ماوراء أحداث المحلَّة ..والخطر الذي عنه الناس غافلون
صفحة 1 من اصل 1
ماوراء أحداث المحلَّة ..والخطر الذي عنه الناس غافلون
يتزايد التحذير هذه الأيام ،
مما هـو أخـوف على البشرية من كلّ أزمات العالم ،
وأشدّها خطـراً ،
ذلك هـو شبح المجاعات الإنسانية الكبيرة الذي يطـلّ بوجهه القبيح البشـع على شعـوب العالم لاسيما الفقيرة ،
بسبب أزمة الغذاء العالمية.
ولعـلَّ من أعجب مفارقات هذا العصـر المليء بالتناقضات ،
ذلك الضجيج الصاخب عن حقوق الإنسان ،
بينما هـذا الإنسـان ،
قد غـدا محرومـا حتىّ من حقّ حفظ نفســه من الموت جوعـا !
ولاريب أنّ الدول الكبرى لاسيما الغربية منها ،
هي المسؤول الأوّل عن هذه الكارثة الماحقة ،
التي تهــدِّد العالم ،
وإذا أردت أن تصف لسان حالهم ، فهـو يقول :
ليمت الناس جوعــا، ليسيطر الغرب على العالم !
فإلى جانب إرهاقهم العالم بالحروب ،
وأطماع السيطرة ،
وما تستلزمه من نفقات خيالية ، فإنَّ هذه الآلة العسكرية الغربية الإستعمارية الضخمة ،
لما كانت بحاجة إلى الوقـود ،
فإنها بعد أن أدت إلى أزمة أسعار النفط ،
اتجهت إلى استهلاك الغذاء لإستخراج الطاقـة منه ،
ولهذا فقـد وقـّـع الرئيس الأمريكي قانون الطاقة ،
وعليه تـمّ استهلاك 24% من الذرة لإنتاج الميثانول،
وأما أوربا فقررت أن تزيد اعتمادها على الحبوب لإنتاج الطاقة ،
بحيث بعد عشر سنوات ،
سيكون 10% من إنتاج الطاقة من الحبوب!
وبسهولة تستخرج هذا النتيجـة :
إنَّ ملء خزان وقـود دبابة من الميثانول ،
يكفي لإطعام شخص ـ قوتـه الأساس يعـتمد على الذرة ـ إطعـامه طوال العام !
خمسة ملايين طفل يموتون سنويا من الجوع ،
وثمانمائة مليون جائع يعيشون حول العالم،
لايجدون لقمة العيش التي يقيمون بها صلبهم ،
ويتهددهم الموت بكرة وعشيا ،
ومع ذلك ،
فقـد وصلت زيادة أسعار الحبوب إلى ما لم تصل إليه منذ تأسيس مؤشرالإيكونوميست لأسعار المواد الغذائية عام 1945،
وصلـت ـ وفق هذا المؤشـر ـ إلى 75% ،
أما بورصة مجلس شيكاغو للتجارة ،
وهـي المقياس العالمي الأول لأسعار الحبوب في العالم ،
فقد أشارت إلى أنَّ القمح ارتفعت أسعاره بنسبة 90% مـع نهاية العام الماضي 2007.
ويعزو الخبراء أسباب هذا الخطر المخيف ،
إضافة إلى استهلاك الغرب للغذاء للحصول إلى الطاقة منه بدل إنقـاذ جياع العالم من المـوت ،
إلـى أسباب عـدَّة :
على رأسهـا :
ارتفاع أسعار النفط ،
فالزراعة أصبحت تعتمد بصورة كبيرة جداً لإنتاج الأسمدة الكيماوية ،
وتشغيل آلات الحرث ،
والحصاد،
فضلاً عن وسائل نقل المحصول ،
على النـفط .
ويقول المفكّر ،
والمحلل السياسي الأمريكي ،
بول كروجمان في معرض ذكره أسباب أزمة الغذاء العالمية :
إنَّ غزو العراق-الذي تعهد المدافعون عنه بأنه سيخفض أسعار النفط- ساهم أيضاً في تقليص إمدادات الطاقة مقارنة مع الوضع السابق على الغزو.
كما ذكــر أن الدول والحكومات التي وقفت في طريق الحـدّ من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري ،
مما أدى إلى تقلبات الطقس التي أثرت سلبا على الإنتاج الزراعي العالمي ،
مسؤولة عن هذه الأزمة العالمية .
ومعلوم أنَّ أمريكا على رأس تلك الدول ،
وقفت ضد الحد من الإحتباس الحراري خوفا على إقتصادها ،
كعادتها في عدم المبالاة بما يصيب العالم ،
إذا خافت على أطماعها ،
ومشاريعها الإستعمارية.
ويذكر الخبـراء أنّـه ـ والله أعلـم ـ بحلول العام 2050 سوف يزيـد عدد سكان العالم من الستة مليارات ،
ليصبح عدد نفوس البشـر على وجه البسيطـة تسعة مليارات،
وهـؤلاء كلَّهم يحتاجون إلى الغـذاء.
ومع أزمة الغذاء العالمية الآخذة في الصعـود،
والتضخـم المخيف في السلع الأساسية ،
فإنَّ هذا يعنـي أن المجاعات الهائلة بإنتظار مستقبل البشـرية ،
مالم يتحرَّك العالم لبرنامج إنقاذ عالمي .
ومعلوم أنَّ بلادنا العربية تقع في بؤرة هذه الأزمة العالميـّة ،
وإذا كانت بوادرها قد بدأت ،
بهذه المظاهرات الغاضبة في مصر ،
كما في أحداث المحلة الأسبوع الماضي ،
وما نراه في اليمـن ،
وبعض بلاد المغرب العربي ،
فإنَّ الله تعالى وحـده الذي يعلم كيف ستبدو أواخــرها .
ولاريـب أن أهـمّ مـا ينبغي إستحضاره من خطورة هذه الأزمـة الغذائيـة ،
علاقتـها المباشرة بمصير الأمم ،
عـن طريق ارتباطها بالقرار السياسي .
فمن عجائب المعادلات السياسية في التاريخ ،
إرتباط الحبوب بإستقلال هذا القـرار ،
وهو الأمر الذي نشهده اليوم في علاقة النظام العربي بالدول الكبرى التي تملك قــراره،
أو التأثيـر الكبير على قراره .
ولا يكشف المرء ســرَّا ،
إذا قال إنَّ الدولتين الوحيدتين اللّتين تصدّران القمح في منطقتنا ، همـا إيران وسوريا ،
ولعل هذا يفسـر أنهّمـا الدولتان الوحيدتان اللتان تتحدّيان سياسة الغرب .
بينما تركت بقية دول المنطقة التمسّـك بحبال قوِّتهِــا ،
وأوثقـت نفسها في حبـال أسْـر قوُتهِــا ،
الذي يملكه من يطعمها القمح !
وهذا يجيـب على ذلك اللغـز المحـيّر ،
أعنـي أن تبقى مصر بلد النيل القادرة على تصدير القمـح للعالم كلَّه ،
تبقى أكبــر مستورد للقمح في العالم !
لاسيمامن أمريكا ،
فهي تستورد سبعة ملايين طن .
ذلك أنـّها أكبـر دولة في النظام العربي ثقـلا ،
وأعظمها أثـراً ،
وعلى سياستها تدور القضايا المصيرية ،
فلاجـرم قـد قُيـِّدت بهذا الوثاق الشديد !
كما يجيب على لغــز آخـر :
لماذا إذا حدثـت أزمة غذائية عالمية ،
وخرج الشعب المصري البطل يتظاهر مطالبا بحقـّه في الخبـز ،
فالحـلّ ليس هوكما قال الرئيس الجديد لملاوي ،
عندما قال :
أنـا لا أريد رئيساً لدولة تتوسل الآخرين لتغذية شعبها .
فقرر على إثـر ذلك ،
إطلاق برنامج يوفر لصغار المزارعين الأسمدة والبذور ،
وفي غضـون ثلاث سنوات ،
زاد الإنتاج في العام الأول من مليون طن من الذرة ،
إلـى مليونين طن من الذرة في السنة التي تليها ،
ثم في العالم الثالث 3,4 مليون طن من الذرة.
ليس الحـل هـو أن تزرع مصر القمح ، بل في قمـع المظاهرات بالهراوات!
وهذا لايقتصـر على مصر فحسب ، فهذه الأرقام التالية أصبحت منشورة في كلَّ النشرات الإقتصادية :
فالجزائر تستورد خمسة ملايين طن،
والعراق تستورد ثلاثة ملايين طن ،
والمغرب تستورد أيضاً ثلاثة ملايين طن ،
واليمن يستـورد ثلاثة ملايين طن تقريبا ،
وهذه البلاد كلها من أخصب أرض الله تعالى !
وهذا كله يدل على أنَّ فساد النظام السياسي العربي بلغـت آثاره المدمّـرة ، أن تقتـل الشعوب من الجـوع .
وأنـّـه مالم يحدث التغييـر السياسي الذي تنشده الشعوب ، والذي يرتكز على ثلاثـة أسس :
الأول :
تخليص الأمـّة من الهيمنة الأجنبيـة ،
التـي غدت تتحكم حتى في خبـز شعوبـنا ،
وتحـرم شعوب العالم من خبـزهـا .
والثاني :
تخليص الأمّـة من الإستبداد السياسي الذي هو مصدر كلِّ مصائبها.
والثالث :
تخليص الأمّـة من حالة التشرذم ،
وضياع الهوية.
أنـّه مالم يحـدث هذا التغيير ،
فإنَّ أحداث المحـلّة ، ستصبح في كلِّ محـلّة .
ذلك أنَّ الناس إذا اجتمع عليهم جـوع أزمة الغذاء العالميـة ،
مع سلب الحرية ،
وانتهاك الكرامة ،
فإنهـم يتحولون إلى سيـل بركان جارف لايقف في وجهـه شيء.
ولله الأمـر من قبل ، ومن بعـد ، ولكن أكثر الناس لايعلمون
حامد بن عبدالله العلي
بنت پاكستان- مدير الموقع
- عدد الرسائل : 19524
العمر : 38
العمل/الترفيه : طالبة علم/ زوجة / أم
تاريخ التسجيل : 02/01/2008
مواضيع مماثلة
» مشروبات الطاقة بين الفائدة والخطر
» تطورات موقف أميركا من أحداث مصر
» شهيد في أحداث غزة الأخيرة....
» موقف الجيش من أحداث مصر
» أحداث عاشوراءالإيرانية..ملاحظات ودلالات المستقبل
» تطورات موقف أميركا من أحداث مصر
» شهيد في أحداث غزة الأخيرة....
» موقف الجيش من أحداث مصر
» أحداث عاشوراءالإيرانية..ملاحظات ودلالات المستقبل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى