ان تحصل على ما تريد في الاتجاهين: التعاون مع واشنطن بما يكفي لجعل نفسها مفيدة، لكن من جهة أخرى، إعاقة خطط التحالف بشكل كاف إلى حد يكاد يستحيل إنهاء التمرد الأفغاني، وكان هذا إنجازا مشهودا له لباكستان.
وتشهد تعليقات مولن على أن المسؤولين الأميركيين يقرون بأخطاء نهجهم تجاه باكستان، لكن بدلا من قيام واشنطن بتغييرات جذرية في سياستها، فإنها تتعامل مع باكستان حيثما كان ذلك ممكنا.
والتغيير الوحيد المهم في السياسة الأميركية تجاه باكستان منذ عام 2008 كان إعادة توجيه المساعدات إلى المدنيين. فقد ازداد إجمالي المساعدات في ظل إدارة أوباما بنسبة 48%، والنسبة الأكبر منها باتت تتكون من المساعدات الاقتصادية بدلا من الأمنية، بنسبة 45% عام 2010 في مقابل 24% عام 2008.
أما قانون الشراكة المعززة مع باكستان لعام 2009 والذي التزام بتقديم مبلغ 7.5 مليارات دولار على امتداد خمس سنوات فقد ربط عملية صرف الأموال بسلوك باكستان، بما في ذلك تعاونها في مجال محاربة الإرهاب وإجراء انتخابات ديمقراطية.
لكن المساعدات استمرت في التدفق على الرغم من السلوك المشاكس لباكستان.
ويبدو السبيل الوحيد لكي تحصل أميركا على ما تريده من باكستان هو في توجيه تهديدات موثوقة بالرد ضد باكستان، إذا لم تلتزم بمطالب أميركا، وتقديم مكافآت لها فقط في مقابل خطوات تعاون قامت باتخاذها.
ولكن ما الذي يكسب هذه التهديدات المصداقية؟
أولا، يجب أن توضح أميركا أنها إذا أنهت مساعدتها لباكستان، فان هذه الأخيرة لن تتمكن من الرد عليها.
ثانيا، يجب أن تظهر أميركا عن إمكانية تحييد إحدى أوراق باكستان الرابحة، أي دورها في الحرب في أفغانستان.
أخيرا، يجب أن تسقط واشنطن مخاوفها وقوامها أن وقف المساعدات أو النزعة العدائية المفتوحة قد تؤدي إلى انهيار الدولة الباكستانية واستلام المتطرفين السلطة أو اندلاع حرب نووية.
فالباكستانيون كانوا دوما يقررون مستقبلهم السياسي، ولم يكن الأميركيون يقررونه عنهم.
كما أن استثمارات أميركا الضخمة في الدولة المدنية والاقتصاد، لم تؤد إلى تعزيز مكاسب الاستقرار، وسيبقى الجيش الباكستاني المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، بالمساعدات الأميركية إلى باكستان أو من دونها.
وفي استطلاع لرأي الباكستانيين أجراه مركز بحوث "بيو"، قال 79% من الذين ادلوا برأيهم إن الجيش كان له تأثير جيد على توجه البلاد بالمقارنة مع 20% أفادوا بان التأثير الجيد يعود للحكومة المدنية.
السلاح النووي
أما فيما يتعلق باحتمال سيطرة المتشددين، فإن مراكز القوة الحالية في باكستان لديها مصلحة قوية في الحفاظ على سيطرتها، بكل ما ملكت أيديها، بمعزل عن سياسة واشنطن.
ويجدر التذكير بأن باكستان سبق ان أظهرت قدرتها على اقتلاع الشبكات الإرهابية التي تهدد مؤسساتها، كما فعلت في وادي سوات وإقليم بونر عام 2009، هذا عدا أن حكومة من المتطرفين لم تبرهن على أنها الخيار الشعبي للباكستانيين، كما أظهرت الانتخابات العامة الأخيرة.
واحتمال أن تصل الأسلحة النووية إلى أيدي الإرهابيين هو خطر جدي، بالطبع، لكنه لا يمثل خطرا بإمكان أميركا التخفيف منه بسهولة، مهما كانت سياستها في المنطقة، وموقف باكستان النووي يزيد من فرص خسارة الحكومة المركزية سيطرتها.
ومع ذلك، فإن باكستان لن تبدل هذا الموقف، لأنه مؤثر جدا في ردع الهند، والجهود الأميركية في التضييق على أنظمة القيادة والتحكم الباكستانية اعترضها انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين، واي جهود جديدة في هذا السياق ستواجه الوضع نفسه.
وأخيرا، طالما ان الهند لديها قدرة على إلحاق الضربة الأولى ومن ثم الثانية، فإنه من غير المرجح ان تقوم باكستان بتوجيه الضربة الأولى إلى الهند في حال اندلاع أزمه.
وفي مطلق الأحوال، حتى لو تصاعد التوتر فليس هناك ما تستطيع أميركا القيام به إلا النذر القليل، في ظل وجود علاقات جيدة من عدمها.
ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن نهجا أميركيا يعتمد الإهمال المؤذي وما يعنيه لجهة قطع كل المساعدات، وتصعيد الضربات بالطائرات الموجهة عن بعد، وشن هجمات لقوات خاصة عبر الحدود، وتقوية الروابط الأميركية مع الهند، أو حتى اعتماد نهج يفرض عزلة فعالة على البلاد، بإعلانها دولة راعية للإرهاب، وفرض عقوبات عليها، سيجعل سلوك باكستان أو مشكلاتها أسوأ من الوضع الحالي.
وضع افضل
وحتى لو هددت أميركا بفك ارتباطها بباكستان، فإنه يتعين عليها ان تشدد على أنها لا تزال تفضل علاقة إيجابية بين الطرفين.
لكنه يتعين عليها أيضا ان توضح أن الخيار يعود لباكستان، فإذا أوقفت دعمها للإرهاب، وعملت بنشاط مع أميركا على تجريد القاعدة وطالبان وشبكة حقاني، وأوقفت إشرافها على أفغانستان.
فان الولايات المتحدة ستقدم لها مكافآت سخية. بإمكان أميركا تزويدها ببرامج مساعدات وفتح أسواقها للصادرات الباكستانية، ودعم إجراءات سياسية في كابول تقلص من مخاوف إسلام أباد من النفوذ الهندي، بتعابير أخرى، ستقدم الولايات المتحدة كثيراً من العروض السياسية بشرط التزام باكستان بمطالبها.
وهذه المكافآت لا يجب بالضرورة أن تهدف إلى تغيير حسابات باكستان الإقليمية، بل يجب ان تقدم كمكافأة مقابل تعاون باكستان في السياسات الأهم للولايات المتحدة في المنطقة.
كانت الفكرة الكامنة في صلب الملاحظات التي ادلى بها مولن أمام مجلس الشيوخ هي أن واشنطن يجب أن تتعامل مع باكستان بالقوة.
وكان مولن محقا، ذلك أن مجموعة كاملة من أساليب الإقناع اللطيفة قد تم اختبارها وفشلت.
والخيار الوحيد الباقي الآن هو خيار جذري، وما يدعو للسخرية أن هذا النهج لن يفيد أميركا فحسب، وإنما المنطقة باسرها، التي سرعان ما ستجد نفسها في وضع افضل، بما في ذلك باكستان.
المصدر: بقلم: ستيفن كراسنر
وهذه الملاحظات التي أدلى بها مولن، لم تصل به إلى الخلاصة الواضحة وهي وجوب معاملة باكستان كقوة معادية.
وفي غضون أيام، بدأ المسؤولون العسكريون الأميركيون في سحب ملاحظات مولن، زاعمين أنه كان يقصد القول إن إسلام أباد تقدم لشبكة حقاني دعما واسعا فقط، وليس توجيها محدداً. وفي أثناء ذلك، أكد مسؤولون في الحكومة الأميركية ان شهادة مولن لا تعبر عن استراتيجية أميركية جديدة تجاه باكستان.
لكن هناك حاجة ماسة إلى مثل هذا التحول، فعلى امتداد عقود مضت، سعت أميركا إلى شراء التعاون الباكستاني من خلال المساعدات التي بلغت قيمتها 20 مليار دولار منذ أحداث سبتمبر حتى الآن، وقد صاحب ذلك كثير من الإشادة بمواقف باكستان. وتكتيك واشنطن هذا القائم على النقد المترافق مع استمرار المساعدة، لم يكن مؤثرا ولا فعالا.
وتذهب التهديدات أدراج الرياح لأن قادة إسلام أباد لا يهابون الولايات المتحدة، وهذا يعود إلى واقع أن واشنطن كثيرا ما أظهرت خوفها من باكستان، لاعتقادها أن سياسة هذه الأخيرة يمكن أن تزداد سوءا، على الرغم من كونها غير مفيدة.
والاستنتاج الذي توصلت إليه واشنطن مفاده أنها إذا فكت ارتباطها مع باكستان، وأدى ذلك إلى إيقاف هذه الأخيرة تعاونها في أفغانستان، فإن الجهود الأميركية في مكافحة التمرد في تلك البلاد محكوم عليها بالفشل.
ويذهب هذا التفكير إلى القول إن المشكلة الأكبر تكمن في إمكانية تداعي الدولة الباكستانية مما يعجل من سيطرة المتطرفين عليها، فتتدهور العلاقات الباكستانية مع نظام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي المدعوم أميركيا ويتصاعد التوتر، وربما تندفع المنطقة إلى حرب نووية بين باكستان والهند.
وزن الأفعال
والعلاقات الأميركية الباكستانية لم ينتج منها إلا نجاحات متواضعة، وحتى هذه النجاحات تفقد بريقها وتضمحل أمام الطرق التي أثبتت بها باكستان عدم تعاونها، والمثال على ذلك الغارة التي أدت إلى مصرع أسامة بن لادن.
وواقع أن باكستان نأت بنفسها عن الغارة يتحدث عن مشكلة أخرى رئيسية في العلاقة، وهي أن الرأي العام في باكستان يبقى متشبثا بموقفه المناهض لأميركا، على الرغم من مليارات الدولارات التي قدمتها أميركا إلى باكستان.
وفي عام 2010 اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بحوث "بيو" شمل 21 بلدا حول العالم، أن الباكستانيين الذين شاركوا في الاستطلاع سجلوا المعدلات الأدنى لناحية تأييدهم أو تحيزهم للولايات المتحدة بنسبة 17%.
وفي السنة التالية، وجد مسح آخر لمركز "بيو" أن 63% من السكان رفضوا الغارة التي أدت إلى مصرع ابن لادن، وأن 55٪ وجدوا وفاته أمرا سيئا.
باختصار، فان الاستراتيجية الحالية لواشنطن حيال إسلام أباد، لا تؤدي أهدافها.
وأية مكاسب اشترتها أميركا من خلال مساعداتها وارتباطها جاء مقابل ثمن مرتفع جدا، بترجيح كفة الخسائر كثيرا لناحية انتشار المواد النووية، ودعم المجموعات التي تشن هجماتها على الأميركيين والأفغان والهنود وغيرهم.
خيار منطقي
وقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن غياب التعاون من جانب باكستان مع الولايات المتحدة إنما هو ناتج عن ضعفها كدولة، وتساق حجج بأن عدداً كبيراً من القادة الباكستانيين المدنيين والعسكريين ربما يرغبون فعلا في أن يكونوا أكثر توافقا مع أميركا، لكنهم يمنعون من ذلك من قبل تيارات إسلامية متشددة نافذة.
لكن يبقى هناك تفسير اكثر وضوحا لهذا السلوك الباكستاني، فسياستها تعد ردودا منطقية بالكامل، في إطار المفهوم الذي يحمله قادتها، لاسيما من هم في الجيش، فيما يتعلق بالمصلحة الوطنية للبلاد، والأهداف الجوهرية لباكستان تكمن في حماية نفسها ضد خصمها الهند، وإسلام أباد تستخدم انتشار الأسلحة النووية والردع والإرهاب وعلاقتها الشائكة مع أميركا، بشكل متعمد، لتحقيق هذا الهدف.
ان استراتيجية باكستان النووية تكمن في إبراز تهديد يمكن تصديقه باستخدام السلاح النووي أولا ضد الهند.
وللبلاد ترسانة نووية تنمو باضطراد، ومخزون من الصواريخ قصيرة المدى حاملة للرؤوس النووية، وخطط لنشر سريع للأسلحة في حالة غزو هندي. وإلى الآن، حققت الاستراتيجية أهدافها، فالهند على الرغم من دعم باكستان لهجمات عديدة على أراضيها، لم ترد بالمثل.
إنجاز مشهود
كذلك، كانت سياسة باكستان المزدوجة حيال أميركا فعالة أيضا. والقادة الباكستانيون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن بمقدورهم مقاومة ضغط أميركا من أجل تعاون إسلام أباد معها. لكنهم كانوا كارهين خسارة تأثيرهم على المتمردين في أفغانستان، لانهم يقدمون لباكستان عمقا استراتيجيا ضد الهند، من وجهة نظرهم.
لذا قررت إسلام أباد ان تحصل على ما تريد في الاتجاهين: التعاون مع واشنطن بما يكفي لجعل نفسها مفيدة، لكن من جهة أخرى، إعاقة خطط التحالف بشكل كاف إلى حد يكاد يستحيل إنهاء التمرد الأفغاني، وكان هذا إنجازا مشهودا له لباكستان.
وتشهد تعليقات مولن على أن المسؤولين الأميركيين يقرون بأخطاء نهجهم تجاه باكستان، لكن بدلا من قيام واشنطن بتغييرات جذرية في سياستها، فإنها تتعامل مع باكستان حيثما كان ذلك ممكنا.
والتغيير الوحيد المهم في السياسة الأميركية تجاه باكستان منذ عام 2008 كان إعادة توجيه المساعدات إلى المدنيين. فقد ازداد إجمالي المساعدات في ظل إدارة أوباما بنسبة 48%، والنسبة الأكبر منها باتت تتكون من المساعدات الاقتصادية بدلا من الأمنية، بنسبة 45% عام 2010 في مقابل 24% عام 2008.
أما قانون الشراكة المعززة مع باكستان لعام 2009 والذي التزام بتقديم مبلغ 7.5 مليارات دولار على امتداد خمس سنوات فقد ربط عملية صرف الأموال بسلوك باكستان، بما في ذلك تعاونها في مجال محاربة الإرهاب وإجراء انتخابات ديمقراطية.
لكن المساعدات استمرت في التدفق على الرغم من السلوك المشاكس لباكستان.
ويبدو السبيل الوحيد لكي تحصل أميركا على ما تريده من باكستان هو في توجيه تهديدات موثوقة بالرد ضد باكستان، إذا لم تلتزم بمطالب أميركا، وتقديم مكافآت لها فقط في مقابل خطوات تعاون قامت باتخاذها.
ولكن ما الذي يكسب هذه التهديدات المصداقية؟
أولا، يجب أن توضح أميركا أنها إذا أنهت مساعدتها لباكستان، فان هذه الأخيرة لن تتمكن من الرد عليها.
ثانيا، يجب أن تظهر أميركا عن إمكانية تحييد إحدى أوراق باكستان الرابحة، أي دورها في الحرب في أفغانستان.
أخيرا، يجب أن تسقط واشنطن مخاوفها وقوامها أن وقف المساعدات أو النزعة العدائية المفتوحة قد تؤدي إلى انهيار الدولة الباكستانية واستلام المتطرفين السلطة أو اندلاع حرب نووية.
فالباكستانيون كانوا دوما يقررون مستقبلهم السياسي، ولم يكن الأميركيون يقررونه عنهم.
كما أن استثمارات أميركا الضخمة في الدولة المدنية والاقتصاد، لم تؤد إلى تعزيز مكاسب الاستقرار، وسيبقى الجيش الباكستاني المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، بالمساعدات الأميركية إلى باكستان أو من دونها.
وفي استطلاع لرأي الباكستانيين أجراه مركز بحوث "بيو"، قال 79% من الذين ادلوا برأيهم إن الجيش كان له تأثير جيد على توجه البلاد بالمقارنة مع 20% أفادوا بان التأثير الجيد يعود للحكومة المدنية.
السلاح النووي
أما فيما يتعلق باحتمال سيطرة المتشددين، فإن مراكز القوة الحالية في باكستان لديها مصلحة قوية في الحفاظ على سيطرتها، بكل ما ملكت أيديها، بمعزل عن سياسة واشنطن.
ويجدر التذكير بأن باكستان سبق ان أظهرت قدرتها على اقتلاع الشبكات الإرهابية التي تهدد مؤسساتها، كما فعلت في وادي سوات وإقليم بونر عام 2009، هذا عدا أن حكومة من المتطرفين لم تبرهن على أنها الخيار الشعبي للباكستانيين، كما أظهرت الانتخابات العامة الأخيرة.
واحتمال أن تصل الأسلحة النووية إلى أيدي الإرهابيين هو خطر جدي، بالطبع، لكنه لا يمثل خطرا بإمكان أميركا التخفيف منه بسهولة، مهما كانت سياستها في المنطقة، وموقف باكستان النووي يزيد من فرص خسارة الحكومة المركزية سيطرتها.
ومع ذلك، فإن باكستان لن تبدل هذا الموقف، لأنه مؤثر جدا في ردع الهند، والجهود الأميركية في التضييق على أنظمة القيادة والتحكم الباكستانية اعترضها انعدام الثقة المتبادل بين الطرفين، واي جهود جديدة في هذا السياق ستواجه الوضع نفسه.
وأخيرا، طالما ان الهند لديها قدرة على إلحاق الضربة الأولى ومن ثم الثانية، فإنه من غير المرجح ان تقوم باكستان بتوجيه الضربة الأولى إلى الهند في حال اندلاع أزمه.
وفي مطلق الأحوال، حتى لو تصاعد التوتر فليس هناك ما تستطيع أميركا القيام به إلا النذر القليل، في ظل وجود علاقات جيدة من عدمها.
ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن نهجا أميركيا يعتمد الإهمال المؤذي وما يعنيه لجهة قطع كل المساعدات، وتصعيد الضربات بالطائرات الموجهة عن بعد، وشن هجمات لقوات خاصة عبر الحدود، وتقوية الروابط الأميركية مع الهند، أو حتى اعتماد نهج يفرض عزلة فعالة على البلاد، بإعلانها دولة راعية للإرهاب، وفرض عقوبات عليها، سيجعل سلوك باكستان أو مشكلاتها أسوأ من الوضع الحالي.
وضع افضل
وحتى لو هددت أميركا بفك ارتباطها بباكستان، فإنه يتعين عليها ان تشدد على أنها لا تزال تفضل علاقة إيجابية بين الطرفين.
لكنه يتعين عليها أيضا ان توضح أن الخيار يعود لباكستان، فإذا أوقفت دعمها للإرهاب، وعملت بنشاط مع أميركا على تجريد القاعدة وطالبان وشبكة حقاني، وأوقفت إشرافها على أفغانستان.
فان الولايات المتحدة ستقدم لها مكافآت سخية. بإمكان أميركا تزويدها ببرامج مساعدات وفتح أسواقها للصادرات الباكستانية، ودعم إجراءات سياسية في كابول تقلص من مخاوف إسلام أباد من النفوذ الهندي، بتعابير أخرى، ستقدم الولايات المتحدة كثيراً من العروض السياسية بشرط التزام باكستان بمطالبها.
وهذه المكافآت لا يجب بالضرورة أن تهدف إلى تغيير حسابات باكستان الإقليمية، بل يجب ان تقدم كمكافأة مقابل تعاون باكستان في السياسات الأهم للولايات المتحدة في المنطقة.
كانت الفكرة الكامنة في صلب الملاحظات التي ادلى بها مولن أمام مجلس الشيوخ هي أن واشنطن يجب أن تتعامل مع باكستان بالقوة.
وكان مولن محقا، ذلك أن مجموعة كاملة من أساليب الإقناع اللطيفة قد تم اختبارها وفشلت.
والخيار الوحيد الباقي الآن هو خيار جذري، وما يدعو للسخرية أن هذا النهج لن يفيد أميركا فحسب، وإنما المنطقة باسرها، التي سرعان ما ستجد نفسها في وضع افضل، بما في ذلك باكستان.
المصدر: بقلم: ستيفن كراسنر
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
مواضيع مماثلة
» باكستان وأفغانستان.. بحث عن حلول للمشكلات الاستراتيجية
» باكستان تحقق بتحطم الطائرة
» تنديد بالغارات الأميركية على باكستان
» وكالات العون الأميركية في باكستان
» باكستان تطلب وقف الغارات الأميركية
» باكستان تحقق بتحطم الطائرة
» تنديد بالغارات الأميركية على باكستان
» وكالات العون الأميركية في باكستان
» باكستان تطلب وقف الغارات الأميركية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى