تحديات تنموية تحول دون استغلال باكستان لإمكاناتها الاقتصادية
صفحة 1 من اصل 1
تحديات تنموية تحول دون استغلال باكستان لإمكاناتها الاقتصادية
خلال الشهر الماضي، احتفلت باكستان بإطلاق خدمة سكة حديدية جديدة بين كراتشي، العاصمة التجارية، ولاهور بالقرب من الحدود مع الهند. وتكتظ خدمة ''باك بيزنس إكسبرس''، بشاشات التلفزيون المسطحة، ومضيفي الخدمة اللطيفين، وتتم إدارتها بموجب شراكة بين القطاعين العام والخاص، وأتمت رحلتها الافتتاحية التي تبلغ مسافتها 1200 كيلومتر قبل الموعد المحدد بعشر دقائق.
أثنت وسائل الإعلام الوطنية على الخدمة بشكل مدوٍ - أخفقت في ملاحظة أن وقت الرحلة البالغ 18 ساعة جعل القطار أبطأ بنحو ثلاث إلى أربع مرات من نظرائه في الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
مثل المسافرين الذين تقطعت بهم السبل، يشعر الباكستانيون بأنهم متخلفون. وفي الوقت الذي اندفعت فيه اقتصادات الهند والصين المتجاورتين بشكل صاخب إلى الأمام، فإن فشل بلادهم في استغلال إمكاناتها الهائلة أسهم في تآكل شرعية قادتها وامتص ثقة جيل اليوم بالمستقبل.
تعد الانتخابات المقررة في غضون العام المقبل بتحقيق لحظة حاسمة في السعي إلى الجمع بين ديمقراطية قابلة للحياة بعد عقود من الحكم العسكري، ومزيد من الاندفاع في العنف الذي تمارسه طالبان في الآونة الأخيرة الذي انتشر من الأراضي الحدودية الأفغانية ليخترق قلب أكبر المدن الباكستانية. وللمرة الأولى منذ تأسيسها عام 1947، تتجه هذه الجمهورية الإسلامية نحو حالة انتقالية بين حكومات منتخبة دون تدخل مفتوح من جانب قادة الجيش.
إن قطاع العمل في أمس الحاجة إلى أن تنتج عن صناديق الاقتراع حكومة أكثر حراكاً، وقادرة على إطلاق بداية النمو بشكل أسرع في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة، سادس أكبر عدد في السكان في العالم. ولكن الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي، وشح الاستثمارات الأجنبية، ومصادر التمويل الهشة في الدولة، وهجرة المواهب إلى الخارج، اذكت الخوف من أن تكون معدلات النمو محصورة ضمن مستوى نسبي. وما لم يكن أداء الإدارة المقبلة أفضل، فإن الهوة المليئة بالإحباط بين توقعات واحد من أصغر سكان العالم سناً والفرص المتاحة، سوف تكبر بشكل مصيري.
تحدث هذه التوقعات قشعريرة في شتى أرجاء الغرب. ويعد مد المحافظة الدينية المرتفع، والتمرد من جانب طالبان، وتاريخ الجيش المتمثل في دعم القتال في صراعه مع الهند المنافسة على الصعيد النووي، مادة مناسبة لأسوأ مشهد أمني عالمي.
أضف إلى ذلك صراع القوة بين الحكومة والسلطة القضائية والجيش والعلاقات المتراجعة مع الولايات المتحدة، التي أذكاها قتل مؤسس القاعدة أسامة بن لادن في باكستان العام الماضي. وسوف تبدو الصورة أكثر اضطراباً من ذلك بكثير.
مع ذلك، يتم في الغالب تفادي السؤال الأكثر أهمية المطروح حول ما إذا كانت البلاد سوف تبرهن على أنها قادرة على احتضان مسار نمو بإمكانه تهدئة الغضب العام. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، أثارت انقطاعات الكهرباء المتكررة الاحتجاجات الغاضبة في المدن الكبرى، وتبقى مخاطر مزيد من القلاقل عالية للغاية. ويعترف عبد الحافظ شيخ، وزير المالية، قائلاً: ''تدهورت الظروف التي نواجهها للغاية. ولدينا القدرة على أن نكون بقوة النمر - بإمكاننا أن نفعل أفضل من ذلك''.
هذا النوع من الرثاء والأسف أمر متواصل بين رجال الأعمال الباكستانيين الذي يصرون على أن البلاد لم تكن تبدو بمثل هذه الكآبة دائماً. وخلال السنوات التي تحالفت فيها إسلام أباد مع الولايات المتحدة في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2011، أشعل مزيج من إعفاء الديون وإصلاح النظام المصرفي وتدفق الاستثمارات الأجنبية طفرة صغيرة. وبين عامي 2002 و2008، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 6.5 في المائة.
أصبحت الصورة أكثر قتامة. وأسهمت عوامل راوحت بين العنف المسلح والكوارث الطبيعية ونقص الطاقة، في تخفيض النمو إلى متوسط نمو بلغ 2.6 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وصنف مؤشر إم إس سي آي ''مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال''، باكستان خلال كانون الأول (ديسمبر) 2008 في وضعية ''ناشئة''، ويشير إلى النمو إلى وضعية ''حدودية''، محفوفة بمزيد من المخاطر.
تجادل حكومة الرئيس آصف علي زرداري بالقول إنها أحرزت تقدماً في تحسين سجل باكستان الكئيب المتعلق بجمع الضرائب منذ أن جاءت إلى السلطة عام 2008. وأسست كذلك شبكة أمان بلغت قيمتها 50 مليار روبية لأكثر العائلات فقراً، البالغ عددها ستة ملايين عائلة.
لكنها استسلمت إلى الضغوط التي يمارسها شركاء التحالف الذين يعارضون اتخاذ خطوات أكثر جرأة لزيادة العوائد، وتخفيض المساعدات. وعلق صندوق النقد الدولي برنامجه لتقديم القروض في العام الماضي بعد أن خاب أمله في سجل إسلام أباد المتعلق بالإصلاحات.
برهنت المواجهة بين الحكومة والسلطة القضائية على أنها مصدر تشتيت آخر. واتهم القضاة رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، بازدراء المحكمة خلال الشهر الماضي بسبب فشله في الامتثال إلى حكم بإعادة فتح تحقيق بالفساد يتعلق بزرداري. ويتمثل التحدي الرئيس الذي يواجهه التحالف الآن في التمسك بالسلطة، الدعوة إلى الانتخابات في وقت مبكر خلال تشرين الأول (أكتوبر).
في واقع الأمر، يمكن أن تجعل الانتخابات التي تلوح في الأفق، الوضع أسوأ مما هو عليه. ومن المتوقع أن يصل العجز في الميزانية إلى نسبة تراوح بين 6.5 و7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2012. وعلى الأرجح أن يسهم الإغراء بطباعة مزيد من النقود لتمويل الإنفاق قبل الانتخابات بدفع التضخم إلى أعلى من 11.1 في المائة على أساس سنوي، وهو الرقم الذي وصل إليه الشهر الماضي.
تتنامى المخاوف كذلك من أن يتدهور وضع البلاد المحفوف بالمخاطر، ويصبح أزمة ميزان مدفوعات مكتملة تماماً. وعلى الرغم من أن احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية 16.8 مليار دولار، يمكن أن تبدو مناسبة تماماً، إلا أن الرقم تضخم بشكل معتبر بسبب المبلغ الذي قدمه صندوق النقد الدولي، 7.8 مليار دولار، و4.5 مليار دولار من الودائع التي أودعها المواطنون من القطاع الخاص في البنوك. وبدأت الروبية تخسر قيمتها. ويمكن أن يسهم تخفيض قيمة العملة في دعم الصادرات، ولكنه يسهم كذلك في دفع تكاليف الواردات، مثل النفط، إلى الأعلى.
استطاعت باكستان أن تجتاز المرحلة على نحو متخبط، ويعود الفضل بشكل رئيس إلى تدفق التحويلات التي بلغت قيمتها 6.3 مليار دولار خلال الأشهر الستة الماضية من عام 2011 فقط، التي تشكل دعماً مهماً للاقتصاد، ولكنها إشارة كذلك على هروب المواهب إلى الخارج.
السهولة النسبية التي بإمكان البنوك المحلية بواسطتها تحقيق الأرباح عبر الاستثمار في الدين الحكومي، بدلاً من تقديم القروض إلى المقترضين من القطاع الخاص، تحرم باكستان من الاستثمارات.
في الوقت ذاته، تعثرت مشاريع أجنبية رائدة. فعلى سبيل المثال، تراجعت مجموعة كينغهو، إحدى كبريات شركات التنقيب عن الفحم الخاصة في الصين، عن مشروع مقترح بقيمة 19 مليار دولار، وذلك في آب (أغسطس)، حيث أشارت إلى وجود مخاوف أمنية بشأن موظفيها، وأجهضت بذلك ما كان يمكن أن يكون أكبر استثمار أجنبي في باكستان.
بالنسبة إلى الشركات الباكستانية، في غضون ذلك، فإن التكلفة العالية لرأس المال - تتقاضى البنوك فائدة مقدارها نحو 16 في المائة - إلى جانب نقص الكهرباء والغاز الطبيعي وتدني الاستثمارات بشكل ثابت في مجال التعليم. تجعل هذه المشكلات الأمر أكثر صعوبة للتنافس مع المنافسين العالميين.
التناقض مع الهند التي نجحت في تدريب العمال اللازمين لإدارة صناعة تقنية المعلومات المزدهرة، صارخ للغاية. ورحبت مشاعر الفخر المتدفقة على الصعيد الوطني بالأنباء، بأن مخرجة الأفلام شارمين عبيد - شينوي، أصبحت أول باكستانية تفوز بجائزة أوسكار. ولكن ثمة شعور متبقٍ بأنه في حين يحقق الأفراد إنجازات على مستوى عالمي، إلا أن البلاد ككل غير قادرة على دعم الخدمات العامة - مثل التعليم - كي تنجح.
يقول نديم الحاكي، نائب رئيس هيئة التخطيط في باكستان: ''بالكاد يمكنك الاستثمار هنا. وقمنا بتطوير الذكاء الفردي - غير أن رأس المال الفكري يتطلب مزيدا من العمل الشاق''.
الفشل في توفير ما يكفي من الوظائف للشباب يثير بعض أكثر الأسئلة قلقاً بشأن مستقبل باكستان. ومثل عديد من البلدان النامية، لديها عدد كبير من السكان في سن الشباب - أكثر من 60 في المائة من سكانها أقل من سن 25 عاماً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ولكن نصفهم متعلم فقط. وإن مزيج الأحلام التي لم تتحقق والتطرف يجعلان حلفاء البلاد قلقين.
في ضوء هذه الخلفية، سيكون من السهل إغفال التوقعات التي تشع كعصا مضيئة لما يمكن لباكستان أن تحققه. ووصلت صادرات المنسوجات - أكبر مصدر للعملة الأجنبية - إلى رقم قياسي بلغ 13 مليار دولار في السنة المالية الماضية، بمساعدة من جانب أسعار القطن العالية، واحتضان شركات الصناعة الأكبر لتقنيات أفضل.
سجلت مجموعة نيشات، أكبر شركة للمنسوجات - تورد المنسوجات إلى تجار التجزئة مثل شركة تومي هيليفجر، وشركة جاب الأمريكيتين - زيادة في الأرباح قبل الضريبة بلغت 66 في المائة في السنة المالية 2011. ويقول رئيسها التنفيذي، أحمد جاهانجر، إن العنف من جانب طالبان، الذي يكون في الغالب ملمحاً بارزاً في التغطية الإعلامية بشأن باكستان، لم يضر بالعمليات. ويقول: ''ما زلنا نوصل الطلبيات في الوقت المحدد''. ويعكس نجاح الشركة اتجاهاً متصاعداً أوسع نطاقاً في إيرادات قطاع الشركات في باكستان، وفقاً لسلمان مانيا، المحلل لدى شركة آي جي آي للخدمات المالية - البنك الاستثماري في كراتشي.
على الرغم من ذلك، يعكس حتى هذا المؤشر الإيجابي كما هو واضح، نقصاً غير صحي للتنافسية. والشركات الأكبر فقط هي التي لديها اقتصادات الحجم الكبير كي تدفع مقابل إمدادات الطاقة بشكل مستقر، وتمويل الاستثمار. ويمكن أن تعطي العوائق أمام دخول الشركات الأصغر حجماً قطاع الشركات شعوراً بالإحباط، ومن شأن ذلك أن يعتبر رؤساءه وكأنهم حكام أقلية، وليسوا رجال أعمال مغامرين. وانتقل بعض شركات المنسوجات إلى بنجلادش، لاستغلال التكاليف الأدنى وإمكانية الوصول بشكل تفضيلي إلى الأسواق الغربية.
حتى قطاع الزراعة - الذي يعد عماداً آخر لاقتصاد باكستان - بعيد كل البعد عن تحقيق إمكاناته. وتعرض القطاع إلى ضربة قاسية بسبب الفيضانات الكارثية التي حدثت خلال العامين الماضيين، على الرغم من أن الارتفاع الأخير في أسعار السلع العالمية ضخ مزيدا من السيولة في المناطق الريفية.
خارج نطاق قطاع المنسوجات، ما زال يتعين على البلاد أن تطور شركات زراعية أكثر تطوراً من شأنها أن تحدث انطلاقة أوسع قاعدة بكثير. وتعتبر العوائد أعلى بشكل حاد عبر الحدود في الهند التي استثمرت على نحو أكثر بكثير في أنظمة الري. وحتى البقر الهندي فإنه يعطي مزيدا من الحليب.
هناك بعض المؤشرات الإيجابية. وتقول مجموعة فاطمة، شركة صناعة الأسمدة المحلية، إن الطلب يتنامى، في الوقت الذي يسعى فيه المزارعون إلى زيادة الإنتاجية. ويقول فؤاد أحمد مختار، الرئيس التنفيذي: ''ما زالت الفرص المتاحة أمامنا في القطاع الذي نحن فيه هائلة للغاية''.
على الرغم من ذلك، فإنه حتى الحديث المتفائل مع الصناعيين يسوده شعور خفي، ويظهر تفاخراً بشأن نوعية تعبئة الأسمدة، وليس مجرد رؤى بشأن ثورة عالية التقنية على غرار الهند.
طالما كانت باكستان تنظر تقليدياً نحو الصين للحصول على دعم في الأوقات المضطربة، ويمكن أن يقدم رأسمالها رخيص التكلفة وخبرتها مساعدة إضافية. وتجري شركة ذا ثري جروجس الصينية لبناء السدود محادثات بشأن بناء سد بقيمة 12 مليار دولار لتخفيف أزمة الطاقة في البلاد، ويجري التخطيط لمشاريع بنية تحتية أخرى.
لكن أسرع طريق لإطلاق العنان لنمو أسرع يكمن شرقاً، في دعم التجارة مع الهند. ففي العام الماضي، شكلت الهند ما نسبته 1.2 في المائة فقط من إجمالي صادرات باكستان التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، و4 في المائة من وارداتها الإجمالية التي تبلغ قيمتها 32 مليار دولار. ومع تركيز المؤسسة الأمنية القوية اهتمامها على التهديد المتصور من نيودلهي، فإن تعهدات الحكومة بإقامة روابط تجارية أوثق معها تحرز تقدماً بطيئاً لدرجة مؤلمة.
وطالما ظل الجيش متشبثاً بالعداوات القديمة، من الصعب رؤية أين ستجد الحكومة المقبلة الأسواق الجديدة والصناعات اللازمة للوفاء بمتطلبات الجيل الصاعد. ''إن المخططين لا ينظرون إلى المستقبل''. هذا ما يقوله سليم غوري، مؤسس شركة نيتسول التي تعد واحدة من الشركات القليلة التي تعمل في تطوير البرمجيات في باكستان. ''وهنا يود الناس مني أن أدخل على الخط. إننا لا ننتظر حدوث الأشياء، بل نقوم بها''.
أثنت وسائل الإعلام الوطنية على الخدمة بشكل مدوٍ - أخفقت في ملاحظة أن وقت الرحلة البالغ 18 ساعة جعل القطار أبطأ بنحو ثلاث إلى أربع مرات من نظرائه في الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
مثل المسافرين الذين تقطعت بهم السبل، يشعر الباكستانيون بأنهم متخلفون. وفي الوقت الذي اندفعت فيه اقتصادات الهند والصين المتجاورتين بشكل صاخب إلى الأمام، فإن فشل بلادهم في استغلال إمكاناتها الهائلة أسهم في تآكل شرعية قادتها وامتص ثقة جيل اليوم بالمستقبل.
تعد الانتخابات المقررة في غضون العام المقبل بتحقيق لحظة حاسمة في السعي إلى الجمع بين ديمقراطية قابلة للحياة بعد عقود من الحكم العسكري، ومزيد من الاندفاع في العنف الذي تمارسه طالبان في الآونة الأخيرة الذي انتشر من الأراضي الحدودية الأفغانية ليخترق قلب أكبر المدن الباكستانية. وللمرة الأولى منذ تأسيسها عام 1947، تتجه هذه الجمهورية الإسلامية نحو حالة انتقالية بين حكومات منتخبة دون تدخل مفتوح من جانب قادة الجيش.
إن قطاع العمل في أمس الحاجة إلى أن تنتج عن صناديق الاقتراع حكومة أكثر حراكاً، وقادرة على إطلاق بداية النمو بشكل أسرع في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة، سادس أكبر عدد في السكان في العالم. ولكن الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي، وشح الاستثمارات الأجنبية، ومصادر التمويل الهشة في الدولة، وهجرة المواهب إلى الخارج، اذكت الخوف من أن تكون معدلات النمو محصورة ضمن مستوى نسبي. وما لم يكن أداء الإدارة المقبلة أفضل، فإن الهوة المليئة بالإحباط بين توقعات واحد من أصغر سكان العالم سناً والفرص المتاحة، سوف تكبر بشكل مصيري.
تحدث هذه التوقعات قشعريرة في شتى أرجاء الغرب. ويعد مد المحافظة الدينية المرتفع، والتمرد من جانب طالبان، وتاريخ الجيش المتمثل في دعم القتال في صراعه مع الهند المنافسة على الصعيد النووي، مادة مناسبة لأسوأ مشهد أمني عالمي.
أضف إلى ذلك صراع القوة بين الحكومة والسلطة القضائية والجيش والعلاقات المتراجعة مع الولايات المتحدة، التي أذكاها قتل مؤسس القاعدة أسامة بن لادن في باكستان العام الماضي. وسوف تبدو الصورة أكثر اضطراباً من ذلك بكثير.
مع ذلك، يتم في الغالب تفادي السؤال الأكثر أهمية المطروح حول ما إذا كانت البلاد سوف تبرهن على أنها قادرة على احتضان مسار نمو بإمكانه تهدئة الغضب العام. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، أثارت انقطاعات الكهرباء المتكررة الاحتجاجات الغاضبة في المدن الكبرى، وتبقى مخاطر مزيد من القلاقل عالية للغاية. ويعترف عبد الحافظ شيخ، وزير المالية، قائلاً: ''تدهورت الظروف التي نواجهها للغاية. ولدينا القدرة على أن نكون بقوة النمر - بإمكاننا أن نفعل أفضل من ذلك''.
هذا النوع من الرثاء والأسف أمر متواصل بين رجال الأعمال الباكستانيين الذي يصرون على أن البلاد لم تكن تبدو بمثل هذه الكآبة دائماً. وخلال السنوات التي تحالفت فيها إسلام أباد مع الولايات المتحدة في أعقاب الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2011، أشعل مزيج من إعفاء الديون وإصلاح النظام المصرفي وتدفق الاستثمارات الأجنبية طفرة صغيرة. وبين عامي 2002 و2008، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 6.5 في المائة.
أصبحت الصورة أكثر قتامة. وأسهمت عوامل راوحت بين العنف المسلح والكوارث الطبيعية ونقص الطاقة، في تخفيض النمو إلى متوسط نمو بلغ 2.6 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وصنف مؤشر إم إس سي آي ''مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال''، باكستان خلال كانون الأول (ديسمبر) 2008 في وضعية ''ناشئة''، ويشير إلى النمو إلى وضعية ''حدودية''، محفوفة بمزيد من المخاطر.
تجادل حكومة الرئيس آصف علي زرداري بالقول إنها أحرزت تقدماً في تحسين سجل باكستان الكئيب المتعلق بجمع الضرائب منذ أن جاءت إلى السلطة عام 2008. وأسست كذلك شبكة أمان بلغت قيمتها 50 مليار روبية لأكثر العائلات فقراً، البالغ عددها ستة ملايين عائلة.
لكنها استسلمت إلى الضغوط التي يمارسها شركاء التحالف الذين يعارضون اتخاذ خطوات أكثر جرأة لزيادة العوائد، وتخفيض المساعدات. وعلق صندوق النقد الدولي برنامجه لتقديم القروض في العام الماضي بعد أن خاب أمله في سجل إسلام أباد المتعلق بالإصلاحات.
برهنت المواجهة بين الحكومة والسلطة القضائية على أنها مصدر تشتيت آخر. واتهم القضاة رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، بازدراء المحكمة خلال الشهر الماضي بسبب فشله في الامتثال إلى حكم بإعادة فتح تحقيق بالفساد يتعلق بزرداري. ويتمثل التحدي الرئيس الذي يواجهه التحالف الآن في التمسك بالسلطة، الدعوة إلى الانتخابات في وقت مبكر خلال تشرين الأول (أكتوبر).
في واقع الأمر، يمكن أن تجعل الانتخابات التي تلوح في الأفق، الوضع أسوأ مما هو عليه. ومن المتوقع أن يصل العجز في الميزانية إلى نسبة تراوح بين 6.5 و7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2012. وعلى الأرجح أن يسهم الإغراء بطباعة مزيد من النقود لتمويل الإنفاق قبل الانتخابات بدفع التضخم إلى أعلى من 11.1 في المائة على أساس سنوي، وهو الرقم الذي وصل إليه الشهر الماضي.
تتنامى المخاوف كذلك من أن يتدهور وضع البلاد المحفوف بالمخاطر، ويصبح أزمة ميزان مدفوعات مكتملة تماماً. وعلى الرغم من أن احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية 16.8 مليار دولار، يمكن أن تبدو مناسبة تماماً، إلا أن الرقم تضخم بشكل معتبر بسبب المبلغ الذي قدمه صندوق النقد الدولي، 7.8 مليار دولار، و4.5 مليار دولار من الودائع التي أودعها المواطنون من القطاع الخاص في البنوك. وبدأت الروبية تخسر قيمتها. ويمكن أن يسهم تخفيض قيمة العملة في دعم الصادرات، ولكنه يسهم كذلك في دفع تكاليف الواردات، مثل النفط، إلى الأعلى.
استطاعت باكستان أن تجتاز المرحلة على نحو متخبط، ويعود الفضل بشكل رئيس إلى تدفق التحويلات التي بلغت قيمتها 6.3 مليار دولار خلال الأشهر الستة الماضية من عام 2011 فقط، التي تشكل دعماً مهماً للاقتصاد، ولكنها إشارة كذلك على هروب المواهب إلى الخارج.
السهولة النسبية التي بإمكان البنوك المحلية بواسطتها تحقيق الأرباح عبر الاستثمار في الدين الحكومي، بدلاً من تقديم القروض إلى المقترضين من القطاع الخاص، تحرم باكستان من الاستثمارات.
في الوقت ذاته، تعثرت مشاريع أجنبية رائدة. فعلى سبيل المثال، تراجعت مجموعة كينغهو، إحدى كبريات شركات التنقيب عن الفحم الخاصة في الصين، عن مشروع مقترح بقيمة 19 مليار دولار، وذلك في آب (أغسطس)، حيث أشارت إلى وجود مخاوف أمنية بشأن موظفيها، وأجهضت بذلك ما كان يمكن أن يكون أكبر استثمار أجنبي في باكستان.
بالنسبة إلى الشركات الباكستانية، في غضون ذلك، فإن التكلفة العالية لرأس المال - تتقاضى البنوك فائدة مقدارها نحو 16 في المائة - إلى جانب نقص الكهرباء والغاز الطبيعي وتدني الاستثمارات بشكل ثابت في مجال التعليم. تجعل هذه المشكلات الأمر أكثر صعوبة للتنافس مع المنافسين العالميين.
التناقض مع الهند التي نجحت في تدريب العمال اللازمين لإدارة صناعة تقنية المعلومات المزدهرة، صارخ للغاية. ورحبت مشاعر الفخر المتدفقة على الصعيد الوطني بالأنباء، بأن مخرجة الأفلام شارمين عبيد - شينوي، أصبحت أول باكستانية تفوز بجائزة أوسكار. ولكن ثمة شعور متبقٍ بأنه في حين يحقق الأفراد إنجازات على مستوى عالمي، إلا أن البلاد ككل غير قادرة على دعم الخدمات العامة - مثل التعليم - كي تنجح.
يقول نديم الحاكي، نائب رئيس هيئة التخطيط في باكستان: ''بالكاد يمكنك الاستثمار هنا. وقمنا بتطوير الذكاء الفردي - غير أن رأس المال الفكري يتطلب مزيدا من العمل الشاق''.
الفشل في توفير ما يكفي من الوظائف للشباب يثير بعض أكثر الأسئلة قلقاً بشأن مستقبل باكستان. ومثل عديد من البلدان النامية، لديها عدد كبير من السكان في سن الشباب - أكثر من 60 في المائة من سكانها أقل من سن 25 عاماً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ولكن نصفهم متعلم فقط. وإن مزيج الأحلام التي لم تتحقق والتطرف يجعلان حلفاء البلاد قلقين.
في ضوء هذه الخلفية، سيكون من السهل إغفال التوقعات التي تشع كعصا مضيئة لما يمكن لباكستان أن تحققه. ووصلت صادرات المنسوجات - أكبر مصدر للعملة الأجنبية - إلى رقم قياسي بلغ 13 مليار دولار في السنة المالية الماضية، بمساعدة من جانب أسعار القطن العالية، واحتضان شركات الصناعة الأكبر لتقنيات أفضل.
سجلت مجموعة نيشات، أكبر شركة للمنسوجات - تورد المنسوجات إلى تجار التجزئة مثل شركة تومي هيليفجر، وشركة جاب الأمريكيتين - زيادة في الأرباح قبل الضريبة بلغت 66 في المائة في السنة المالية 2011. ويقول رئيسها التنفيذي، أحمد جاهانجر، إن العنف من جانب طالبان، الذي يكون في الغالب ملمحاً بارزاً في التغطية الإعلامية بشأن باكستان، لم يضر بالعمليات. ويقول: ''ما زلنا نوصل الطلبيات في الوقت المحدد''. ويعكس نجاح الشركة اتجاهاً متصاعداً أوسع نطاقاً في إيرادات قطاع الشركات في باكستان، وفقاً لسلمان مانيا، المحلل لدى شركة آي جي آي للخدمات المالية - البنك الاستثماري في كراتشي.
على الرغم من ذلك، يعكس حتى هذا المؤشر الإيجابي كما هو واضح، نقصاً غير صحي للتنافسية. والشركات الأكبر فقط هي التي لديها اقتصادات الحجم الكبير كي تدفع مقابل إمدادات الطاقة بشكل مستقر، وتمويل الاستثمار. ويمكن أن تعطي العوائق أمام دخول الشركات الأصغر حجماً قطاع الشركات شعوراً بالإحباط، ومن شأن ذلك أن يعتبر رؤساءه وكأنهم حكام أقلية، وليسوا رجال أعمال مغامرين. وانتقل بعض شركات المنسوجات إلى بنجلادش، لاستغلال التكاليف الأدنى وإمكانية الوصول بشكل تفضيلي إلى الأسواق الغربية.
حتى قطاع الزراعة - الذي يعد عماداً آخر لاقتصاد باكستان - بعيد كل البعد عن تحقيق إمكاناته. وتعرض القطاع إلى ضربة قاسية بسبب الفيضانات الكارثية التي حدثت خلال العامين الماضيين، على الرغم من أن الارتفاع الأخير في أسعار السلع العالمية ضخ مزيدا من السيولة في المناطق الريفية.
خارج نطاق قطاع المنسوجات، ما زال يتعين على البلاد أن تطور شركات زراعية أكثر تطوراً من شأنها أن تحدث انطلاقة أوسع قاعدة بكثير. وتعتبر العوائد أعلى بشكل حاد عبر الحدود في الهند التي استثمرت على نحو أكثر بكثير في أنظمة الري. وحتى البقر الهندي فإنه يعطي مزيدا من الحليب.
هناك بعض المؤشرات الإيجابية. وتقول مجموعة فاطمة، شركة صناعة الأسمدة المحلية، إن الطلب يتنامى، في الوقت الذي يسعى فيه المزارعون إلى زيادة الإنتاجية. ويقول فؤاد أحمد مختار، الرئيس التنفيذي: ''ما زالت الفرص المتاحة أمامنا في القطاع الذي نحن فيه هائلة للغاية''.
على الرغم من ذلك، فإنه حتى الحديث المتفائل مع الصناعيين يسوده شعور خفي، ويظهر تفاخراً بشأن نوعية تعبئة الأسمدة، وليس مجرد رؤى بشأن ثورة عالية التقنية على غرار الهند.
طالما كانت باكستان تنظر تقليدياً نحو الصين للحصول على دعم في الأوقات المضطربة، ويمكن أن يقدم رأسمالها رخيص التكلفة وخبرتها مساعدة إضافية. وتجري شركة ذا ثري جروجس الصينية لبناء السدود محادثات بشأن بناء سد بقيمة 12 مليار دولار لتخفيف أزمة الطاقة في البلاد، ويجري التخطيط لمشاريع بنية تحتية أخرى.
لكن أسرع طريق لإطلاق العنان لنمو أسرع يكمن شرقاً، في دعم التجارة مع الهند. ففي العام الماضي، شكلت الهند ما نسبته 1.2 في المائة فقط من إجمالي صادرات باكستان التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، و4 في المائة من وارداتها الإجمالية التي تبلغ قيمتها 32 مليار دولار. ومع تركيز المؤسسة الأمنية القوية اهتمامها على التهديد المتصور من نيودلهي، فإن تعهدات الحكومة بإقامة روابط تجارية أوثق معها تحرز تقدماً بطيئاً لدرجة مؤلمة.
وطالما ظل الجيش متشبثاً بالعداوات القديمة، من الصعب رؤية أين ستجد الحكومة المقبلة الأسواق الجديدة والصناعات اللازمة للوفاء بمتطلبات الجيل الصاعد. ''إن المخططين لا ينظرون إلى المستقبل''. هذا ما يقوله سليم غوري، مؤسس شركة نيتسول التي تعد واحدة من الشركات القليلة التي تعمل في تطوير البرمجيات في باكستان. ''وهنا يود الناس مني أن أدخل على الخط. إننا لا ننتظر حدوث الأشياء، بل نقوم بها''.
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
مواضيع مماثلة
» تحديات باكستان البيئية
» باكستان... تحديات ما بعد الانتخابات
» نواز شريف في مواجهة تحديات باكستان
» المعارضة الباكستانية... استغلال أزمة الطاقة
» فتح #باكستان و#عمورية والحرب الاقتصادية بين #تركيا و#إنجلترا
» باكستان... تحديات ما بعد الانتخابات
» نواز شريف في مواجهة تحديات باكستان
» المعارضة الباكستانية... استغلال أزمة الطاقة
» فتح #باكستان و#عمورية والحرب الاقتصادية بين #تركيا و#إنجلترا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى