العنف في باكستان

عد باكستان من الدول الأكثر اضطراباً في العالم بسبب العنف المستمر فيها، فلا يكاد يمر يوم دون حدوث واقعة قتل، أو اغتيال، أو تفجير من قبل مسلحين مجهولين، وربما من قبل جهات معروفة لكن لا يمكن السيطرة عليها . والعنف في هذا البلد متعدد الوجوه، فمنه ما هو موجه ضد طائفة أو طوائف باكستانية، ومنه ما هو موجه ضد الأجانب . ويوم الاثنين الماضي الموافق 9/6/2014 شن متمردون مدججون بالأسلحة هجوماً على مطار كراتشي الدولي فحاصروا أكبر مطار في البلاد لساعات قبل أن يتمكن الجيش من سحقهم في عملية خلفت 24 قتيلاً . وأعلنت حركة طالبان الباكستانية المسؤولية عن الهجوم قائلة إنه يأتي رداً على هجمات الجيش على معاقل الحركة على طول الحدود مع أفغانستان .
ولعل من المستحيل إيقاف مسلسل العنف والقتل متعدد الاتجاهات والوجوه في هذا البلد لأسباب ذاتية وموضوعية، فمن الأسباب الذاتية: أن باكستان ليست من نسيج بشري واحد، بل فيها أعراق متعددة هي: السنديون، والبنجاب، والبلوش، والبشتو، والهندكو، والكشمير، والهزارة، وسوى ذلك من القوميات الصغيرة الأخرى . ولا يوجد شيء يجمع بين هذه الطوائف سوى الدين الإسلامي، أما العادات والتقاليد وحتى اللغة فهي مختلفة بين هذه المكونات . ومن الأسباب الموضوعية: أن باكستان تقع في وسط عالم ملتهب، حيث إنها في حرب معلنة مع الهند وبشكل مستمر تحدث مناوشات حدودية بين حرس الحدود من الجانبين، وتقع على حدودها الغربية أفغانستان التي ضربت رقماً قياسياً عالمياً في تنامي الإرهاب واستمراره لأكثر من ثلاثة عقود، كما توجد على حدودها الأخرى إيران، وما تشكله من ثقل على بعض الجماعات والقوميات في باكستان . وقد يبدو نظام الحكم في باكستان مستقراً ظاهرياً، لكنه في حقيقة الأمر، يعاني تجاذبات ضخمة بين الأحزاب المختلفة التي تعكس في بعض الحالات التوترات القومية والطائفية، وفي حالات كثيرة يتدخل الجيش ليفرض رأيه، فقد حدثت انقلابات عسكرية متعددة كان آخرها انقلاب برويز مشرف عام 1997 .
ويتذرع الجيش عادة بحجة منع السياسيين من التفريط في ثوابت باكستان، وخصوصاً تجاه مشكلة كشمير، لكن في الحقيقة، تبدو شهوة السلطة هي السبب وراء هذه الانقلابات . إن مشاكل باكستان لا تقتصر على ذلك، فهذه الدولة هي الخزان الأساسي للتطرف الإسلامي في العالم ومنها انطلقت طالبان لتفرض حكماً ظلامياً في أفغانستان عام ،1993 ويلعب التعليم الديني المتطرف المنتشر بكثافة، وخصوصاً السلفي منه، دوراً كبيراً في بث بذور التطرف والفتنة، فهناك آلاف المدارس الدينية التي لا تخضع للرقابة، وهي تساهم في رفد الساحة الباكستانية والإسلامية بالمزيد من المتطرفين . ولا تستطيع الحكومة وضع حد لهذه المدارس، لأن باكستان وجدت لتكون دولة للإسلام، فلا يوجد جامع بين هذا الخليط سوى الإسلام، لذلك تتم تقويته بشكل مستمر، وبما يسهم في تقوية الدولة وإعلان وجودها .
والواقع أن مشاكل باكستان الكثيرة- الفقر والجهل والأمراض المتفشية- جعلت منها دولة متخلفة، وعجزت عن مجاراة الهند المجاورة التي حققت نهضة علمية صناعية جعلت منها دولة عالمية كبرى .
إن من أهم أسباب التقدم التعليم العلمي الصحيح، ومن ثم توفير الإمكانات للأجيال المتعلمة؛ لتنخرط في عملية التنمية بشكل صحيح، لكن إذا كانت الدولة مشتتة بين قوميات متعددة ومتصارعة، وإذا كان التعليم غالباً مقصوراً على العلوم الشرعية فيها، فكيف ستحقق هذه الدولة التنمية . إن باكستان سوف تتفكك لا محالة ما لم تجر تغييرات كبيرة في بنيتها السياسية والمجتمعية، وكذلك العمل على إعادة صياغة مفهوم المواطنة على أسس علمية وحضارية، وأيضاً التقليص من التعليم الديني الأصولي المتطرف، والدفع بأساليب التعليم الحديثة لتكون في المقدمة، وحل النزاع مع الهند، لأن هذا الصراع يستهلك ميزانيتها المتواضعة، ويحرمها من تحقيق التنمية المستدامة، حتى تتخلص من أساليب التبعية، وبناء سياسة خاصة فيها كما فعلت الهند، وحققت وجوداً ملحوظاً على الساحة الدولية . إن باكستان دولة كبيرة بالمساحة والسكان، ولكنها مهملة من قبل نفسها أولاً ومن قبل العالم ثانياً .

محمد خليفة
15.06.2014
الخليج