إنقاذ أطفال باكستان

برغم أن الجهود الأساسية التي تستهدف محاربة التطرف تتعامل في أغلبها مع الرجال البالغين المسؤولين عن خياراتهم وأعمالهم، فإنه في بعض المناطق من العالم مثل باكستان كثيراً ما يتساوى الانتحاري بالضحية عندما يكون المعني بالأمر طفلاً أُرسل لقتل الناس.

وللتصدي لهذه المشكلة الخطيرة في باكستان تعمل "فريحا بيراشا" على مساعدة هؤلاء الأطفال الذين جندوا في غفلة من ذويهم لتفجير أنفسهم في تجمعات مدنية وإعادة إدماجهم كمواطنين صالحين في المجتمع، وهي تقوم بذلك من خلال المركز الذي تشرف عليه والمسمى "الفجر الجديد" لإعادة تأهيل الأطفال ومساعدتهم على التخلص من ماضيهم الثقيل ومعانقة المستقبل المختلف.

وفي هذا السياق تشير الدكتورة "بيراشا" إلى أحد الأطفال في المركز قائلة "عندما ألقي عليه القبض كان يرتدي سترة مفخخة، وكان ينوي تفجيرها بأحد المساجد، لكنه عندما رأى الناس يسجدون أدرك أنهم مسلمون مثله"، وتشرف "بيراشا" داخل المركز على 85 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً، مؤكدة أنه على مدى السنوات الماضية تم إدماج أكثر من مائة طفل، القت عليهم القبض السلطات الأمنية وهم في معسكرات تدريب المتطرفين، داخل المجتمع ونجحوا في العودة إلى الحياة العادية بعدما تخلصوا من التصورات والأفكار الخاطئة التي زرعت في أذهانهم.


ويبدو مركز "الفجر الجديد" من الخارج كما لو أنه سجن محصن بالنظر إلى أسواره العالية والحرس المدجج بالسلاح الذي يقف على البوابة.والسبب هو اغتيال طبيب نفسي كان يعمل في المركز بعدما انتقد حركة "طالبان" على شاشة التلفزيون، والمركز الذي يموله الجيش الباكستاني انطلق في البداية كمكان لاستضافة الأطفال الذين يعتقلون في منطقة سوات بعدما خضعت لفترة قصيرة لحكم "طالبان"، لكن بعد النجاح الذي حققه في إدماجهم بالمجتمع بدأ يستقبل الأطفال من المناطق القبلية، وحتى من منطقة البنجاب.

وعن استقبال الأطفال في المركز تقول الدكتورة "بيراشا": "عندما يأتون أول مرة ينتابهم الخوف ولا يعرفون ما الذي سيحدث لهم بعد اعتقالهم من قبل الجيش، وقد يستغرق الأمر شهوراً عدة قبل استعادتهم الثقة بالآخرين".

ومن المواضيع التي يسعى المركز للاشتغال عليها تغيير المفاهيم الخاطئة لدى هؤلاء الأطفال مثل كلمة "طالب" التي اقترنت في الأذهان بعناصر حركة طالبان المتشددة، في حين تعني، كما تقول "بيراشا"، طالب علم، هذا بالإضافة إلى مصطلح "جهاد" الذي يُساء استخدامه، كما تقول "بيراشا"، فهو لا يعني العنف وقتل الآخرين، بل مجابهة النفس والتغلب على أهوائها، مستدلـة على ذلك بآيات قرآنية عُلقت على الجدار.

وتوضح المسؤولة عن المركز هذا الأمر قائلة "نحن نقوم بتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الدين، ونقول لهم إن تفجير النفس هو انتحار يحرمه الإسلام، ونحرص على تكرار هذه الرسالة حتى تترسخ في أذهان الأطفال ويقتنعون بها"، وتضيف "بيراشا" أن الأطفال عندما يجيئون إلى المركز يعانون غالباً من اختلالات نفسية ترجع إلى العنف الذي تعلموه في معسكرات التدريب التابعة لـ"طالبان"، وهم لفرط خوفهم ينكرون أية علاقة لهم بالتنظيم، وإن كانت التحريات اللاحقة التي يقوم بها الجيش تثبت انضمامهم إلى الحركة كجنود ينشطون في صفوفها.

وبالإضافة إلى تصحيح الانحرافات في فهم الدين وتصويب المفاهيم المغلوطة حول الجهاد وغيره، يقوم المركز أيضاً، في إطار إعداد الأطفال للانخراط في المجتمع، بتعليمهم بعض المهن المفيدة وإخضاعهم لبرامج تدريبية تساعدهم في الاندماج.

ولتخفيف الضغط النفسي الذي يعانون منه، يُشجع الأطفال على التعبير من خلال الرسم الذي غالباً ما يصور الدم المتدفق في إشارة إلى العنف الذي قاسوه في المراحل الأولى لحياتهم.


طه صديقي

جريدة الاتحاد