الفن الباكستاني بين الأصالة والابداع

للتعرف على حضارات الشعوب لا بد من دراسة طرق العيش فيها والعلاقات الاجتماعية بين فئات المجتمع وأهم شيء في نظري الاطلاع على الانجازات العلمية والثقافية والعمرانية لهذه الشعوب – فالثقافة هي جسر التواصل الانساني والحضاري بين الشعوب وهي وجه الامة المشرق والمرآة التي تعكس مقايس الجمال والفن والابداع وهي المعرفة المتكاملة التي تؤثر في عقيدة البشر وسلوكهم وهي قبل هذا وذلك التي تصقل النفس البشرية المتذوقة للفنون والجمال والسلوك الحضاري الانساني الراقي .لقد فعلت خيرا السفارة الباكستانية في عمان عندما قامت بدعوة فنانة من الوسط الثقافي الباكستاني لتنقل لنا صورة فن الرسم على الشاحنات وهو شكل فني فطري موجود في باكستان منذ الخمسينيات من القرن المنصرم حين كان ميناء كراتشى البحري يرسل البضائع الى المناطق الشمالية من البلاد والى الدول المجاورة وبما ان الرحلة الواحدة كانت تستغرق اشهرا وهذا الامر يتطلب من السائقين ان يقيموا بعيدا عن بيوتهم ومنازلهم لمدد طويلة من الزمن الامر الذي تصبح الشاحنة التي يقودها مسكنه الجديد الذي عليه قضاء اشهر وهو يسير بها في رحلة الذهاب والاياب .

لهذا تبادر الى اذهانهم فكرة الرسم والتزيين والزخرفة لهذه الشاحنة او الحافلة حتى تعطيه جوا من الالفة والانس والتسلية في رحلته الطويلة لهذا فقد استهواهم رسم الطيور والحيوانات والاشجار والازهار والاشخاص المشاهير من ابطال وعظماء وكتبوا عليها الاشعار والحكم وآيات الذكر الحكيم – وانتشر هذا الفن كجزء من ثقافة الشعب الباكستاني فلا يخلو بيت في باكستان الا وتجدَ رسما لطير أو حيوان او شجر او زخارف على اواني الطهي واباريق الشاي وفناجين القهوة وصحون المائدة وغيرها من الادوات المنزلية .

لقد نقل هذا الفن الشعبي من الشاحنات الى واقع الحياة اليومية خوفا على هذا الارث الفني الشعبي التراثي من الاندثار في زخم الحياة العصرية واستطاعوا تطويع هذا الفن الاصيل الى واقع جديد يواكب العصر و يجمع مابين الاصالة والمعاصرة ويتخذ وسائل وادوات جديدة للرسم عيها مثل الخشب والمعادن والاقمشة والاهم من ذلك كله من ان يصبح هذا الفن مهنة و مورد رزق للكثير من الفنانين الذين تعلموه واجادوا فيه شكلا وتصميما وافكارا خلاقة فحاز هذا الفن على الاعتراف الدولي واستحق هذا الفن جائزة اليونيسكو للتميز والابداع وانتقل من المحلية الى العالمية وما قامت به السفارة الباكستانية في عمان قبل ايام بعرضها لهذا الفن من خلال- معرض الرسومات - والذي يستمر لمدة شهر- لاطلاع الشعب الاردني عليه وعلى مخرجاته والذي من وجهة نظري - يأتي من باب تجسيد هذا الفن - تعريفا و مفهوما و نشرا- لما يجمع من قيم - مابين الاصالة والمعاصرة وفي نفس الوقت- القاء الضوء على دور باكستان العالمي الحضاري في تعزيز واثراء المشهد الانساني الابداعي في المجال السلمي والجمالي والثقافي

الدستور